عصابات وميليشيات تهدد نازحي الأنبار بالقتل

النائب رعد الدهلكي لـ«الشرق الأوسط»: قرار الحكومة المجحف بحق النازحين دعانا إلى نقل ملف الأزمة للجامعة العربية والمنظمات الدولية

أطفال عراقيون بلا مأوى يدفعون عربة تحمل مساعدات إنسانية تلقوها من اليونيسيف في مخيم للنازحين قرب بغداد (أ.ف.ب)
أطفال عراقيون بلا مأوى يدفعون عربة تحمل مساعدات إنسانية تلقوها من اليونيسيف في مخيم للنازحين قرب بغداد (أ.ف.ب)
TT

عصابات وميليشيات تهدد نازحي الأنبار بالقتل

أطفال عراقيون بلا مأوى يدفعون عربة تحمل مساعدات إنسانية تلقوها من اليونيسيف في مخيم للنازحين قرب بغداد (أ.ف.ب)
أطفال عراقيون بلا مأوى يدفعون عربة تحمل مساعدات إنسانية تلقوها من اليونيسيف في مخيم للنازحين قرب بغداد (أ.ف.ب)

تزايدت أعداد العائلات العائدة من النزوح إلى وسط مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار ومدينة الخالدية 30 كلم شرق الرمادي بسبب الاستقرار الأمني المحدود في وسط مدينة الرمادي ولأسباب أخرى أهمها تلقي بعض العائلات من نازحي الأنبار والموجودين بأعداد كبير في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد تهديدات بالقتل في حال عدم رحيلهم من تلك المناطق، أو تلقيهم إشعارات عبر رسائل تصل إليهم مفادها ارحلوا عنا وإلا فمصيركم الموت، وبالفعل عثرت بعض مفارز الشرطة العراقية على جثث لنازحين من الأنبار ملقاة في مناطق مختلفة من العاصمة وعليها آثار إطلاقات نارية، هذا الأمر الذي جعل أكثر العائلات أمام الاتجاه إلى النزوح العكسي والعودة إلى مناطقهم في الأنبار رغم الخطورة البالغة ووجود مسلحي تنظيم داعش.
عضو البرلمان العراقي ورئيس لجنة المهجرين فيها النائب رعد الدهلكي قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار الحكومة المجحف بحق النازحين من أهالي الأنبار الذي تضمن عدم دخول العوائل النازحة إلى العاصمة بغداد إلا بكفيل أعطى الضوء الأخضر للكثير من العصابات والميليشيات دوافع لقتل وتهديد العوائل النازحة، فالحكومة بفرضها شرط الكفيل وضعت كل النازحين في خانة المتهم أو المجرم لحين إثبات براءتهم، وعدم إدخالهم إلى العاصمة بغداد وكأنهم غرباء على هذا الوطن».
وأضاف الدهلكي أن «مأساة النازحين العراقيين خاصة الذين نزحوا عبر منفذ بزيبز غربي بغداد كانت شديدة الحرج، وشهدت حالات وفاة لأكثر من 20 نازحا بسبب تردي الأوضاع الصحية والغذائية وحصول أكثر من 100 ولادة اضطرارية وخطيرة بسبب بقاء النازحين عالقين دون السماح لهم بدخول العاصمة بغداد إلا بكفيل».
وبعد دخول النازحين إلى العاصمة، هناك من رفع الشعارات في مناطق من العاصمة مطالبا بمغادرة النازحين في غضون ثلاثة أيام وإلا فجزاؤهم القتل، وهناك من تهدد بشكل مباشر وهو من أهالي بغداد بسبب استقباله لعائلات نزحت من الأنبار أو قام بكفالة نازحين، هذا الأمر الخطير تتصاعد وتيرته بشكل يومي بعد العثور على جثث لنازحين من أهالي الأنبار في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد، وعلى الحكومة تدارك هذه المخاطر التي تهدد أرواح المواطنين، وأن تنظر بعين الأبوة إلى النازحين من أهالي الأنبار وصلاح الدين والموصل.
وأشار الدهلكي إلى أن معاناة النازحين في العراق لطالما ناقشناها في البرلمان العراقي والاجتماعات مع الحكومة ولكن لم نلمس أي تعاون ينقذ النازحين في العراق من واقعهم المرير، الأمر الذي دعانا إلى نقل ملف معاناتهم إلى الجامعة العربية وإلى المنظمات الدولية.
وفي سياق متصل قال عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد غالب الزاملي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»» إن «ما حصل من خروقات أمنية في العاصمة بغداد خلال الأيام الماضية مرتبط بدخول إرهابيين بين النازحين من الأنبار إلى بغداد، وإن القوات الأمنية تقوم حاليا بإجراء مسح شامل للنازحين الذين دخلوا العاصمة بناء على معلومات قدمها نازحون عن الإرهابيين المندسين بين العوائل النازحة».
وشهدت العاصمة العراقية خلال الأيام الماضية سلسلة من التفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة استهدفت مناطق سكنية وتجارية عامة أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى، الأمر الذي دعا جموعا غفيرة من النازحين من أهالي الأنبار بالخروج من بغداد إلى مناطق سكناها في أعقاب تهديدات بالقتل صدرت ضدهم بالتصفية من قبل ميليشيات مسلحة.
عضو لجنة الإغاثة الإنسانية العراقية سعيد أحمد قال لـ«الشرق الأوسط» إن «جماعات ميليشياوية مسلحة هاجمت قبل أربعة أيام منزلا لعائلة نزحت من الرمادي في منطقة المعالف جنوب غربي بغداد واقتادت أربعة رجال بحجة التحقيق معهم لكنه عثر على جثثهم بعد ساعات مقتولين في منطقة البياع التي تنتشر فيها الميليشيات».
وأضاف أنه وقبل يومين هاجمت قوة ميليشياوية أيضا يرتدي أفرادها زي الشرطة العراقية منازل لعائلات نازحة في حي الجهاد جنوب غربي بغداد واقتادت ثمانية أشخاص من الرجال بحجة التحقيق معهم وقد عثر عليهم مقتولين بعد ساعات وملقية جثثهم في الشارع.
وعلق شباب من حي البياع ببغداد التي تعتبر معقلا لوجود الميليشيات لافتة كتبوا عليها «لا نستقبل النازحين من الأنبار خوفا من وجود عناصر من داعش بينهم».
وفي ضوء التهديدات بالتصفية التي تعرض لها نازحو الأنبار حمل عضو لجنة اﻷمن والدفاع النيابية النائب محمد الكربولي قيادة عمليات بغداد مسؤولية ما يتعرض له نازحو اﻷنبار من عمليات خطف وقتل وتعذيب ممنهج وبوتيرة يومية متصاعدة.
وقال الكربولي لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يتعرض له نازحو اﻷنبار من استهداف ﻻ يمكن السكوت عنه، ونستغرب إهمال عمليات بغداد لهذا الملف مع ازدياد حاﻻت الجريمة المنظمة وتصاعد وتيرة ظاهرة الجثث المجهولة الهوية وهو ما نعده تقصيرا متعمدا لجزء رئيسي من مهامها في حفظ أمن وسلامة العاصمة وسكانها».
وأضاف الكربولي «طالبنا بتشكيل لجنة مشتركة من لجنة اﻷمن والدفاع النيابية مع قيادة عمليات بغداد لوضع خطة أمنية تحفظ أمن وحياة وكرامة نازحي محافظة اﻷنبار والوقوف بوجه عصابات الجريمة والميليشيات الطائفية التي أخذت تقتل وتختطف وتهجر من دون رادع لنازحي اﻷنبار وبشكل خاص في مناطق السيدية والبياع والجهاد والدورة والشعب والصليخ والحسينية وغيرها من مناطق بغداد».
من جهة أخرى قال نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي استجاب على الفور لمطلب تقدم به مجلس الأنبار لإصدار عفو عن المتغيبين والمتسربين من أبناء الأنبار في صفوف قوات الجيش والشرطة من أجل عودتهم إلى مؤسساتهم العسكرية والانخراط مجددا من أجل المشاركة في تحرير مدن الأنبار».
وأضاف العيساوي «قرار العفو جاء ليشمل الجنود وأفراد الأمن الفارين والمتغيبين بشرط أن يلتحقوا بوحداتهم خلال شهر، بحسب فقرات العفو، الذي تضمن إيقاف الإجراءات القانونية بحق منسوبي القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي بصورة نهائية عن عدد من الجرائم وتشمل هذه الجرائم، بحسب فقرات قرار العفو حالات الهروب، التغيب والغياب، التمارض أو إلحاق الأذى بالنفس للتخلص من الخدمة، الجرائم المخلة بالنظام العسكري وشؤون الخدمة، وتجاوز شؤون الخدمة واستثنى القرار سلسلة من الجرائم الأخرى، أبرزها تلك المتعلقة بأمن الدولة والسرقة وجرائم الشرف وإساءة استخدام النفوذ».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.