ما «الكارتل الإيراني» الذي صوّب نحوه الصدر؟

(تحليل إخباري)

ما «الكارتل الإيراني» الذي صوّب نحوه الصدر؟
TT

ما «الكارتل الإيراني» الذي صوّب نحوه الصدر؟

ما «الكارتل الإيراني» الذي صوّب نحوه الصدر؟

في العاصمة بغداد يمكن العثور على لافتات إعلانية لمصارف أهلية محصنة بجدران كونكريتية وأفراد من شركات أمنية، لكن من الصعب ملاحظة أن زبوناً واحداً على الأقل يدخل هذه المصارف لإنجاز معاملة مالية. هذه المؤسسات الصغيرة المستحدثة تخفي جانباً من «كارتل» مالي متشعب لتهريب وغسل الأموال.
ويدخل هذا الكارتل الشبحي ساحة النزاع السياسي الدائر في البلاد بعد مطالبة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في 17 فبراير (شباط) الحالي، بمحاسبة مصارف مشبوهة متورطة «بتهريب العملة وتزوير الفواتير»، وكان من المفترض أن تأخذ هذه الحركة المباشرة مساراً ضاغطاً، لكن السجال مع وزير المال علي علاوي أخذها إلى شيء آخر.
ومن الصعب التأكد من أن الصدر كان قادراً على تفكيك أكبر مجموعة متماسكة للتلاعب المالي، ومن خلفها أحزاب سياسية وفصائل مسلحة، لكن حركته تلك كانت تذكيراً للخصوم بأنه لا يتلقى الضربات السياسية من خصوم تحالف الأغلبية من دون رد.
وتتضارب المعلومات، على قلتها، بشأن طبيعة هذا الكارتل وعرّابيه والطريقة التي يعمل فيها لتحقيق أرباح تقدر بملايين الدولارات من عمليات التهريب والتزوير، لكن المصادر الموثوقة تقول إن هذا النوع من العمليات تصاعد، وأخذ شكلاً منظماً، منذ أن فرضت واشنطن عقوباتها على إيران.
وعادة ما يصعب توثيق المصادر كلما تعلق الأمر بقضايا التهريب والعملة الصعبة، وهي في نهاية المطاف معطيات مجتزأة ومتحفظة، تعكس مناخاً خطيراً ينشط فيه هذا الكارتل. ثمة مخاوف جدية من التصفية الفورية لمن يكشف الأسرار.
لكن تركيب هذه القطع المتناثرة من المعلومات، التي تسربت خلال السنوات الأربع الماضية يوضح صورة أولية عن كيفية عمل هذا الكارتل، وارتباطه بمجموعات سياسية ومسلحة، ومن خلفها «الحرس الثوري» الإيراني.
وتفيد الصورة بأن الميليشيات العراقية أسّست في السنوات الماضية مصارف وشركات وهمية تشتري الدولار من سوق العملة الرسمي بفواتير ومخاطبات مزورة، فيما تتضارب المعلومات بشأن ما حققته من أرباح سنوية، لكن مقاطعة الأرقام تفيد بأن معدل استنزاف الدولار يتجاوز 500 مليون دولار يومياً، من منافذ مالية وتجارية مختلفة.
ويفيد مصدر رفيع بأن هذه الأموال مرتبطة بحسابات مصرفية أنشئت بعد العقوبات الأميركية في عواصم سوريا ولبنان وطهران. وبحسب نواب في البرلمان العراقي السابق، فإن هذه الأموال لم تساعد إيران على تخفيف تلك العقوبات وحسب، بل تمويل مناطق التوتر في الدول، ولا سيما النزاعات الداخلية التي نشبت في السنوات الخمس الأخيرة.
لكن قرار الحكومة العراقية، بتوصية من جهات دولية، بخفض قيمة الدينار العراقي قلب الحسابات الإيرانية، لأن ما تسحبه من دولار أميركي من البلاد بات يكلف عملة محلية أكبر، ومعاملات استيراد مختلفة.
وحصلت «الشرق الأوسط» على مقتطف من حوار بين رجل أعمال عراقي، مقرب من إحدى الفصائل العراقية، مع شخص مجهول متحدثاً عن كواليس «التكيف الإيراني» مع سعر الصرف.
وقال رجل الأعمال إن «قرار خفض قيمة الدينار دفع الملحق التجاري في السفارة الإيرانية ببغداد إلى تأسيس مكاتب اقتصادية في عدد من المحافظات العراقية لتسلم مبالغ البضائع المستوردة بالدولار نقداً بدلاً من الحوالة، لتودع لاحقاً في مصارف عراقية تابعة للميليشيات أو مصارف إيرانية عاملة في العراق».
وتنشط في العراق شركات إيرانية مختصة بقطاع الإنشاءات والأجهزة الكهربائية والسلع الاستهلاكية، لجأت في السنوات الأخيرة إلى طرح بضاعتها بالعملة الصعبة بسعر أقل لضمان انسيابية البيع، والظفر بعقود حكومية كبيرة على حساب منافسيها المحليين؛ غالبية هذه الشركات تفضل تسلم أموالها باليد، وليس عبر طرق التحويل الرسمية.
ويشرح مسؤول مالي سابق جانباً من تهريب الأموال عن طريق مصارف وشركات وهمية؛ حيث تُقدم فواتير استيراد بضائع وهمية أو مزورة بكلف مرتفعة بالدولار لسحبه من نافذة بيع العملة.
والحال أن سحب مبالغ مرتفعة من الدولار عبر نافذة البيع العراقية يعني أن إيرادات النفط العراقي تستنزف لصالح طهران عبر هذه الحيل المحصنة بنفوذ الجماعات المسلحة، ذلك أن الحكومة العراقية تحتاج إلى تحويل دولار النفط إلى الدينار العراقي لتشغيل النشاط المالي الداخلي عبر وزارة المالية.
وكشف نواب عراقيون عن وجود فروقات مالية تجاوزت 25 مليار دولار شهدها عام 2020 ما بين حجم الحوالات المالية لاستيراد البضائع وقيمة البضائع الداخلة إلى البلاد، وقال مسؤول مالي سابق في البنك المركزي: «فواتير الاستيراد المزورة تغطي إلى حد ما هذه الفروقات».
وتعكس هذه الخريطة المالية المشبوهة، التي ترعاها جهات سياسية بأذرع مسلحة، حجم التوغل المحمي للكارتل المالي الإيراني، عبر 3 محاور؛ نشر مؤسسات مالية إيرانية في عموم البلاد، مهمتها سحب العملة الصعبة، ومن ثم نقلها إلى فريق مصرفي موالٍ لـ«الحرس الثوري»، مهمته توزيع الحصص بين طهران، وتمويل جماعات مسلحة في العراق ولبنان وسوريا واليمن، فيما تقوم جهات مسلحة بحماية هذه الخريطة، فضلاً عن تأمين نقل البضائع والأموال خارج البلاد وإليها.
وفي داخل هذا الكارتل تتوزع الأدوار بين فصائل شيعية، كل منها لديه تعاملات مالية وتجارية مع شخصيات نافذة في «الحرس الثوري»، وقيادات في «حزب الله» اللبناني، الذي سهّل كثيراً تأمين الحسابات المصرفية في دمشق وبيروت.
وخلال السنوات الماضية، تعرضت هذه الديناميكية المالية للفصائل العراقية إلى اختلال «تحت السيطرة» بسبب التنافس الشخصي بين قادة الفصائل، الذين اجتهدوا كثيراً للظفر بأهم وأكبر العقود المالية الناجمة عن غسل الأموال وتهريبه، وهو تترجمه منشآت تجارية أسسها قياديون في تلك المجموعات، من مراكز تجارية وفنادق وحقول لتربية المواشي، ومستشفيات ومؤسسات خيرية تنشط تحت مسميات دينية.
وتتخوف الفصائل العراقية من أن يمنح فوز الصدر بالانتخابات الأخيرة القدرة على تفكيك هذا الكارتل، وتقول مصادر سياسية إن كواليس بعض الاجتماعات بين «الإطار» و«التيار» تضمنت «أسئلة للصدر بشأن نواياه في هذا الجانب الحساس من نشاط الفصائل، وفيما إذا كان هناك الحد الأدنى من الضمانات».



اتهامات حوثية لواشنطن ولندن بضربات جوية طالت 4 محافظات يمنية

واشنطن تشن ضرباتها ضد الحوثيين منذ بداية السنة لإضعاف قدراتهم على مهاجمة السفن (إكس)
واشنطن تشن ضرباتها ضد الحوثيين منذ بداية السنة لإضعاف قدراتهم على مهاجمة السفن (إكس)
TT

اتهامات حوثية لواشنطن ولندن بضربات جوية طالت 4 محافظات يمنية

واشنطن تشن ضرباتها ضد الحوثيين منذ بداية السنة لإضعاف قدراتهم على مهاجمة السفن (إكس)
واشنطن تشن ضرباتها ضد الحوثيين منذ بداية السنة لإضعاف قدراتهم على مهاجمة السفن (إكس)

استهدفت ضربات جوية غربية مواقع للجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الجمعة، شملت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء ومحافظات الحديدة وذمار والبيضاء، وذلك غداة غارتين ضربتا موقعاً في الحديدة، في سياق العمليات التي تقودها واشنطن منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، تحت مسمى «حارس الازدهار»؛ للحد من قدرة الجماعة على مهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وتشنّ الجماعة هجماتها ضد السفن، منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، إذ تدّعي محاولة منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها، إلى جانب السفن الأميركية والبريطانية.

دخان يتصاعد على أثر ضربات غربية استهدفت معسكراً حوثياً في صنعاء (رويترز)

وأقرّت وسائل الجماعة الحوثية بتلقي الضربات التي وصفتها بـ«الأميركية البريطانية» في صنعاء والحديدة وذمار والبيضاء، حيث استهدفت 4 غارات معسكر الصيانة في منطقة الحصبة شمال صنعاء، كما استهدفت 7 غارات منطقة الكثيب في مدينة الحديدة الساحلية ومطارها، إضافة إلى غارة ضربت موقعاً عسكرياً جنوب مدينة ذمار، الواقعة على بُعد نحو 100 كيلومتر جنوب صنعاء، إلى جانب 3 غارات ضربت مواقع في مديرية مكيراس بمحافظة البيضاء المتاخمة للمحافظات اليمنية الجنوبية المحرَّرة (جنوب شرقي صنعاء).

وجاءت الضربات الغربية غداة غارتين قالت الجماعة الحوثية إنهما استهدفتا، مساء الخميس، منطقة الجبانة في مدينة الحديدة (غرب)، التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشنّ الهجمات البحرية ضد السفن.

وذكر شهود عيان في صنعاء سماع سيارات الإسعاف المتجهة إلى «معسكر الصيانة»، ولم تتحدث الجماعة، على الفور، عن أثر هذه الضربات الغربية التي استهدفت مواقع سبق استهدافها أكثر من مرة، خلال الأشهر الماضية. كما لم يتبنَّ الجيش الأميركي هذه الضربات، على الفور.

720 غارة

أطلقت واشنطن، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما سمّته «تحالف حارس الازدهار»؛ لحماية الملاحة البحرية، قبل أن تبدأ ضرباتها الجوية على الأرض، في 12 يناير الماضي، بمشاركة من بريطانيا.

وتلقّت الجماعة الحوثية نحو 720 غارة غربية في مناطق يمنية عدة خاضعة لها، بما فيها صنعاء، لكن أكثر الضربات تركّزت على المناطق الساحلية في محافظة الحديدة الساحلية، وأدت، في مجملها، إلى مقتل أكثر من 60 عنصراً.

دخان يتصاعد على أثر ضربات غربية استهدفت معسكراً حوثياً في صنعاء (رويترز)

ووزّعت الجماعة، الجمعة، مشاهد لاستهداف ناقلة النفط البريطانية «كورديلا مون»، التي كانت قد هاجمتها، الثلاثاء الماضي، بزورقٍ مفخّخ وطائرات مُسيرة وصواريخ باليستية، وهي العملية التي أفادت مصادر بحرية أمنية بريطانية بأنها لم تسفر عن سقوط ضحايا، حيث واصلت السفينة مسارها إلى الميناء التالي.

ومِن بين نحو 188 سفينة تبنّت الجماعة مهاجمتها، أدى هجوم، في 18 فبراير (شباط) الماضي، إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفتها الجماعة في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي حوثي، في 6 مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية في خليج عدن.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت عدداً من السفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر»، التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

استمرار التصعيد

كانت الجماعة الحوثية قد تبنّت إطلاق عدد من الطائرات المُسيرة باتجاه تل أبيب، الخميس، وأشار زعيمها عبد الملك الحوثي، في خطبته الأسبوعية، إلى استمرار التصعيد، وأفرد مساحة واسعة للحديث عن الهجمات الإيرانية الصاروخية الأخيرة على إسرائيل.

وفي حين زعم الحوثي أن مقتل حسن نصر الله لن يؤثر على «حزب الله» اللبناني، قال إن جماعته هاجمت 188 سفينة، منذ بدء التصعيد في نوفمبر 2023.

وادّعت الجماعة إطلاق 3 صواريخ مجنّحة باتجاه تل أبيب، الأربعاء الماضي، دون تأكيد إسرائيلي بخصوص هذه الهجمات، وذلك غداة مهاجمة الجماعة سفينتين في البحر الأحمر.

الحوثيون استهدفوا الثلاثاء الماضي ناقلة نفط بريطانية (إ.ب.أ)

ويوم الثلاثاء الماضي، كانت الجماعة قد زعمت مهاجمة هدف عسكري في تل أبيب بطائرة مُسيرة من نوع «يافا»، ومهاجمة أهداف عسكرية أخرى في إيلات بأربع مُسيرات من نوع «صماد 4»، وهي الهجمات التي لم يُشِر الجيش الإسرائيلي إلى آثار ناجمة عنها.

وفي 15 سبتمبر (أيلول)، كانت الجماعة قد أطلقت صاروخاً «فرط صوتي» من نوع «فلسطين 2» باتجاه تل أبيب، حيث أدت عملية اعتراضه إلى إشعال حرائق في أماكن مفتوحة، دون تسجيل أي إصابات بشرية. كما تبنّت، في 27 سبتمبر الماضي، إطلاق صاروخ من النوع نفسه باتجاه تل أبيب، وإطلاق مُسيرة من نوع «يافا» باتجاه منطقة عسقلان.

وإزاء الهجمات التي تبنّتها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل، كان أول رد للأخيرة، في 20 يوليو (تموز) الماضي، حيث استهدفت مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكررت الضربات الإسرائيلية، الأحد الموافق 29 سبتمبر الماضي، على مستودعات الوقود في ميناءي الحديدة ورأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقرّ به الحوثيون.