مطعم الاسبوع: «كافيه موندو» قرّب اللبنانيين من الإيطاليين وولد بينهما قصّة «خبز وملح»

مقصد رجال الأعمال في النهار والرومانسيين في الليل

ديكورات هادئة ومأكولات إيطالية أصلية، و تراس صيفي تابع لمطعم موندو في فندق فينيسيا
ديكورات هادئة ومأكولات إيطالية أصلية، و تراس صيفي تابع لمطعم موندو في فندق فينيسيا
TT

مطعم الاسبوع: «كافيه موندو» قرّب اللبنانيين من الإيطاليين وولد بينهما قصّة «خبز وملح»

ديكورات هادئة ومأكولات إيطالية أصلية، و تراس صيفي تابع لمطعم موندو في فندق فينيسيا
ديكورات هادئة ومأكولات إيطالية أصلية، و تراس صيفي تابع لمطعم موندو في فندق فينيسيا

«كافيه موندو» هذا المقهى الواقع في وسط بيروت، وبالتحديد في فندق فينيسيا التاريخي، هو كناية عن واحة إيطالية حقيقية تنقلك على مدى أشهر السنة إلى مدن ساحرة بواسطة أطباق طعام اشتهرت بها.
فما إن تطأ مدخله ذات الردهة الطويلة حتى تلفتك خريطة إيطاليا المرتفعة إلى يسارك، وقد لوّنت مناطقها مثل كالابريا وسيسيليا وبوتينزا وموليزي وروما وغيرها، بالأحمر والأصفر والأخضر وغيرها من الألوان للدلالة على طبيعتها ونوعية الأطباق المشهورة فيها.
وتحت هذه الخريطة مباشرة يطالعك جدول حددّ بأشهر السنة كاملة، يعلمك عن اسم المدينة التي تقدّم أشهر أطباقها في المطعم وفقا لكل شهر.
ففي يناير (كانون الثاني) الأطباق تعدّ على طريقة مدينة توسكانا، أما في سبتمبر (أيلول) فهي تقدّم بأسلوب طهاة أهل سردينيا، بينما شهر يونيو (حزيران) يحمل في طيّاته أصناف طعام استوحيت من منطقة إميليا رومانيا.
لا يعدّ ديكور «كافيه موندو» من النوع المترف أو الذي يرتكز على تعقيدات في تصاميم كراسيه وطاولاته. فقد تمّت هندسته الداخلية ليشعر راده بأنهم في مكان حميم ومستقلّ. يتسع «كافيه موندو» لنحو الـ160 شخصا في الداخل. أما القسم الخارجي منه، أي الـ«تراس» المطلّ على نادي «السان جورج» للسباحة والغطس، فهو بإمكانه استيعاب نحو 70 شخصا وتحيط به أشجار الزيتون فتنسى تماما أنك جالس في وسط بيروت، ليخيّل إليك أنك في إحدى مناطق ريف إيطاليا الجنوبية.
يشتهر «كافيه موندو» منذ افتتاحه في أوائل الألفية الثالثة بأصناف السلطات التي تتضمنها لائحة الـ«سالاد بار» فيه. ففيها نحو الـ30 نوعا من الخضار واللحوم البيضاء والحمراء، إضافة إلى خلطات من الـ«الكينوا» والعدس» المتبّل وغيرها من أصناف السلطات التي ترضي جميع الأذواق. كما يمكنك أن تتناولها مع صلصات مختلفة كالـ«فينيغريت» والـ«بالساميك» أو مع صلصة «المايونيز» أو تلك العادية المؤلّفة من عصير الليمون الحامض مع زيت الزيتون.
وأحدث أخيرا الشيف النمساوي توماس فيغوف والمسؤول عن جميع مطاعم فندق فينيسيا، تغييرات جذرية في لائحة الطعام المقدّمة في «كافيه موندو».
«رغبنا في أن نجعلها أكثر بساطة بحيث يستطيع الزبون أن يفهم بسرعة ما يريد تناوله». كما أجرينا بعض التعديلات على أطباق الـ«ستارترز» (مقبلات)، فصارت تتضمن عدة أصناف من طبق الـ«كارباتشيو» المعدّ من السمك الطازج. يقول الشيف توماس الذي تابع قائلا: «كما أننا ابتكرنا أطباقا من الباستا واللحوم مستندين على النكهات اللذيذة وليس على عدد كمية الأطباق. فاللائحة الحالية أصغر من السابقة، بحيث يستطيع الزبون أن يركّز على ما يريد تناوله دون أن يتوه في عدد الأصناف الكثيرة منها».
هل هذا يرتبط بموضة الـ«مينيماليسم» (التصغير) السائدة في عالم التصاميم الفنية حاليا؟ يردّ الشيف النمساوي الذي مضى على وجوده في فندق فينيسيا نحو الثلاث سنوات: «لا، ليست قضية موضة بقدر ما هو أسلوب جديد لإراحة الزبون، فبهذه الطريقة لا يعود يشعر بأن تعقيدات أو قيودا تكبّل خياراته فكل شيء واضح وبسيط أمامه».
أصرّ الشيف توماس على الاستئذان مني أكثر من مرة ليقوم بتحضير أصناف الطعام التي ينوي أن أتذوقها من يديه شخصيا. فغاب في المرة الأولى ليعود ويقول لي: «الآن ستعطيني رأيك بطبقي (الكارباتشيو) اللذين أعددتهما لك». وبالفعل وصل الطبقان اللذان يشعرانك بسرعة بأنهما يتألّفان من مواد طازجة. فالـ«كارباتشيو سي باس» هو مصنوع من السمك الأبيض والمتبّل مع برش زيت البرتقال وتغطّيه حبات الـ«كابر» الخضراء اللذيذة. أما الـ«كارباتشيو بيف» المؤلّف من رقائق اللحم الأسترالي الأحمر والمغطّى بقطع من جبنة «البارميزان» الحادة الطعم، فهو يترك لديك إحساسا بأنك لن تتوقّف عن تناوله ما دام موجودا على المائدة. أما طبق الـ«بوراتا» الذي يدخل أيضا ضمن لائحة المقبلات، فهو كناية عن قطعة من جبن البوراتا محضّر مع صلصة الـ«بيستو» والأعشاب الطازجة.
ولكن ما هي العناصر الأساسية التي يتألّف منها أي طبق إيطالي؟ أسأل الشيف الذي شاركني تناول طعام الغداء فيردّ: «هي بالمجمل خلطة من باقة أعشاب كالحبق والروزماري، وغيرها، إضافة إلى زيت الزيتون بالطبع، فهذا الأخير من أهم عناصر المائدة الإيطالية ويستخدم في جميع الأطباق، بحيث يتم رشّ كمية صغيرة منه على مكونات الطبق ليضيف نكهة خاصة إليها.
تطول لائحة الأطباق التي يقدّمها «كافيه موندو» فمنها ما يتعلّق بالـ«بيتزا» الشهية كالـ«مارغاريتا» والـ«نابولي كلاسيك» و«بيكانتي» مع الدجاج وغيرها. وتشمل أطباق الـ«باستا» التي يسيل لها اللعاب كالـ«تاليوليني» مع الجمبري المتبّل مع بلح البحر، والـ«لازانيا» مع صلصة البيشاميل والـ«بينيتي» مع ثمار البحر المخلوطة بالزنجبيل وعصير الليمون وباقة من الأعشاب المعطّرة. وكذلك تحتوي على الأطباق الرئيسية كـ«شيكين إسكالوب» و«غريلد تاندارليون» من اللحم الأسترالي الطري، والـ«ميني ستايك» مع الريزوتو والفريكة.
مرة أخرى، غاب الشيف توماس ليعود هذه المرة وفي جعبته أصناف طعام جديدة ليقول لي: «أعطني رأيك الآن بطبق الـ(سكارنوزا) مع البروكولي والـ(فورست ماشروم) مع (الريزوتو)». وبالفعل كان طعم هذين الطبقين رائعان لمكوّناتهما الخفيفة واللذيذة معا. أما الطبقان الأخيران اللذان تألّفا من الـ«يونوكي مع البيستو» و«ثمار البحر المشوية» مع الخضار، فلخصا بطعمهما الدقّة والتأني في طريقة تحضير الشيف توماس للطعام.
طيلة وقت تناولنا الطعام والذي استغرق نحو الـ90 دقيقة، كان يدخل المطعم زبائن من جنسيات مختلفة. فإلى يميني جلس شاب فرنسي مع حاسوبه الآلي بعد أن اختار ما يرغب به من السلطات المعروضة أصنافها مباشرة على طاولة خاصة به وسط المطعم. فيما استمتعت سيدتا أعمال جلستا خلفي مباشرة بتذوّق طبقي «الكارباتشيو» والـ«باستا» اللذين كما قالتا لي، يشكّلان السبب الرئيسي لاختيارهما هذا المطعم الإيطالي دون غيره في بيروت.
ولم يخلُ المطعم من الزبائن الذين ارتادوه لإجراء محادثات خاصة في عملهما، وآخرين طلبوا «الصحن اليومي» المندرج حديثا في لائحة طعام «كافيه موندو» وكان يومها يتألّف من «اللازانيا».
تلفتك في المطعم الخدمة السريعة التي يقدّمها لك العاملون والابتسامة مرسومة على ثغرهم. واحدة من العمال وتدعى سماح قالت لي: «إننا نخضع لعملية تدريب دقيقة تسبق عملنا التطبيقي، وجميعنا نتذكّر العنوان العريض الذي يزوّدونا به أثناءها، وهو التحلّي بالابتسامة الدائمة مع الزبون والتمتّع بسرعة الملاحظة، كي نقف دائما على رغبات الزبون حتى دون أن يطلبها منّا مباشرة».
«إن اللبيب بالإشارة يفهم»، قول يطبّق بالفعل في «كافيه موندو» وهو أمر لمسته أنا شخصيا على أرض الواقع.
ليلة الأربعاء يقدّم المطعم سهرة رومانسية لمحبي الموسيقى الهادئة وأغاني النوستالجيا القديمة. ففي هذه الليلة تلتقي الأجواء الفنية مع الجلسات الحميمة ونكهات الطعام الأصيلة، لتنقلك إلى عطر إيطاليا الساحر، فتشتمّه برائحة أطباقها المنكّهة، وتتذوّقه بأذنك عند سماعك المغنين ماندي ولينو (يعزف على الأورغن) وهما ينشدان أغاني على البال بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
«كل الحق عالطليان»، هذا القول الشائع في لبنان قد يكون حقيقيا، إذا ما قصدت مطعم «كافيه موندو» وسط بيروت ولم تستطع أن تمنع نفسك من زيارته أكثر من مرة خلال وجودك هنا، لأنه يستولي على قلبك وشهيّتك دون استئذان.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.