خطورة استخدام المفردة في الخطاب الإعلامي

كتاب سوري يدعو إلى توحيد المصطلحات في الإعلام العربي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

خطورة استخدام المفردة في الخطاب الإعلامي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

في علوم الإعلام يعتبر الخطاب الإعلامي، بالمفردات المستخدمة، ذا أهمية كبيرة، فلكل كلمة تستخدم دلالتها اللغوية، وتعكس معنى معينا مقصودا، ولا يمكن أن يكون عفويا، وخصوصا في ما يتعلق بالصفات. وتعترض صالات التحرير تساؤلات كثيرة مع كل حدث عالمي حول التسمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما الكلمة التي يمكن أن نصف بها الأحداث التي هزت العالم العربي من عام 2011؟ هل هي ثورة، أم انتفاضة، أم احتجاجات؟.. في واقع الأمر، القرار في ذلك سياسي يترجم لغويا في وسائل الإعلام كل حسب انتمائه وقناعاته. فمن الوسائل ما تختار، ربما، كلمة ثورة (وهي صفة لهذا الحدث) ويبنى عليها موقف سياسي، معتبرة أن الشعوب العربية قامت بثورة، ومن قال ثورة قال إنها قامت بسبب ظلم، أو فقر، أو انعدام حرية، وهذا يعني أنه لا يصب في مصلحة النظام. وباختيار كلمات أخرى فإنها تعكس أيضا موقفا آخر. وهكذا كان الفلسطينيون في فترة السبعينات بمثابة «إرهابيين» في الإعلام الغربي، بينما كانوا فدائيين في الإعلام العربي، وكان الأفغان مجاهدين في الإعلام الأميركي والغربي عندما كانوا يقاتلون القوات السوفياتية الغازية، وباتوا إرهابيين عندما بدأوا يقاتلون القوات الأميركية. فبحسب الخطاب اللغوي المستخدم يمكننا أن نستشف موقف هذه الوسيلة أو تلك، أو هذه الدولة أو تلك. وفي الوقت الذي يصف فيه النظام السوري الثوار السوريين بـ«الإرهابيين» فإن وسائل عربية وحتى أجنبية أخرى تصفهم بالثوار، أو المتمردين.. ويمكننا التمييز بين تكوين مصطلح جديد أو استخدام مفردة بشكل مغلوط للدلالة على مفهومٍ ما كاستخدام تعبير الحرب الأهلية بدلاً من الثورة في توصيف الأحداث في سوريا أيضا، فهل من تناقض بين الحرب الأهلية والثورة؟ وأيهما يشمل الآخر؟ وهل يتم استخدام مصطلح الحرب الأهلية للتهرب من المسؤولية، ومن أجل توجيه اللوم إلى الشعب السوري؟
كان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية أول من بدأ بالتحذير من حرب أهلية في سوريا، حيث قال في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011: «عرضت اليوم قناة (يورو نيوز) - قناتنا التلفزيونية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي - صورًا أظهرت هجومًا للجيش السوري الحر المشكّل حديثًا على مبانٍ رسمية». وأضاف لافروف: «بالطبع إذا كانت المعارضة ستستخدم مثل هذه الوسائل فإن ذلك سيقود إلى «حرب أهلية شاملة»، في إشارة إلى الهجوم الذي شنه «الجيش السوري الحر» المنشق عن الجيش السوري على مقر للأمن السوري على مشارف دمشق. إن «الأمر أشبه بحرب أهلية حقيقية»، مؤكدًا أن «الأسلحة المهربة القادمة من الدول المجاورة تزداد وصولاً إلى سوريا».
وبعد تحذير لافروف بيوم واحد أيّدته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية قائلةً: «أعتقد أنه يمكن أن تندلع حرب أهلية إذا وجدت معارضة لديها تصميم كبير ومسلحة بشكل جيد وتتمتع بتمويل كبير»، إلا أن تصريحات كلينتون تناقضت مع ما كان أعلنه المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر من رفض تحذيرات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من اندلاع حرب أهلية في سوريا، قائلاً إنها «نتيجة تقييم خاطئ». وأضاف تونر: «إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يخوض حملة عنف وترهيب وقمع ضد متظاهرين أبرياء ولا نرى في ذلك حربًا أهلية»،
بينما اعتبر مسؤول أميركي كبير، رافضًا كشف هويته، أن «الحديث عن حرب أهلية يصب في مصلحة الرئيس السوري الذي يعتبر الحركة الاحتجاجية حركة إرهابية ضد الحكومة».
فالمفردة في اللغة هي اللفظ الدال على معنى ثابت مستقل عن السياق، وتحدد المفردة شكل الصورة المراد إيصالها إلى ذهن المتلقي وبعد خضوعها لمحاكمته العقلية المستندة إلى ثقافته يقوم الفرد بتكوين موقف جديد أو تغيير موقف سابق. ويمكن تغيير معنى المفردة بحسب السياق.
اللغة إذن هي عماد العمل الإعلامي في مخاطبة الجمهور المتلقي من أجل تكوين أو تغيير رأي عام تجاه مسألة ما، والرأي العام هو اتفاق مجموعة أو أغلبية منها على مفهوم أو موضوع، وبالتالي القيام بفعل أو رد فعل أو تكوين قناعة فردية، وهنا تكمن أهمية المفردة والمصطلح وخطورة استخدامهما. وتستمدّ الممارسات الإعلامية جوهر فعاليتها من هذه التعريفات في تأثير واضح وخطر على تكوين المفاهيم وبالتالي الآراء، فالمواقف عند المتلقين حتى من الإعلاميين والعاملين في المنظمات الدولية والشعوب عمومًا في أمثلة كثيرة لاستخدام المفردات في الدعاية الإعلامية للتأثير مع اختلاف غاياتها، فرديةً كانت أو مؤسساتية وحكوميةً أو غير ذلك.
هذه القضية تشكل اليوم محورا أساسيا في كيفية معالجة وسائل الإعلام الغربية الثورة السورية. الصحافي السوري منصور العمري، الحائز مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير على «جائزة الشارة الدولية» 2012 للصحافيين، رصد كثيرا من هذه الوسائل الغربية في كتابه «الشأن السوري في عيون الغرب».
يتناول الكتاب الخطاب الإعلامي الغربي وأهميته في تكوين الرأي العام، من خلال تبنيه وجهة النظر التي يكونها الفرد أو المجموعات المتّسقة، تجاه الأحداث في سوريا من خلال طرح مواضيعها في مخرجات الإعلام الدولي اعتمادًا على انتقائية المحتوى وتحوير المعلومات تبعًا لتوجهٍ ما أو ابتعادٍ عن الحقيقة، وذلك من خلال توصيفات مبتكرة تعتمد في أغلب الأحيان على استخدام مفردات أو مصطلحات غير مناسبة.
«لم تتناول كبريات الصحف الدولية عمومًا الحراك المدني والمجتمعي في سوريا بأي مادة أو تحقيق متكامل، وفي المقابل باتت هذه الوسائل الإعلامية إسفنجةً عطشى للأخبار المثيرة والصور المؤثرة ومقاطع الفيديو المأساوية والتطورات العسكرية، ونتيجةً لهوسها بالإرهاب، تحولت إلى ما يشبه الصحافة الصفراء من حيث تدري أو لا تدري في تناولها لما قد يثير اهتمام المتلقي الغربي، وأغفلت بذلك وجود شريحةٍ واسعةٍ من المجتمع السوري ونضالها السلمي المدني المجتمعي، ورسمت صورة تزخر بالعنف والألوان الحمراء والسوداء في سوريا في ذهن الجمهور الغربي، ما أدى بهم إلى النظر إلى سوريا على أنّها بؤرة مرعبة يفضّل عدم الاقتراب منها».
ويدعو الكاتب إلى توحيد المصطلحات والمفردات في الإعلام العربي والسوري الجديد خاصة، بحيث تصبح مرجعيةً للإعلام الدولي، من أجل عدم ترك الباب مفتوحًا أمام الطارئين على الوضع السوري ذوي المعرفة المحدودة بما يجري في سوريا أو لمن يريد تزييف الحقائق والتلاعب بالمفاهيم لخدمة توجهات سياسية ما.

* صدر هذا الكتاب مؤخرا
عن دار نشر «نون»
في الإمارات العربية المتحدة
* رئيس رابطة
الصحافيين السوريين



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.