تركيا تضع خطة جديدة لتخفيف مشاعر العداء ضد السوريين

تتضمن إعادة توزيعهم وإغلاق أحياء أمام تسجيل الأجانب

TT

تركيا تضع خطة جديدة لتخفيف مشاعر العداء ضد السوريين

أعلنت السلطات التركية إجراءات جديدة تتعلق بالسوريين المقيمين على أراضيها والقادمين حديثاً، تتضمن تضييقاً في منح الإقامة السياحية وبطاقات الحماية المؤقتة (الكيمليك)، وتوزيع الكثافات بالأحياء لعدم السماح بنشوء أحياء للسوريين، على غرار ما حدث في مدينة إسطنبول والعاصمة أنقرة، وما نتج عن ذلك من مشكلات، وبالتالي تخفف مشاعر العداء ضد السوريين.
وقال نائب وزير الداخلية التركي المتحدث باسم الوزارة، إسماعيل تشتاكلي، إن «السلطات لن تمنح السوريين القادمين حديثاً إلى تركيا بطاقة الحماية المؤقتة، أو الإقامة السياحية قصيرة الأجل، وستقوم بوضعهم في مخيمات للتحقيق معهم، ومعرفة مدى احتياجهم إلى الحماية المؤقتة من عدمه».
وأكد تشتاكلي أن تركيا لن تسمح بـ«الهجرة الاقتصادية» من سوريا، وخصوصاً من دمشق والمناطق المحيطة، لافتاً إلى أن أي شخص سيتم القبض عليه في تركيا سيُرسل إلى مخيمات محددة، ويجبر على الإقامة فيها قبل تقييم احتياجه إلى الحماية المؤقتة، لافتاً إلى أن هناك حركة هجرة سكانية من سوريا، معظمها من الذكور، لأسباب اقتصادية، لذلك لن يتم منحهم وضع الحماية المؤقتة فور تقدمهم بطلب الحصول عليها.
وتضمنت خطة جديدة اعتمدتها وزارة الداخلية الجديدة التركية، رفض تسجيل الأجانب في أي حي تبلغ نسبة الأجانب فيه أكثر من 25 في المائة من عدد سكانه. وقال تشتاكلي إنه تقرر إغلاق 781 حياً في تركيا أمام الأجانب لهذا السبب.
وأضاف: «لن نمنح السوريين القادمين حديثاً بطاقة الحماية المؤقتة، وهناك ولايات مغلقة أمام الحماية المؤقتة، وولايات مغلقة أمام الحماية الدولية، وأخرى مغلقة أمام كلتيهما، هي 16 ولاية تشمل كلاً من: إسطنبول، وهطاي، وأنقرة، وأنطاليا، وأيدن، وبورصة، وتشناق قلعة، ودوزجه، إدرنه، وإزمير، وكيركلاريلي، وكوجا إيلي، وموغلا، وسكاريا، وتكيرداغ، ويالوفا».
وبدأت السلطات التركية مراجعة «سياسة الباب المفتوح» تجاه اللاجئين السوريين التي طبقت مع بدء الحرب في سوريا عام 2011، بعدما زاد تذمر المجتمع، إلى جانب استغلال بعض أحزاب المعارضة، السوريين، كورقة ضغط على حكومة حزب «العدالة والتنمية» برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، لا سيما في الفترة الأخيرة؛ حيث اشتدت الأزمة الاقتصادية وبدأت الأجواء السياسية تزداد سخونة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو (حزيران) 2023.
وشهدت السنوات الأخيرة تصاعداً في مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين، بعد قيام عدد من السياسيين بحملات لفرض قيود أكثر صرامة عليهم. وفي المقابل، تتصاعد مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا يوماً بعد يوم؛ لا سيما مع تنامي واتساع التيار المناهض للمهاجرين في البلاد، ليشمل المؤيدين لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم نفسه، ووصول الوضع إلى نقطة الغليان، مع تصاعد الأزمة الاقتصادية.
واندلعت أعمال عنف في العاصمة التركية أنقرة، في أغسطس (آب) الماضي، على خلفية مقتل صبي تركي على يد اثنين من السوريين في حي التنداغ؛ حيث قام الأهالي الغاضبون بتخريب وإحراق محلات ومنازل السوريين، وقامت السلطات لاحقاً بنقل السوريين إلى أماكن أخرى عبر خطة لإعادة توزيع اللاجئين.
ويسعى حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر حزب معارض في تركيا، وحليفه حزب «الجيد» إلى جانب بعض الأحزاب القومية واليسارية، إلى استغلال ورقة اللاجئين لكسب مزيد من التأييد في مواجهة إردوغان. وتعهدت تلك الأحزاب بإعادة السوريين إلى بلادهم في غضون عامين حال فوزها بالانتخابات.
كما تبنت أحزاب قومية وإسلامية، مثل حزب «السعادة» الإسلامي، وحزب «الحركة القومية»، الحليف لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في «تحالف الشعب»، موقف الأحزاب الأخرى بشأن إعادة اللاجئين إلى بلادهم.
واعترف إردوغان -مع ازدياد الضغوط من جانب المعارضة والشارع التركي- بوجود أزمة مجتمعية بسبب اللاجئين، وقال في تصريحات مؤخراً: «نحن على علم تام بالاضطرابات في المجتمع». وقال وزير خارجيته، إن تركيا تريد التشاور مع الأمم المتحدة بشأن إعادة السوريين إلى بلدهم.
وفي إطار السياسة الجديدة للحكومة التركية، أكد وزير الداخلية سليمان صويلو، ضرورة تخفيف الكثافة السكانية للسوريين؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى تدهور التركيبة السكانية في تركيا، وأن وزارته بصدد تنفيذ خطة تتضمن تحقيق ذلك؛ حيث تشمل الخطة عدم منح أي أجنبي تصريح إقامة في المناطق التي يزيد عدد سكان الأجانب فيها عن 25 في المائة من إجمالي السكان.
وتستهدف الخطة التي سمتها وزارة الداخلية «مكافحة التركيز المكاني»، والتي وضعتها على خلفية مقتل الصبي التركي أميرهان يالتشين في حي التنداغ في أنقرة، على يد اثنين من السوريين في أغسطس الماضي، توزيع نحو 3.7 مليون سوري يعيشون تحت الحماية المؤقتة في تركيا على جميع ولايات البلاد البالغ عددها 81 ولاية، مع حظر منح الحماية المؤقتة أو الدولية أو الإقامات في 16 ولاية.
ومن أصل 52 حياً في إسطنبول، تم غلق حيي الفاتح وأسنيورت أمام تسجيل الأجانب من مختلف الجنسيات.
أما الخطوة الثانية من الخطة، فتتمثل في التسكين الطوعي للسوريين في البلديات والمدن ذات الكثافة السكانية المنخفضة، مع التركيز على مسائل أساسية، هي: «التكيف مع الحياة الاجتماعية، والمشكلات الأمنية، وتنسيق الخدمات العامة، ومنع التفكك المجتمعي».
وفي إطار الخطة ذاتها، أعلنت السلطات التركية، مؤخراً، نقل 4514 لاجئاً من حي التنداغ بالعاصمة أنقرة إلى مدن أخرى، وقامت بهدم 309 مبانٍ مهجورة يستخدمها اللاجئون، إلى جانب إغلاق 177 مكان عمل يعود للسوريين في المنطقة نفسها، لافتقادها إلى الرخص الرسمية، وذلك بالتزامن مع تصريحات لرئيس حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، عن بدء تكوين السوريين أحياء خاصة بهم داخل المدن التركية.
وفي ظل استمرار الحملات التحريضية ضد اللاجئين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي في الغالب، حذر حقوقيون من أن ينعكس ذلك على عامل الاستقرار لديهم؛ خصوصاً أن التحريض لم يعد مرتبطاً بالانتخابات فقط.
وخلال زيارة لتركيا، مؤخراً، أقر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بأن ارتفاع عدد اللاجئين قد خلق توترات اجتماعية، لا سيما في المدن الكبرى في تركيا، وحث الدول المانحة والمنظمات الدولية على بذل مزيد من الجهد لمساعدة تركيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.