مكتبات دمشق تشتاق لروادها في ظل التدهور الاقتصادي

في بلد أفرز أشهر الكتاب والشعراء المعاصرين

سورية تبحث عن كتبها بين ركام كتب مستعملة (رويترز)
سورية تبحث عن كتبها بين ركام كتب مستعملة (رويترز)
TT

مكتبات دمشق تشتاق لروادها في ظل التدهور الاقتصادي

سورية تبحث عن كتبها بين ركام كتب مستعملة (رويترز)
سورية تبحث عن كتبها بين ركام كتب مستعملة (رويترز)

في أحد متاجر الكتب الذي لا يزال مفتوحاً في العاصمة السورية دمشق، لا توجد إلا حفنة من الزبائن الذين يتجولون عبر الأرفف ويقلبون في الكتب المعروضة للبيع، بينما وضع المالك لافتة مهمة توضح أن الكتب المبيعة لا ترد ولا تستبدل.
وفي بلد أفرز بعض أشهر الكتاب والشعراء المعاصرين في الوطن العربي، أصبح شراء الكتب أمراً هامشياً بالنسبة لكثير من السوريين، بعد أن قلصت الأزمة الاقتصادية بشدة من القوة الشرائية لدخولهم. عمر النوري؛ صاحب مكتبة تحمل اسم عائلته، يحكي عن هذا الأثر الواضح لتدهور الأوضاع الاقتصادية على شراء الكتب، ويقول لـ«رويترز»: «كان إذا الزبون بدو يشتري أي كتاب، يسألك عندك الكتاب الفلاني؟ يدفع حقه ويمشي. هلأ بيسأل عن سعره قبل ما يشتريه، بدو يشوف معه ولا ما معه».
وأدى ما يربو على عقد من الحرب في سوريا لإغلاق كثير من متاجر الكتب التي كانت في العادة تجتذب عشرات الرواد والشغوفين بالقراءة. أما اليوم، فعدد المكتبات التي تبيع الكتب والتي ظلت صامدة يعد على أصابع اليد، كما يختار أغلب السوريين الشراء من أكشاك الكتب في الشارع بسبب انخفاض أسعارها، خصوصاً المستعمل منها. لكن محمود حسن، وهو صاحب بسطة كتب، لا يرى أن مصدر رزقه يغني عن المكتبات، ويقول إن البسطات والأكشاك ليست منافسة؛ لأن كمية الكتب التي عندنا لا تساوي عدد المكتبات بدمشق، «ورغم إنه كتير مكتبات أغلقت، لكن ما زال فيه مكتبات كتير بدمشق». ويتابع: «الطباعة ما زالت مستمرة، لكن هناك هواة كتب قديمة يقصدوننا وهم قلة، خصوصاً في هذه الظروف. من يبحث عن كتاب رخيص يأتِ إلينا. (لكن في ناس ما بحبوا يشتروا إلا الكتب الجديدة، ما بيحبوا يحطوا بمكتبتهم كتاب قديم».
ألان خلف، طبيب، يوضح سبب تفضيله الشراء من أكشاك الكتب، ويقول: «أنا بحب أبحث. يعني بحب شوف كل شي وأقرا. زائد إنه في وقت أكتر إنه الواحد يبحث، وهو أمر يزعج أمين المكتبة. هون الناس متعاونين أكتر من أمناء المكتبات. والجانب الاقتصادي بيفرق، لأنه المكتبات كسعر كتب بيختلف من مكتبة للبسطة بصراحة». أما عن سبب انخفاض سعر تلك الكتب عن أسعار أخرى في المكتبات، فيقول أبو أسامة، وهو صاحب بسطة كتب في أحد شوارع دمشق: «كتب مشقشقة، منرقعها (نصلحها). في ناس حالتهم المادية تعبانة وفي ناس بتحب الكتب القديمة، وبيضل سعرن أقل من الجديد».
الندرة أيضاً وسحر الإصدارات الأولى سبب يدفع ميادة ستار، وهي محامية، للبحث عن الكتب خارج المتاجر، وتقول: «مرات بيكون في كتب ما بلاقيها بالمكتبات. وأنا بفضل الإصدارات القديمة. إذا كان الكتاب قديم... الطبعات القديمة الأولى، مرات في نسخ ما بتلاقيها بالمكتبات، خصوصاً هلأ في كتب كتير ما بتوصل لهون للبلد».
بعد أن كان الاقتصاد السوري منتجاً، هوى منذ 2019 بتأثير من الانهيار المالي في لبنان، مما أدى لانخفاض حاد في قيمة العملة السورية. علماً بأن قيمة الليرة السورية، حالياً، لا تتعدى اثنين في المائة من قيمتها في 2011. وتقول الأمم المتحدة إن عدد المحتاجين في البلاد وصل إلى 14.6 مليون في 2021، بزيادة قدرها 1.2 مليون على 2020.



«معركة قرارات» في مجلس الأمن بشأن «قوات الاستقرار»تهدد «اتفاق غزة»

فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«معركة قرارات» في مجلس الأمن بشأن «قوات الاستقرار»تهدد «اتفاق غزة»

فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مرحلة من التجاذبات الدولية بعد تقديم موسكو مشروع قرار مضاد لنظيره الأميركي بشأن نشر قوات استقرار في القطاع في مجلس الأمن، يحمل بنوداً أقرب لوجهة النظر العربية وابتعاداً عن مواقف إسرائيل حليفة واشنطن، على الرغم من أن أميركا أدخلت تعديلات على مشروع قرارها، أثارت استياء إسرائيل، على حد قول صحيفة «يديعوت أحرونوت».

تلك الخطوة التي تأتي وسط دعوات من الوسطاء للتوافق، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها «معركة قرارات» بين حائزي «الفيتو» في مجلس الأمن، وتحمل تهديداً صريحاً لاتفاق غزة والانتقال للمرحلة الثانية، إن لم يحدث توافق ويتم الوصول لمقاربات لا تنحاز لإسرائيل ولا تفرغ الاتفاق من مضمونه، الذي يقضي بانسحاب إسرائيل ونزع سلاح المقاومة بطريقة مناسبة.

وسط هذه الأجواء، دعت الولايات المتحدة وعدد من شركائها مجلس الأمن إلى «الإسراع» بتبني مشروع قرار أميركي يؤيد خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن قطاع غزة. وأعربت الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر والإمارات وإندونيسيا وباكستان والأردن وتركيا، في بيان، عن «دعمها المشترك» لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضاً لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبدية أملها في اعتماده «سريعاً».

تعديلات أميركية

وكانت واشنطن أدخلت تعديلات عدة على مسودة مشروع القرار الخاص بها، أثارت تحفظات إسرائيلية.

وبحسب ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليوم (الجمعة)، فإن أبرز البنود التي تثير مخاوف إسرائيل في المسودة الجديدة تتمحور حول تضمين تمهيد لمسار يقود إلى «تقرير المصير الفلسطيني»، والدور الموسع للأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات، وتوسيع صلاحيات «هيئة الحكم الانتقالية» المزمع تشكيلها لإدارة القطاع.

وبحث وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيره المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي، الجمعة، تطورات الأوضاع في غزة، وأكّدا «أهمية استمرار التنسيق المصري - السعودي في دعم الجهود الرامية إلى تثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام والبناء عليه، مع الدفع نحو التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، بما يضمن وقف إطلاق النار بشكل دائم وتخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان القطاع»، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وجاءت تلك المحادثات وسط تجاذبات أميركية روسية بشأن مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن نشر قوات استقرار في قطاع غزة، ما يعني الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

الاقتراح الروسي

واقترحت روسيا، الخميس، مسودة مشروع قرار في الأمم المتحدة، صاغته بشأن غزة في تحدٍّ لجهود الولايات المتحدة.

وقالت بعثة روسيا في الأمم المتحدة في مذكرة، اطلعت عليها «رويترز»، إلى أعضاء مجلس الأمن، إن «الهدف من مسودتنا هو تمكين مجلس الأمن من وضع نهج متوازن ومقبول وموحد نحو تحقيق وقف مستدام للأعمال القتالية». وتطلب المسودة الروسية أن يحدد الأمين العام للأمم المتحدة خيارات لقوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة.

طفل يجلس وسط أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، إن «تحرك موسكو مضاد لمشروع قرار واشنطن بشأن مهام وصلاحيات القوة»، مشيراً إلى أن ذلك كان متوقعاً في ظل عدم تغيير واشنطن مواقفها المنحازة لإسرائيل.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن الطرح الروسي يعني «وجود معركة نفوذ ومناورات سياسية بهدف من موسكو لفرض أمرين؛ أولهما دعم الموقف العربي الفلسطيني المختلف عن نظيره الأميركي الإسرائيلي، والثاني إرسال رسالة لواشنطن بأن موسكو ليس بعيدة، وأن هذا الملف قد يكون جزءاً من المساومات المستقبلية».

بالمقابل، حثّت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن على المضي قدماً في الموافقة على النصّ الأميركي. وأكدت، البعثة بحسب ما نقلته «رويترز»، الخميس، أن «محاولات زرع الشقاق الآن - عندما يكون الاتفاق على هذا القرار قيد التفاوض النشط - لها عواقب وخيمة وملموسة، ويمكن تجنبها نهائياً بالنسبة للفلسطينيين في غزة»، مضيفة: «وقف إطلاق النار (هشّ)، ونحثّ المجلس على الاتحاد والمضي قدماً لتحقيق السلام الذي تشتد الحاجة إليه».

ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى 9 أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حقّ النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

ووزّعت الولايات المتحدة رسمياً مشروع القرار على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر قبل أسبوع، وقالت إنها تحظى بدعم إقليمي لقرارها الذي سيمنح تفويضاً لمدة عامين لهيئة حكم انتقالي وقوة دولية لتحقيق الاستقرار.

وينصّ مشروع القرار على تفويض القوة بـ«استخدام جميع التدابير اللازمة» لنزع السلاح في غزة وتأمين حدودها وحماية المدنيين وإيصال المساعدات ودعم قوة شرطة فلسطينية جديدة يتم تدريبها، وهو ما عليه مآخذ وخلافات، ولا سيما نزع السلاح، وفق تصريحات عربية الأسبوع الماضي.

ويتوقع عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن يتم المزج بين مشروعي القرارين الأميركي والروسي، بمشروع واحد محل توافق قبل العرض على التصويت، مشيراً إلى أنه إذا تمسكت واشنطن بمشروعها دون توافقات، يتوقع أن تستخدم موسكو الفيتو، وهذا يمس اتفاق غزة ويطيل أمد تنفيذه.

فيما يتوقع المحلل السياسي الفلسطيني أن استمرار تلك الخلافات مع واشنطن قد يؤدي إلى تعليق الاتفاق، وليس انهياره، مؤكداً أن «تعليق الاتفاق عند المرحلة الأولى أخطر من انهياره»، مرجحاً مساعي من الوسطاء للتوافق أكثر بشأن الخلافات.

فتاة تمشي وسط أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك التجاذبات الروسية - الأميركية وتأثيراتها، قال وزير الدفاع الإندونيسي، شافري شمس الدين، الجمعة، إن «بلاده درّبت نحو 20 ألف جندي لتولي مهام تتعلق بالصحة والإعمار، خلال عملية حفظ السلام المزمعة في قطاع غزة الذي مزّقته الحرب».

وليست إندونيسيا وحدها من تسعى إلى الوجود هناك، فقد ذكرت وثيقة اطلعت عليها وكالة «رويترز»، الجمعة، أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيناقشون الأسبوع المقبل مقترحاً لتولي التكتل مهمة تدريب 3 آلاف شرطي فلسطيني، بهدف نشرهم لاحقاً في قطاع غزة.


الدمار يحدق بآثار اليمن في ذمار

قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)
قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)
TT

الدمار يحدق بآثار اليمن في ذمار

قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)
قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)

تعرضت عشرات المواقع الأثرية والتاريخية في محافظة ذمار اليمنية خلال الأيام الماضية، لموجة واسعة من أعمال النهب والعبث، في واحد من أكثر الاعتداءات توسعاً منذ سنوات، وسط اتهامات محلية بضلوع قادة حوثيين في دعم عصابات تجريف الآثار، وتمكينها من العمل دون رادع.

وتشير شهادات متطابقة إلى أن أنشطة الحفر العشوائي، امتدت إلى مواقع تعود إلى حضارات يمنية قديمة، ما أدى إلى تدمير مومياوات وطمس معالم تاريخية فريدة.

وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شملت الاعتداءات مقبرتين أثريتين؛ تقع إحداهما على منحدر جبلي في مديرية جهران، والأخرى في قرية «النواري» بمديرية عتمة، إضافة إلى مواقع في مناطق المختبية والحطمة ومصنعة مارية التابعة لمديريتي الحدا وعنس.

وتمكنت العصابات - بحسب المصادر - من الاستيلاء على لُقى أثرية متنوعة؛ بينها تماثيل برونزية وجنائزية ونقوش حجرية بخط المسند، يُقدّر عمر بعضها بآلاف السنين.

جانب من تعدي عصابة مسلحة على مقبرة أثرية بضواحي ذمار (فيسبوك)

وجاء آخر هذه الاعتداءات عبر قيام عصابة مسلحة يرجح أنها مدعومة من قيادات في الجماعة الحوثية، بحفر مقبرة جماعية معلّقة على قمة أحد جبال مديرية جهران. وبحسب مصدر محلي، فإن أفراد العصابة كانوا يبحثون عن مقتنيات ذهبية مدفونة، ما تسبب بإتلاف مومياوات وهياكل بشرية كانت محفوظة بصورة نادرة.

وأوضح المصدر أن «المقبرة ليست مجرد مكان دفن؛ بل إرث تاريخي يكشف عن طقوس ومعتقدات قديمة لحضارات يمنية عريقة».

وأثارت الجريمة موجة غضب واسعة في أوساط السكان والمهتمين بالشأن الأثري، الذين أكدوا أن الاعتداءات ليست حوادث فردية؛ بل جزء من سلسلة تجريف منظمة طالت المواقع الأثرية منذ سيطرة الحوثيين على المحافظة.

ويرى عدد من السكان الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك الجرائم تسعى إلى طمس المكونات الحضارية لليمنيين واستبدال روايات تتسق مع مشروع الحوثيين الآيديولوجي بها، محملين سلطات الجماعة في ذمار مسؤولية مباشرة عن حماية المواقع واستعادة الآثار المنهوبة.

تجريف واسع

قبل واقعة مقبرة جهران، كان مجهولون قد نفذوا أعمال حفر واسعة في موقع «مصنعة مارية» الأثري بمديرية عنس، بحثاً عن معادن ولقى أثرية، في ظل ما يصفه الأهالي بـ«تغاضٍ متعمد» من الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة.

وأكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، أن العصابة عثرت على قطع أثرية متنوعة، بعضها معدني، يُرجّح أنها هُرّبت فوراً إلى خارج المحافظة ثم إلى أسواق خارجية.

موقع «الحطمة» الأثري في ذمار بعد تعرضه للعبث والتجريف المنظم (إكس)

وتُعد منطقة «مارية» من أقدم مناطق حضارة حمير، إذ تضم أكثر من 25 موقعاً أثرياً، وتشتهر بنمط معماري فريد يعكس تراكُم حضارات متعاقبة على مدى قرون. ويقول مختصون إن تدمير هذه المواقع يعني خسارة غير قابلة للتعويض في سجل الحضارة اليمنية.

ويتهم باحثون في الآثار الجماعة الحوثية بالوقوف خلف موجة التدمير الممنهجة، مؤكدين أنها جزء من «سياسة طمس الهوية» التي تمارسها الجماعة، عبر تجريف المواقع ونهب المقتنيات وتهريبها وبيعها في أسواق عالمية. وطالب الباحثون المنظمات الدولية المختصة، بالتدخل الفوري لوقف الاعتداءات ومنع تداول القطع اليمنية المنهوبة.

اعتداءات ممنهجة

هذه الاعتداءات ليست الأولى؛ إذ سبق أن تعرض موقع «هران» الأثري في ذمار قبل عامين، لأعمال طمس وتشويه نُفذت بحجة إقامة مشروع سياحي بتمويل من جمعية إيرانية. وشملت تلك الأعمال استحداثات غير قانونية وتدمير أجزاء من الموقع، إضافة إلى نقل قطع أثرية بطريقة سرية إلى جهات مجهولة.

عبث بالمواقع الأثرية في ذمار وسط تغاضٍ من الحوثيين (إعلام حوثي)

ويؤكد مختصون يمنيون أن ما يحدث من تجريف ونهب لا ينفصل عن سلسلة جرائم ارتُكبت منذ انقلاب الحوثيين، إذ جرى تحويل بعض المواقع الأثرية إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية، بينما تعرضت مواقع أخرى للتفجير والتجريف والبيع.

ويحذّر الخبراء من أن استمرار هذه الجرائم سيؤدي إلى فقدان جزء كبير من الذاكرة التاريخية اليمنية، مشيرين إلى أن حماية هذه المواقع مسؤولية وطنية ودولية، تتطلب تدخلاً عاجلاً لوقف العبث واستعادة ما تم تهريبه، وإنقاذ ما تبقى من إرث البلاد الحضاري.


جبايات الحوثيين تخنق الحركة التجارية في صنعاء

حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)
حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تخنق الحركة التجارية في صنعاء

حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)
حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)

تسبّب تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الحوثيين، جنباً إلى جنب مع تصاعد حملات المضايقات والجبايات غير القانونية، في موجة من إغلاقات المتاجر والمطاعم في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، حيث اضطر الكثير من الملاك إلى إغلاق أبوابهم وتسريح عمالهم، وسط اتهامات للجماعة باستئناف حملات دهم الشركات والمحال وإجبار أصحابها على دفع إتاوات بمسميات متعددة.

وفي أحدث هذه الإغلاقات، أعلنت إدارة سلسلة مطاعم «رويال باحاج حضرموت» التوقف عن العمل في أحد أكبر فروعها بحي الرقاص في مديرية معين وسط صنعاء، نتيجة ضغوط مالية متفاقمة، وانخفاض القدرة الشرائية للسكان مع انقطاع المرتبات واتساع رقعة الفقر والبطالة، وفق مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط».

وعلى الرغم من أن القطاع التجاري الخاص في صنعاء لا يزال يشكّل أحد الأعمدة القليلة المتبقية للحراك الاقتصادي المحلي، فإنه يتعرّض لتراجع حاد جراء استمرار حملات الاستهداف الحوثية بحق الشركات والمطاعم والمتاجر والفنادق وصالات المناسبات، بما في ذلك فرض رسوم إضافية تحت ذرائع مختلفة، وتكثيف القيود الإدارية والتنظيمية على أصحاب الأعمال.

تعسفات الحوثيين أجبرت مطاعم شهيرة في صنعاء على الإغلاق (إكس)

وكانت سلسلة مطاعم «الكندي للكباب البلدي» قد أعلنت قبل أسابيع إغلاق فرعها في شارع 14 أكتوبر بمنطقة حدة، بعد تعرّض صاحبها لمضايقات وابتزازات متكرّرة من جهات محسوبة على جماعة الحوثيين، الأمر الذي جعله عاجزاً عن مواصلة العمل.

ونتيجة هذه الإغلاقات، سُرّح المئات من العاملين في المطاعم والمتاجر، بينهم أكثر من 40 عاملاً في مطعم «رويال باحاج حضرموت»، معظمهم من الشباب الذين تعتمد أسرهم بشكل أساسي على هذه المداخيل اليومية.

وتؤكد مصادر اقتصادية في صنعاء أن هذا النزيف البشري والاقتصادي ينعكس مباشرة على النشاط التجاري المحلي، حيث تمثّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة أكثر من 65 في المائة من الحركة الاقتصادية في العاصمة المختطفة.

تراجع حاد

يشكو تجار وأصحاب مطاعم في صنعاء وضواحيها من تراجع غير مسبوق في النشاط التجاري، نتيجة كساد البضائع، وتضاعف النفقات التشغيلية، وفرض المزيد من الإتاوات عليهم. كثير منهم وجد نفسه في مواجهة الإفلاس، مما قاد إلى إغلاق المتاجر والاستغناء عن الموظفين.

محمد، مالك مطعم شعبي في شارع الستين، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن الارتفاع المتواصل لأسعار الغاز والوقود والمواد الأساسية، إلى جانب الإتاوات المتكررة التي تفرضها جهات تابعة للحوثيين، جعلا الاستمرار في العمل «مستحيلاً».

إغلاق مطعم شهير بسبب المضايقات الحوثية (الشرق الأوسط)

ويضيف موضحاً: «نُجبر على دفع مبالغ يومية أو أسبوعية أو شهرية تحت مسميات مختلفة؛ مرة دعم وتمويل الجبهات، ومرة رسوم نظافة أو تجديد ترخيص، وأخرى باسم الزكاة والضرائب. في النهاية، لا يبقى من الربح ما يكفي حتى لدفع رواتب العمال».

ويكشف محمد عن ممارسات أخرى تطول أصحاب المطاعم، منها فرض قيود على تشغيل النساء، وتحديد ساعات العمل، وفرض إغلاقات مؤقتة لإجبارهم على الدفع، وهو ما ضيّق هامش الحركة في هذا القطاع الحيوي.

أعباء لا تُحتمل

وفي ظل هذه الضغوط، بدأ عدد كبير من التجار التفكير في مغادرة صنعاء بشكل نهائي، إذ يؤكد «فاضل» (اسم مستعار لتاجر مواد غذائية) أنه يستعد لنقل نشاطه التجاري إلى عدن أو خارج اليمن بالكامل.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل أسبوع تأتي لجنة جديدة تطلب جبايات مالية أو عينية، وإذا رفضنا نتعرض للتهديد ويُغلق المتجر. فتحُه من جديد يتطلّب دفع مبالغ طائلة».

ويشير إلى أن التعامل الأمني والمالي الذي تنتهجه الجماعة بات يحمّل التجار أعباء لا يمكن تحملها، مما يجعل بقاءهم في السوق «خسارة مؤكدة».

الحوثيون استهدفوا عدداً من رجال الأعمال لإحلال طبقة تجارية موالية (فيسبوك)

ويرى اقتصاديون في صنعاء أن موجة الإغلاقات ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل مؤشر خطير على دخول الاقتصاد المحلي مرحلة أكثر هشاشة. فالأزمات المعيشية وانخفاض الدخل والقدرة الشرائية تتقاطع مع أعمال الجبايات الحوثية والانكماش الشديد في الطلب، لتدفع بالمستثمرين الصغار والمتوسطين إلى الخروج القسري من السوق.

ويحذّر الخبراء من أن استمرار هذه الضغوط قد يقود إلى شلل شبه كامل للقطاع الخاص في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما سيزيد من معدلات البطالة والفقر، وسيقوّض أي إمكانية لتعافي الاقتصاد، حيث تتعامل الجماعة مع الاقتصاد بوصفه «غنيمة» تُستنزف لا قطاعاً إنتاجياً ينبغي الحفاظ عليه.