مظاهرات أمام البرلمان النيبالي للمطالبة بتسريع توزيع المساعدات

مخاوف من انتشار الأمراض بين الناجين.. وعدد ضحايا الزلزال يرتفع إلى 6 آلاف

قوات الأمن تساعد جرحى في استقلال طائرة مروحية شرق كاتماندو أمس (أ.ف.ب)
قوات الأمن تساعد جرحى في استقلال طائرة مروحية شرق كاتماندو أمس (أ.ف.ب)
TT

مظاهرات أمام البرلمان النيبالي للمطالبة بتسريع توزيع المساعدات

قوات الأمن تساعد جرحى في استقلال طائرة مروحية شرق كاتماندو أمس (أ.ف.ب)
قوات الأمن تساعد جرحى في استقلال طائرة مروحية شرق كاتماندو أمس (أ.ف.ب)

تواجه نيبال خطر كارثة صحية ناتجة عن زلزال مدمر ضربها يوم السبت الماضي، في ظل تضرر نظام الصرف الصحي فيها بشكل كبير وبدء تحلل الجثث المفقودة بين الأنقاض وآلاف الناجين الذين يعيشون في أوضاع مزرية، بحسب خبراء.
وأسفر الزلزال عن مقتل أكثر من 6 آلاف مواطن، ويأمل مسؤولو الإغاثة عدم مواجهة كارثة أخرى شبيهة بانتشار مرض الكوليرا في هايتي بعد زلزال عام 2010.
وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة آسيا المحيط الهادي باتريك فولر لوكالة الصحافة الفرنسية: «حين يكون هناك بيئة الوضع الصحي فيها سيئ، وحيث يشرب السكان من موارد مياه مشكوك بأمرها، سيكون هناك دائما خطر انتشار أمراض تنتقل عبر المياه، مثل الإسهال والأمراض الرئوية».
وفي كاتماندو، العاصمة النيبالية المدمرة، أمضى الآلاف ليلة أمس داخل خيم في العراء، من دون مياه شرب نظيفة أو حتى مراحيض مناسبة.
وقال الناطق الرسمي من منظمة الإغاثة الإسلامية في نيبال محمد حسيب خالد لـ«الشرق الأوسط»: «كان هناك ثلاث هزات ارتدادية الليلة الماضية أدت إلى الإضرار نفسي للمواطنين. وأمضى السكان ليلة أمس خارج منازلهم في المتنزهات والظروف الباردة». وأضاف خالد: «لا يزال الكثير من السكان فقدوا منازلهم، ولا يزال توزيع الأدوية والمواد الغذائية والمياه في حالة سيئة».
وتنتشر الخشية من الأمراض في المخيمات حيث يرتدي الناجون كمامات طبية، حتى إن رئيس الحكومة النيبالي سوشيل كويرالا ارتدى واحدة خلال زيارة لطمأنة العائلات المذعورة.
ومن جهته، شرح بابو رام مراسيني من دائرة مكافحة الأمراض والأوبئة في نيبال لوكالة الصحافة الفرنسية أن «منشآت الصرف الصحي والمياه في الخيم بالغة الأهمية». وتابع: «أصبحنا في اليوم الثالث، وأبلغنا الحكومة أنها إذا لم تفعل أي شيء بهذا الخصوص خلال الساعات الثماني والأربعين أو الاثنتين والسبعين المقبلة فسيكون الوقت تأخر فعليا».
وفضل الكثير من سكان كاتماندو العودة إلى القرى باعتبار أن الزلزال بقوة 7.8 درجة دمر أجزاء كبيرة من المدينة، ويخشى هؤلاء كارثة صحية في العاصمة.
أما بالنسبة لمن بقوا في العاصمة فالوضع محبط فعليا، إذ إن العائلة الواحدة من 15 شخصا تعيش في خيمة واحدة.
ويشكو كثيرون من تكاثر المراحيض العامة في المخيمات المنتشرة في ساحتي تونديخل وخولا مانش.
وعمدت الطواقم الصحية إلى إزالة النفايات ورش المطهرات، إلا أن بعض المشردين بين المخيمات يشكون من ضعف المساعدة المقدمة من الحكومة.
وقالت غوراف كالكي التي تعيش في خيمة مع عائلتها وكلبيها لوكالة الصحافة الفرنسية: «نستخدم مطهراتنا الخاصة في خيمتنا في محاولة لتفادي الأمراض».
وشرح فولر أن الأولوية هي إنشاء «مراكز إمداد مياه مناسبة في كل أنحاء كاتماندو والمناطق المتضررة حولها». وتابع: «لا أريد أن أتوقع انتشار أوبئة حاليا ولكن المناعة لدى صغار وكبار السن تضعف بشكل كبير في حال عدم حصولهم على الغذاء المناسب والمياه النظيفة في ظل بيئة لائقة للعيش». وأوضح أن «المنظمات توزع زجاجات المياه وأعتقد أن الحكومة تحاول إطلاق جهود لإيصال المياه إلى مناطق متنوعة، ولكننا في مدينة من 2.5 مليون نسمة، والجميع يعاني الأمر نفسه». ورجح أن يكون الوضع في المناطق الريفية أفضل بفضل تدفق جداول المياه.
ومن جهته، لفت رئيس مؤسسة دلهي الصحية أجاي ليخي لوكالة الصحافة الفرنسية إلى «الخطر الناتج من تحلل جثث البشر وجيف الماشية والحيوانات الأليفة».
ووصلت أمس طائرة تقل 120 بريطانيا إلى مطار «ستانستيد» في بريطانيا قادمة من كاتماندو عاصمة نيبال في الساعات الأولى من صباح أمس بعد أن أجلاهم الجيش البريطاني. وهم أول مجموعة من البريطانيين يعودون لديارهم بعد الزلزال القوي. وقال أحد العائدين ميجان إيفنز لوكالة «رويترز»: «من الصعب وصف ما حدث بالكلمات. كان فقط أمرا مروعا. قلبي مع كل من بقوا هناك. أشعر بارتياح كبير لتمكني من العودة لكن لا يمكنك أن تسعد بذلك لأنك تعرف أن الكثيرين يعانون هناك».
وأعرب العائدون عن أنهم تركوا وراءهم بلدا تسوده الفوضى ينام فيه الناس في العراء ويعانون من نقص الإمدادات والمياه على الرغم من الأمطار التي تنهمر عليهم.
واندلعت اشتباكات أمس في كاتماندو بين الشرطة وأشخاص يحاولون العودة إلى قراهم، وتظاهر في العاصمة نحو 200 شخص أمام البرلمان للمطالبة بتسريع توزيع المساعدات على المحتاجين خارج كاتماندو.
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن نحو 8 ملايين شخص تضرروا من الزلزال ويحتاج مليونان على الأقل لخيام وماء وغذاء ودواء على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة.
ووصفت كيت بنتي المعاناة التي شهدتها في كاتماندو قائلة لوكالة «رويترز»: «الألوف يتجمعون في الشوارع وفي الساحات وفي خيام والجو ممطر وعاصف. المتاجر مُغلقة. أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل هائل؛ فالتفاحة على سبيل المثال تُباع بما يعادل 4 جنيهات إسترلينية. لا يوجد ماء. هناك نقص في كل شيء والناس تعاني بشدة هناك».
وتفيد التقديرات بأن نحو 600 ألف منزل تهدمت أو لحقت بها أضرار من جراء الزلزال. وينام الكثيرون في العراء، ويقول المسؤولون إن «فرص العثور على ناجين آخرين ضئيلة للغاية».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».