الدبيبة يتهم «النواب» الليبي بتعطيل حكومة «الوحدة»

تحذير دولي من أي «أعمال تقوض مؤسسة النفط»

عبد الحميد الدبيبة لدى مشاركته في افتتاح مسجد بزليتن (المركز الإعلامي للحكومة)
عبد الحميد الدبيبة لدى مشاركته في افتتاح مسجد بزليتن (المركز الإعلامي للحكومة)
TT

الدبيبة يتهم «النواب» الليبي بتعطيل حكومة «الوحدة»

عبد الحميد الدبيبة لدى مشاركته في افتتاح مسجد بزليتن (المركز الإعلامي للحكومة)
عبد الحميد الدبيبة لدى مشاركته في افتتاح مسجد بزليتن (المركز الإعلامي للحكومة)

استبق عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، جلسة التنصيب المتوقعة لحكومة غريمه رئيس الوزراء المكلف، فتحي باشاغا، بمقر مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) بعد غد، باتهامه مجدداً بمحاولة تعطيل عمل حكومته، ومنعها من تقديم الخدمات للشعب الليبي.
كما اتهم الدبيبة لدى زيارته، مساء أول من أمس، بلدية سوق الجمعة في العاصمة طرابلس، الأجسام الحالية بعدم الاكتراث بمعالجة الأوضاع المعيشية لليبيين، وتأزيم أوضاعهم الاقتصادية، واعداً بإصدار عدة قرارات مهمة، تتعلق بتطوير البنية التحتية، وصيانة الطرق، وتخصيص بعض المقار والأماكن الخدمية. وقال إن «هناك أعداء في الداخل والخارج (لم يحددهم)، ولا يهمهم راحة الليبيين واستقرار البلاد».
وبعدما كشف النقاب عن رسالة وجهها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بإيقاف الصرف، والاكتفاء بصرف المرتبات والدعم، أعرب الدبيبة، الذي تعهد بتفادي محاولة تعطيل الحكومة، عن ثقته بمحافظ المصرف، ووصفه بأنه «شخصية وطنية لا يمكن أن يوقف حياة الشعب».
وشدد على ضرورة صياغة وإقرار دستور يتفق عليه جميع الليبيين، وينظم حياتهم، وانتخاب مجلس تشريعي موحد ومنتخب، إضافة إلى وقف التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي.
في سياق ذلك، أوضح الدبيبة أنه لا توجد لمفوضية الانتخابات أي مشكلة في تنظيم الانتخابات البرلمانية في شهر يونيو (حزيران) المقبل، مجدداً دعوته لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ورفضه التمديد لمجلس النواب الحالي، أو لغيره من الأجسام السياسية الأخرى.
وخلال مشاركته حفل افتتاح مسجد ومنارة الغويلات في بلدية زليتن، أمس، قال الدبيبة إنه أمر بطباعة مليون نسخة من مسودة الدستور، قصد توزيعها على المواطنين للاطلاع عليها، لافتاً إلى أن الكثير ممن انتقدوها لم يطلعوا عليها.
بدوره، اعتبر خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أن رغبة مجلس النواب في تغيير الحكومة في الوقت الحالي «خطوة غير صحيحة وسابقة لأوانها».
واشترط المشري، في كلمة مصورة له، مساء أول من أمس، لتغيير الحكومة موافقة مجلسي الدولة والنواب على المسار الدستوري، ودعا الدبيبة ومجلس النواب إلى التعاون للوصول إلى انتخـابات بأسس قانونية واضحة، موضحاً أن لدى مجلس الدولة قاعدة دستورية كاملة، سيبحثها مع مجلس النواب، وقال إنها ستكون جاهزة قبل نهاية شهر أبريل (نيسان) المقبل لإجراء الانتخابات.
وشارك المشري، مساء أول من أمس، في اجتماع، استضافته مدينة الزاوية لأعضاء مجلسي النواب والدولة، ونائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، وعدد من القادة العسكريين الموالين لحكومة الوحدة.
في شأن آخر، حذرت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من أي أعمال، قد تقوض المؤسسة الوطنية للنفط، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعددة. وحثّ بيان مشترك للدول الخمس، مساء أول من أمس، جميع الجهات الليبية الفاعلة على احترام الوحدة والنزاهة والاستقلال، والحفاظ على الطبيعة غير السياسية والتقنية للمؤسسة، ويعود عدم انقطاع عملياتها بالفائدة على جميع الليبيين. كما شدد البيان على ضرورة تجنب مثل هذه الأعمال، التي قد تشكل تهديداً لسلام ليبيا وأمنها واستقرارها.
وكانت المؤسسة قد طالبت دوائر اتخاذ القرار في البلاد بتوفير التمويلات اللازمة للمحافظة على البنية التحتية لقطاع النفط، وبناء خزانات وصيانة ما دمرته الحروب، وقالت إنها «لم تحصل على المخصصات المالية اللازمة، ما أدى إلى تذبذب الإنتاج، وفي أحيان عديدة توقف بعض الحقول والموانئ عن الضخ لأسباب التسريبات وخلافه، الأمر الذي أثر ويؤثر على عوائد البلاد من العملة الصعبة».
وكانت المؤسسة قد أوضحت، في بيان لها، مساء أول من أمس، أن الموانئ النفطية على طول الساحل الليبي «تشهد حالة من سوء الأحوال الجوية، ما تعذر معه رباط النواقل النفطية المتراكمة»، وقالت، في بيان لمكتبها الإعلامي، إنه «لا توجد خزانات كافية لاستيعاب إنتاج يومين في ميناء الزاوية النفطي، ونخشى أن ينخفض الإنتاج إذا استمر سوء الأحوال الجوية لأكثر من ثلاثة أيام».
من جهة أخرى، أعلنت «عملية بركان الغضب»، التي تشنّها القوات الموالية لحكومة «الوحدة الوطنية» عن مقتل مواطن، وإصابة آخر في انفجار لغم أرضي في مدينة سوكنة بوسط البلاد.
وقالت، في بيان لمركزها الإعلامي، أمس، إن «اللغم من بقايا الألغام، التي زرعها مرتزقة عصابة (فاغنر الروسية) في منازل المدنيين قبل انسحابهم منها مؤخراً».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.