قلق إسرائيلي من تقارب روسي ـ إيراني في سوريا بسبب أوكرانيا

مظاهرتان ضد موسكو في تل أبيب وحيفا

روسية تحرق جواز سفرها خلال تظاهرة مؤيدة لأوكرانيا في تل أبيب أول من أمس (أ.ب)
روسية تحرق جواز سفرها خلال تظاهرة مؤيدة لأوكرانيا في تل أبيب أول من أمس (أ.ب)
TT

قلق إسرائيلي من تقارب روسي ـ إيراني في سوريا بسبب أوكرانيا

روسية تحرق جواز سفرها خلال تظاهرة مؤيدة لأوكرانيا في تل أبيب أول من أمس (أ.ب)
روسية تحرق جواز سفرها خلال تظاهرة مؤيدة لأوكرانيا في تل أبيب أول من أمس (أ.ب)

في الوقت الذي تتعرض فيه الحكومة الإسرائيلية لضغوط أميركية، لكي تتخذ مواقف «أكثر صرامة ووضوحا في تأييد الموقف الغربي» من الأزمة الأكرانية، وأخذ دور في المجتمع الدولي وفي «تشجيع قيادة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي»، كشفت مصادر عسكرية عن مخاوف الجيش والموساد من أن يؤدي التحالف الغربي الحربي إلى عزل روسيا وبالتالي تشكيل أحلاف مع غلاة المتطرفين في محور الشر والتقرب بشكل خاص من إيران مع كل ما يحمله هذا من تبعات على الأوضاع في سوريا والتصادم هناك مع إسرائيل. وقالت هذه المصادر إن روسيا، أبلغت إسرائيل أنها لا تنظر بعين الرضى لوقوفها مع أوكرانيا والغرب، ولكنها مستعدة لامتصاص هذا الموقف بشرط ألا يتكرر.
وكانت إسرائيل، وبعد ضغوط شديدة من واشنطن والعواصم الأوروبية، قد حسمت موقفها لصالح الغرب في الأزمة الأكرانية، وأعلن وزير الخارجية، يائير لبيد، التنديد «بالهجوم الروسي الخطير على أوكرانيا». وأضاف أن «إسرائيل هي دولة جربت الحروب، ولا ترى في الحروب أنها ليست طريقة لحل النزاعات». وأعرب عن الأمل بأنه «ما زال بالإمكان وقف وتسوية الخلافات بالطرق الدبلوماسية». وأشار لبيد إلى علاقات إسرائيل الجيدة مع روسيا وكذلك مع أوكرانيا، لكنه أضاف أن «الهجوم الروسي على أوكرانيا هو خرق خطير للنظام العالمي، وإسرائيل تندد بهذا الهجوم، ومستعدة وتستعد لتقديم مساعدات إنسانية لمواطني أوكرانيا». وتابع لبيد أنه «يوجد عشرات آلاف الإسرائيليين في روسيا وأوكرانيا، ومئات آلاف اليهود في كلتا الدولتين، والحفاظ على أمنهم وسلامتهم في مقدمة اعتباراتنا».
وجاء الموقف الإسرائيلي في أعقاب مداولات أجراها لبيد ورئيس الوزراء، نفتالي بنيت، إثر الهجوم الروسي على أوكرانيا، بمشاركة ومسؤولين في مجلس الأمن القومي. وقد اتفقوا على أنه لم يعد ممكنا الاستمرار في الموقف الإسرائيلي الضبابي من هذه الأزمة، والذي كان يرمي إلى الحفاظ على الحياد حتى لا يغضب الروس أو الأميركيون. فقد كانت النتيجة أن جميع الأطراف، في واشنطن وموسكو وكييف والعواصم الأوروبية، انتقدت إسرائيل. وتقرر الحسم لصالح الغرب، ولكن من دون تشديد اللهجة ضد روسيا.
وفي يوم أمس الجمعة، أعلن رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، أنه تحدث مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن «وضع القتال في أوكرانيا وفي منطقة كييف بشكل خاص». وقال إنه عرض تقديم مساعدات إنسانية إسرائيلية وأكد مجدداً تمنياته في أن يوضع حد للقتال سريعاً، كما التمس التعبير عن تعاطفه مع الشعب الأوكراني في هذه الأيام الصعبة التي يمر بها.
وفي حين رحب الغرب بالموقف الإسرائيلي الجديد، كما عبر عنه لبيد وبنيت، عبرت روسيا عن غضبها عن طريق الإدلاء بتصريحات تهاجم الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية والسورية المحتلة. وقال نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، إن «روسيا لا تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، الذي يعتبر أرضاً سورية محتلة». وخلال الإحاطة الشهرية لمجلس الأمن في موضوع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، قال الدبلوماسي الروسي: «إننا قلقون من خطة تل أبيب المكثفة لتوسيع نشاط المستوطنات في هضبة الجولان المحتلة، التي تتناقض بشكل مباشر مع معاهدة جنيف من العام 1949».
ولمح الروس إلى أن تصريحات بوليانسكي هي رسالة تهديد غير مباشر لإسرائيل، تعبر فيها موسكو عن غضبها من موقف تل أبيب إزاء الأزمة في أوكرانيا والحديث عن «هضبة الجولان» من دون أن يوجه له سؤال في الموضوع، هو تلميح بأن إسرائيل يمكن أن تدفع ثمن هذا الموقف بمصالحها في سوريا.
وكان بنيت قد دعا إلى مداولات موسعة، في ساعة متأخرة من ليلة الخميس - الجمعة، لدراسة الأوضاع في أوكرانيا وتبعاتها على إسرائيل، حضرها كل من لبيد ووزير الدفاع، بيني غانتس، ومسؤولون آخرون في الخارجية ومجلس الأمن القومي وقيادة الجيش والمخابرات. وبدا واضحا أن قادة الأجهزة الأمنية قلقون من الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على إسرائيل. ومع أن بنيت طلب عدم تسريب معلومات وعدم تفوه الوزراء بخصوص هذه الحرب، فقد كشف أنه «في حال خرج بوتين من الحرب في أوكرانيا متضررا اقتصاديا بشكل كبير بعد فرض عقوبات أميركية وغربية شديدة على روسيا، فإنه سيتزايد التخوف من أنه سيغير سياسته مقابل إسرائيل في سوريا ودول بعيدة أكثر (العراق واليمن)، تعمل فيها إسرائيل من أجل إحباط تموضع إيراني، وهذا فضلا عن التخوف من أن تؤثر على التنسيق الأمني بين روسيا وإسرائيل في سوريا، ووقف هجمات الأخيرة ضد أهداف إيرانية هناك». واعتبرت هذه التقديرات أنه بذلك ستتمكن إيران من نقل أسلحة أكثر تطورا إلى سوريا ودول أخرى في المنطقة، «لأن بوتين سيحتاج إلى مداخيل من صفقات أسلحة كبيرة، وسيرغب في إحداث توازن رعب مقابل قوات عسكرية غربية موجودة في المنطقة».
ونقلت صحيفة «هآرتس»، على لسان مسؤول في جهاز الأمن الإسرائيلي أن «الروس يستخدمون قوتهم بشكل ناجع وذكي. ويدرسون كل خطوة من عدة جوانب. ويرصدون من معهم ومن هو ضدهم. وبوتين، من أجل تحسين مكانته، قد يفرض قيودا على إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية في الشرق الأوسط، وخاصةً في الأراضي السورية، من خلال وضع مصاعب أمامها في إطار التنسيق الأمني معها».
كذلك أعرب مسؤولون أمنيون عن تخوفهم من أنه في حال تحريك حلف شمال الأطلسي (الناتو) قوات عسكرية أخرى إلى البحر المتوسط أو دول في المنطقة، فإن بوتين سيستخدم أجهزة تشويش «جي بي إس» متطورة، وحرب إلكترونية وهجمات سيبرانية بهدف عرقلتهم. «وخطوة كهذه من شأنها تقييد حرية عمل الجيش الإسرائيلي وحتى عرقلة منظومات تكنولوجية عسكرية ومدنية في إسرائيل».
ويتحسبون في جهاز الأمن الإسرائيلي من أن تنديد القادة السياسيين في إسرائيل، بالغزو الروسي لأوكرانيا، سيجعل بوتين يغير توجهه إلى الهجمات التي يشنها الجيش الإسرائيلي في الجهة الشرقية من هضبة الجولان. وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن الوضع الحالي سيتغير في المستقبل. ويتحدث المسؤولون في تل أبيب عن تقديرات كثيرة بأن «الأحداث الأخيرة ستؤدي إلى تقارب عسكري وسياسي بين روسيا وإيران». ويقولون إن «فرض عقوبات تجارية على روسيا يمكن أن تجعل بوتين يضع إيران تحت رعايته». وأشارت «هآرتس»، إلى أن الإسرائيليين كانوا يعتبرون، حتى فترة قريبة، أن روسيا ليست معنية بتموضع إيران في سوريا، والآن باتوا في جهاز الأمن يخشون من أنه من أجل تقريب إيران منه، سيسمح بوتين لها بالتصرف بحرية أكثر في سوريا، وأكثر بكثير مما كانت إسرائيل تريد وبإمكانها أن تحتوي».
ولم يستبعد الأمنيون الإسرائيليون أن تؤثر الحرب في أوكرانيا سلبا وتضع مصاعب أمام الدول العظمى لبلورة تفاهمات بشأن الاتفاق النووي مع إيران، من خلال المحادثات في فيينا. وقالوا «إن من شأن ذلك تأخير توقيع اتفاق جديد، وحتى خلط الأوراق في المفاوضات».
يذكر أن عشرات الإسرائيليين خرجوا في مظاهرتين ضد روسيا، واحدة أمام سفارتها في تل أبيب، والثانية أمام القنصلية الروسية في حيفا. وقد حاول بعض المتظاهرين اقتحام المقرين الدبلوماسيين، لكن الشرطة سارعت لاعتقال ثلاثة منهم.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».