فرنسا تحتفل بمرور 70 عامًا على منح النساء حق التصويت

يوم وضعت إيفون ديغول ورقتها في صندوق الانتخاب

برلمانيات فرنسيات في صورة تذكارية  -  إيفون ديغول في مركز الانتخاب
برلمانيات فرنسيات في صورة تذكارية - إيفون ديغول في مركز الانتخاب
TT

فرنسا تحتفل بمرور 70 عامًا على منح النساء حق التصويت

برلمانيات فرنسيات في صورة تذكارية  -  إيفون ديغول في مركز الانتخاب
برلمانيات فرنسيات في صورة تذكارية - إيفون ديغول في مركز الانتخاب

باعتباره عسكريًا، لم يكن يحق للجنرال شارل ديغول أن يدلي بصوته في الانتخابات التي جرت في فرنسا، عام 1945. لكن زوجته السيدة إيفون ديغول ارتدت معطفها الأسود وقبعتها السوداء وذهبت لتضع ورقتها في صندوق الاقتراع، أمام كاميرات الصحافة، مدشنة حق المرأة الفرنسية في التصويت. إنه الحق الذي احتفلت الفرنسيات، أمس، بمرور 70 عامًا على انتزاعه.
قبل ذلك التاريخ بسنة، أي في أبريل (نيسان) 1944، ومن موقعه كرئيس للحكومة المؤقتة التي كانت موجدة في الجزائر، قرر ديغول الموافقة على السماح للمرأة بالتصويت في انتخابات المجلس الدستوري، كمكافأة للفرنسيات على الدور البارز الذي قمن به أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا. ورغم أن النساء ناضلن طويلاً من أجل انتزاع ذلك الحق، فإن نسبة مشاركتهن كانت قليلة، كما أن نسبة تمثيلهن في مجلس الشيوخ لم تكن تتعدى 3 في المائة.
طوال الشهر الحالي كانت وسائل الإعلام تتنافس للعثور على من ما زالت على قيد الحياة منهن، وتبحث في المدن والأرياف عن أولئك الرائدات اللاتي شاركن بأصواتهن في الانتخابات العامة التي جرت في 29 نيسان (أبريل) قبل 70 عامًا. وهن قليلات بالفعل. فمن كانت قد بلغت سن الرشد التي تسمح لها بالتصويت، أي 29 عامًا، هي اليوم سيدة مسنة تجاوزت التسعين. لقد وجدن كاميرات التلفزيون تتوجه لهن وكأنهن لقى أثرية نادرة تستحق الحفاوة والتلميع. وتكشف أولئك الجدات المسنات أن موجة من الانطلاق الذي يشبه الجنون، عمت الشبيبة في ذلك الربيع لأنه ترافق مع تحرير باريس من الاحتلال. فقد كانت القوات البريطانية والأميركية التي شاركت في طرد الألمان تقيم حفلات الرقص وتدعو لها الباريسيين والباريسيات. وكان هؤلاء يسهرون بعد طول احتباس ويفرحون باستعادة حياة طبيعية مغايرة للخوف والحرمان في سنوات الحرب وفقدان الأحبة.
مع هذا، تؤكد النساء اللاتي عاصرن تلك الفترة أن منح المرأة حق التصويت ترافق مع شيء من التعتيم. فالناس كانوا مشغولين بانتهاء الحرب وبعودة الجيش وبالنتائج التي ستترتب على ذلك. أما الجمعيات النسائية التي كانت ناشطة في الثلاثينات من القرن الماضي، متأثرة بحركة تحرير المرأة في الولايات المتحدة الأميركية، فقد جرى حلها أثناء الاحتلال وصار موضوع المساواة قضية ثانوية تأتي بعد هموم إعادة الإعمار وتوفير العمل للمجندين المسرحين من الجيش وتعويض عائلات شهداء الحرب. وفي ظل تلك الأجواء، كان من الطبيعي أن تخفت نبرة الحديث عن التيارات النسوية والعلمانية ومثيلاتها من حركات التغيير الاجتماعي.
لقد رفعت الفرنسيات الصوت للمطالبة بحق الانتخاب منذ 1880، أسوة بالإنجليزيات والأميركيات اللاتي نلن ذلك الحق. لكن البلد كان يريد استعادة الحياة الديمقراطية قبل أي هم آخر. لذلك فإن فتح صناديق الاقتراع أمام النساء جاء تحت شعار تكريمهن ومكافأتهن على دورهن وتضحياتهن في مقاومة الاحتلال. وهو دور لم تنخرط فيه كل الفرنسيات. فقد اتهمت مئات الآلاف منهن بإقامة علاقات مع الجنود الألمان عوقبن بعد التحرير. لكن الشابات، عمومًا، كن مزهوات ويشعرن بأنهن جزء من الحماسة الوطنية والمجهود الحربي. ورغم جهل كثيرات بأمور السياسة فإنهن كن يتحركن وفق شعور وطني شامل.
وتعتبر مؤرخات الحركة النسوية في فرنسا أن ديغول لم يكن بمفرده صاحب الفضل في حصول المرأة على حق التصويت. فقد نوقش الأمر قبل ذلك في الحكومات السابقة، لكن أعضاء مجلس الشيوخ وأنصار الحزب الراديكالي كانوا يقفون حجر عثرة دون اتخاذ القرار. والسبب هو الخشية من أن يتحول التصويت النسائي إلى مجرد نسخة من تصويت أزواجهن وآبائهن. لقد تخوف السياسيون من هذه الكتلة النسائية التي تشكل نسبة 55 في المائة من الأصوات. والغريب أن المحافظين انضموا فيما بعد إلى التقدميين في دعم حق المرأة الانتخابي، بعد أن اكتشفوا فيه رافدًا جديدًا ووسيلة للحصول على مزيد من الأصوات لمرشحيهم. ففي تلك السنوات قبل سبعة عقود، لم تكن المرأة الفرنسية تتمتع بالحرية التي هي عليها اليوم، وغالبًا ما كان الاعتقاد السائد هو أن المرأة تمنح صوتها للمرشح الذي يختاره زوجها. مع هذا فإن الإحصائيات تؤكد أن النساء كن مختلفات في تصويتهن عن الرجال وقد مالت غالبيتهن إلى التيار الديغولي، حتى عام 1970.
في عام 1968، أثناء الثورة الطلابية، كانت نسبة تمثيل الفرنسية في البرلمان لا تتعدى الواحد في المائة. أما اليوم فإن النسبة هي 30 في المائة، أي أن المرأة ما زالت مغبونة الحق بالقياس مع شقيقاتها الأوروبيات وحتى الشرقيات. إن نسبة تمثيل العراقيات في المجلس النيابي في بغداد أعلى منها في باريس.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».