حروب بوتين الكبرى بدأت في داغستان والشيشان ووصلت الآن إلى أوكرانيا

ثلاث رئاسات إحداها في ظل ميدفيديف «نجح» خلالها في قضم أراضٍ بجورجيا

خاض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن العديد من النزاعات عبر العالم غير أن الحرب التي أعلنها الآن على أوكرانيا هي الأوسع نطاقاً (أ.ف.ب)
خاض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن العديد من النزاعات عبر العالم غير أن الحرب التي أعلنها الآن على أوكرانيا هي الأوسع نطاقاً (أ.ف.ب)
TT

حروب بوتين الكبرى بدأت في داغستان والشيشان ووصلت الآن إلى أوكرانيا

خاض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن العديد من النزاعات عبر العالم غير أن الحرب التي أعلنها الآن على أوكرانيا هي الأوسع نطاقاً (أ.ف.ب)
خاض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن العديد من النزاعات عبر العالم غير أن الحرب التي أعلنها الآن على أوكرانيا هي الأوسع نطاقاً (أ.ف.ب)

خاض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى الآن، العديد من النزاعات عبر العالم، غير أن الحرب التي أعلنها الآن على أوكرانيا هي الأوسع نطاقاً، وربما الأخطر أثراً على النظام الدولي الذي أرسته الدول الرئيسية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وشهد تعديلات جوهرية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه بحلول عام 1991.
ورثت روسيا الإرث المثقل بالحروب للاتحاد السوفياتي قبل وصول رجل المخابرات القوي فلاديمير بوتين، إلى سدة الحكم في الكرملين. شاركت روسيا بين عامي 1991 و1999 فيما سمي «الحرب الأهلية الجورجية» و«حرب أبخازيا» في المنطقة الانفصالية التابعة للجمهورية السوفياتية السابقة، ثم أرسلت قوات إلى مقاطعة ترانسنيستريا في مولدوفيا ونزاع بريغوردني الشرقية، وتدخلت في الحرب الأهلية في طاجيكستان، قبل أن تتورط في حرب الشيشان الأولى بين عامي 1994 و1996.
بدأ فلاديمير رئاسته الأولى لروسيا عام 1999 على وقع حربين رئيسيتين في إقليمي داغستان والشيشان الانفصاليين التابعين لروسيا الاتحادية في أقصى جنوب غربي البلاد. وتمردت الشيشان، وبدرجة أقل داغستان، بشكل دوري ضد موسكو في محاولة عنيفة في بعض الأحيان لتأمين الاستقلال. وقاد بعض هذا العنف انفصاليون والبعض الآخر متشددون، لا سيما خلال بعض أسوأ السنوات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وإذا كانت الحرب الشيشانية الأولى توصف بأنها «وحشية»، لأن القتال حصد أرواح الآلاف، فهي أدت إلى تحول الجماعات الشيشانية إلى حركات تمرد. وقالت مجموعة الأزمات الدولية، إن هذه الحرب وما تلاها «حولت القضية القومية إلى قضية إسلامية». وبدأ نفوذ هذه الجماعات يتزايد ليصل إلى الذروة عام 1999، حين غزت مجموعة تتخذ من الشيشان مقراً منطقة داغستان الروسية المجاورة، معلنة الحرب على موسكو، وأن داغستان صارت دولة إسلامية مستقلة. عامذاك، تحركت القوات الروسية. وبدأت الحرب الثانية في الشيشان، مما أدى إلى مقتل الآلاف، بما في ذلك العديد من المدنيين، ودمرت مساحات شاسعة من البلاد، في سياق عمليات عسكرية واسعة النطاق اتسمت بادعاءات عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان من الجانبين. وعلى الرغم من أن هذه الحرب استمرت أقل من عام في داغستان المجاورة، اشترت لعقد كامل من التمرد والوجود العسكري الذي تلا ذلك. ويدير الشيشان الآن زعيم معروف بولائه لموسكو. وهو قاد معركة غروزني مع الجيش الروسي الذي دمر المدينة وحولها بشكل شبه كامل إلى أنقاض.
وكانت هذه أبرز حرب قادها الرئيس بوتين خلال رئاسته الأولى التي انتهت عام 2008، علماً بأن الرئيس الذي أعقبه دميتري ميدفيديف عينه رئيساً للوزراء. وقال مسؤولون غربيون، حينها، إن الرئيس الفعلي كان آنذاك أيضاً هو فلاديمير بوتين.
وشهد عام 2008 أيضاً اندلاع حرب أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهما إقليمان انفصاليان في جورجيا. وتدخلت فيهما القوات الروسية على الفور للمساعدة في إعلانهما جمهوريتين مستقلتين تدوران في فلك روسيا. وفي أغسطس (آب) 2008، امتدت الحرب من أوسيتيا الجنوبية إلى أبخازيا، حيث قامت القوات المتمردة الانفصالية بالتعاون مع الطيران الحربي الروسي بشن هجوم على جميع القوات الجورجية. وأعلن الرئيس الأبخازي الانفصالي الموالي لموسكو سيرغي باغابش، أن قواته قامت بعملية عسكرية كبيرة لإجبار القوات الجورجية على الخروج من وادي كودوري، الذي ما زالوا يتحكمون فيه. وكانت نتيجة هذا الهجوم خروج القوات الجورجية من أبخازيا بشكل كامل. وبقي هذا النزاع الذي يعد من أكثر الصراعات دموية في الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي غير محلول، على الرغم من أن الحكومة الجورجية عرضت منح أبخازيا حيزاً كبيراً من الحكم الذاتي. غير أن الحكومة الانفصالية والمعارضة رفضتا كل أنواع البقاء في دولة واحدة مع الجمهورية السوفياتية السابقة. واتهم العديد حكومة رئيس الوزراء إدوارد شيفاردنادزه، بأنها سبب الأعمال العدائية التي لا معنى لها، وأن دبلوماسية إدارتهم لم تكن فعالة خلال الحرب وبعدها. وخلال الحرب، قام الأبخاز الانفصاليون بمساعدة من القوات الروسية بعملية أدت إلى طرد 250 ألف جورجي من أبخازيا وقتل ما يزيد عن 15 ألفاً.
وفيما كانت روسيا بوتين تشارك في الحرب الأهلية السورية وترسل مرتزقة «فاغنر» إلى ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وغير من الدول المضطربة في العالم، واجهت موسكو حركة انفصالية أخرى في شمال القوقاز استمرت بين عامي 2009 و2017، لكن الأزمة الأكبر مع أوكرانيا بدأت عام 2014 بعدما أطاح المواطنون الأوكرانيون حكم الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي كان يعد حليف بوتين في كييف. وبعيد فراره إلى موسكو، قرر الرئيس فلاديمير بوتين، ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا، في أكبر عملية استيلاء بالقوة على الأراضي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وساعده في ذلك افتقار أوكرانيا إلى النفوذ والقدرات الكافية لاستعادة السيادة على هذه المنطقة الاستراتيجية. لكن الغرب لم يقبل قط بهذا الواقع. وظل الرئيس فلاديمير بوتين، منذلك الحين، يلوم «ثورة الميدان» في أوكرانيا كمبرر «لاستعادة روسيا أراضيها المسلوبة». وبعدما نفى وجود قوات روسية في المنطقة، نظمت السلطات استفتاء وصف بأنه «صوري» لإعلان الموافقة على ضم القرم لروسيا. وسارع بوتين إلى توقيع معاهدة انضمام جمهورية القرم إلى روسيا. ويبدو أن ما حصل في منطقة دونباس هو صورة مكررة لـ«نجاح» بوتين في ضم تلك الأراضي، وهو الآن في خضم غزو أوكرانيا - كل أوكرانيا.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».