«دفاتر مايا»... شريط حياة مؤثر عن جيل الحرب مهدى إلى أولادنا

بدأ عرضه في صالات السينما اللبنانية

«دفاتر مايا»... شريط حياة مؤثر عن جيل الحرب مهدى إلى أولادنا
TT

«دفاتر مايا»... شريط حياة مؤثر عن جيل الحرب مهدى إلى أولادنا

«دفاتر مايا»... شريط حياة مؤثر عن جيل الحرب مهدى إلى أولادنا

تخرج من صالة عرض فيلم «دفاتر مايا» في مجمع «أ.ب.ث» في الأشرفية، وتختلط في داخلك مشاعر قوية متناقضة تتراوح بين البكاء والضحك. فما يقدمه الثنائي مخرجا هذا العمل جوانا حجي توما وخليل جريج، هو كناية عن شريط حياة يلامس مشاهده عن قرب، ولا سيما جيل الحرب. نستعيد معه أيام الحرب في قالب مختلف. يدرك المشاهد الكفاح الذي بذله اللبناني من أجل الصمود. يذكره بأنّه إنسان صلب ومقاوم شرس وشريك في الوطن. كما أنّه فيلم يحمل في طياته تكريماً لثلاثة أجيال، لا سيما المرأة أم الشهيد وزوجة البطل والمربية التي لا تحبط.
تعلق جوانا حجي في لقاء معها إثر العرض: «نعم هو لفتة تكريمية لأهالينا ولمن هم من جيلنا الذين عاشوا أياماً صعبة خلال الحرب اللبنانية حتى اليوم. كما أنّه يوصل رسالة رئيسية إلى أولادنا، الذين لديهم علامات استفهام كثيرة حول سلوكنا وطريقة تصرفنا معهم أحياناً كثيرة».
«دفاتر مايا» (Memory Box) الذي مثّل لبنان في مهرجان برلين السينمائي لأول مرة منذ 39 عاماً، كان بمثابة مكافأة تلقاها مخرجاه، إضافة إلى الشركتين، المنتجة للفيلم «أبوط برودكشن» والموزعة له «إم سي». ترشح «دفاتر مايا» إلى جوائز عالمية كثيرة واستطاع أن يحصد بعضها. كما عُرض في نحو 40 بلداً في الغرب والشرق، بينها كندا ودبي وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا والصين وتركيا وغيرها.
يتناول الفيلم قصة مايا، امرأة لبنانية انتقلت للعيش في كندا منذ أكثر من 30 سنة. ولا تزال تقيم في مونتريال مع ابنتها المراهقة أليكس. وعشية عيد الميلاد، تتلقّى مايا شحنة، وهي كناية عن صندوق في داخله دفاتر وأشرطة كاسيت وصوراً، مما شكّل مفاجأة لها. فهي كانت قد أرسلتها قبل سنوات طويلة (في عام 1982) من بيروت إلى صديقة عزيزة لها تعيش في باريس. ترفض مايا فتح الصندوق ومواجهة ذكرياتها. لكنّ مقتنيات الشحنة من صور ومذكرات تثير فضول الابنة أليكس، تغوص في هذا الأرشيف وفي أسرار حياة أمها، فتدخل ما بين الخيال والواقع عالم مراهقة والدتها خلال الحرب اللبنانية، مكتشفة ألغاز الماضي الخفي. تؤدي في الفيلم دور الأم الممثلة ريم التركي، وتؤدي منال عيسى دور الفتاة المراهقة، فيما أُسند دور ابنة مايا إلى الممثلة بالوما فوتييه. وتوضح جوانا: «كنا تواقين للعمل مع منال عيسى، فهي ممثلة رائعة، وبحثنا عنها كثيراً لأنّها لا تعيش في لبنان. أما ريم التركي فنتذكرها بأفلام المخرج المصري يسري نصر الله. وهي غائبة عن السينما منذ فترة طويلة، وسعدنا بمشاركتها في الفيلم. وكذلك الأمر بالنسبة لحسن عقيل، فهو ممثل محترف لديه حضوره الأخّاذ أمام الكاميرا. وتعود كتابة الفيلم إلى جوانا وخليل وفاديت دروارد.
ومنذ اللحظات الأولى للعرض تأسرك كاميرا المخرجين حجي وجريج، إذ بالكاد تستطيع اللحاق بحركتها السريعة ونمطها الحديث بعيداً عن الكلاسيكية. العلاقة بين جيلين يحاول أحدهما إخفاء ماضيه الجريح عن الآخر الفتي. فهو ترك بآثاره السلبية عليه ويبرزها هذا الشريط بشكل واضح. يبين التضحيات التي يبذلها الآباء والأمهات المرهقون من خلال دفن ماضٍ ثقيل في أعماقهم. فيحاولون نسيانه مع أنّه محفور على وجوههم وتصرفاتهم. ينطلقون في مشوار حياة يتظاهرون خلاله أنّ كل شيء يسير على ما يرام، لكنّهم في الحقيقة مهما حاولوا ترميمه فإنّه يسكنهم ويؤثر لا شعورياً على علاقتهم بأولادهم، الذين يستغربون مرات كثيرة أسباب تصرف أهلهم معهم على هذا النحو أو ذاك.
يشكل «دفاتر مايا» رسالة مباشرة تحكي عن علاقة وطيدة تربط الإنسان بوطنه الأم، وأنّه مهما بلغت المسافات والمحيطات التي تفصله عنه يبقى المكان الوحيد الذي يشعره بالفرح وحب الانتماء.
وصول صندوق الذكريات إلى مايا في ليلة عاصفة ومثلجة، يشكل نقطة الانطلاق للفيلم. فمنذ تلك اللحظة يعيش المشاهد مغامرة الحرب التي خاضها مع لبنان الجريح. فهي دمرت الإنسان كما المدينة والعمارات وكسرت السلام في النفوس وعلى أرض الواقع.
ومع مشاهد وتفاصيل دقيقة عن تلك الحقبة في أوائل الثمانينات، يبدأ المشوار المحفوف بمشاعر مختلطة. بين صور فوتوغرافية وعلبة سجائر وطنية ورسائل مسجلة على أشرطة الكاسيت وأخرى مكتوبة كان يحتويها الصندوق الذي وصل مايا، نستعيد الحرب بحلوها ومرها. نسير مع كاميرا المخرجين بين شوارع بيروت المدمرة ونتوقف عند حواجز المسلحين والميليشيات. كما نلمس مدى تهور الشباب عندما كانوا يتنقلون بين منطقة وأخرى غير آبهين بالقنابل والمتفجرات التي تزرع طرقاتهم. إنّه حب الحياة والمقاومة.
بين قصة حب ولدت من رحم الحرب ورحيل قافلة من الشهداء ومن بينهم والد مايا الذي انتحر لعدم استطاعته تحمل كل هذا الوجع، إضافة إلى لحظات خوف ورعب عاشها تلامذة المدارس وقتها، ندرك أنّ ندوب الحروب لا يمكن إخفاء أثرها على من عاشها. تتنهد وتلتقط أنفاسك، تأسف وأنت تتابع هذا الشريط السينمائي. فهو يجعلك تدرك كل ما قاسيته ولا تزل حتى الآن، من مشاعر الألم والإحباط واليأس. لا شعوريا تدوزن جلستك على مقعد صالة السينما وأنت تتساءل هل بالفعل عشنا تلك الحقبة؟ كيف استطعنا المقاومة والاستمرار؟ ماذا يعني أن يقرأ أبناؤنا قصصنا ويتعرفون إلى مآسينا؟ يأتيك الجواب في نهاية سعيدة تترجم مهارة اللبناني في التحمل وفي تحقيق أحلامه، وهو ما يشعره بالفخر وبأنّه بطل من نوع آخر.
نجح المخرجان توما وجريج في إيصال الرسالة إلى جيل الشباب. فهما رغبا في تكريم أهلهم ولبنان والبوح عن مكنوناتهم للجيل الثالث.
«الفيلم رسالة إلى اللبنانيين من الأجيال الثلاثة، أي نحن وأهالينا وأولادنا». تقول المخرجة جوانا التي التقتها «الشرق الأوسط» في بيروت. تتابع: «إنه يحكي قصة تاريخ نتوارثه بشكل غير مباشر فيوضح أموراً، ويرد على أسئلة كثيرة كنا نطرحها على أنفسنا ونحن شباب». وهنا يتدخل شريكها في الحياة وفي إخراج الفيلم خليل جريج ليقول: «قد يستنتج البعض أنّ اللبناني لم يتعلم الدروس من تاريخه، ولكننا في الفيلم نوصل رسائل كثيرة ترتكز على علاقاتنا العامة والخاصة فتنشط ذاكرتنا».
وعن نهاية الفيلم تقول جوانا: «كان لا بدّ أن تحمل التفاؤل ونحن نعيش في أجواء قاتمة. نهاية تبلور معنى الصداقة، إذ تشكل عنصراً أساسياً فيه».
يعزز الفيلم أهمية الوطن عند اللبناني وأنّ الحنين للارتماء بين أحضانه هو فعل إيمان، لا يمكن التخلص منه مهما حاولوا الهروب منه. فمايا هي نموذج حي عن هذه الصورة التي يدفنها المغتربون اللبنانيون في أعماقهم خوفاً من الوقوع في حبال حب الوطن من جديد. ويمكن القول إنّ «دفاتر مايا» يمثل شريط حياة كل لبناني عايش الحرب. وقد وضع فيه المخرجان كل الحب والصدق والشغف، مما يجعله قطعة فنية تلامس القلب قبل البصر.



«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».