إسرائيل ترفض رسمياً التعاون مع لجنة التحقيق في حرب غزة

بعد حملة تشويه لمواقف أعضائها استباقاً للنتائج والمقررات

آثار الدمار والخراب في حي الشجاعية في غزة بعد حرب يوليو 2014 (إ.ب.أ)
آثار الدمار والخراب في حي الشجاعية في غزة بعد حرب يوليو 2014 (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل ترفض رسمياً التعاون مع لجنة التحقيق في حرب غزة

آثار الدمار والخراب في حي الشجاعية في غزة بعد حرب يوليو 2014 (إ.ب.أ)
آثار الدمار والخراب في حي الشجاعية في غزة بعد حرب يوليو 2014 (إ.ب.أ)

أبلغت إسرائيل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشكل رسمي، بأنها لن تتعاون مع لجنة التحقيق الخاصة بالحرب الأخيرة على قطاع غزة، وستمنع أعضاء اللجنة من الدخول إليها.
جاء ذلك في رسالة نقلتها سفيرة إسرائيل لمؤسسات الأمم المتحدة في جنيف ميراف إيلون شاحر، إلى رئيسة اللجنة نافي بيلاي، توضح فيها أنها اتخذت هذا الموقف لأنه «لا يوجد سبب للاعتقاد بأن إسرائيل ستحصل على معاملة عادلة، متساوية وغير منحازة من المجلس ومن لجنة التحقيق».
وجاء في الرسالة الإسرائيلية أن أعضاءً في اللجنة «اختيروا، بناءً على تاريخهم الفعال واتهاماتهم المعادية لإسرائيل، من أجل ضمان نتيجة نهائية معدة سلفاً». واتهمت الرسالة أعضاء اللجنة الثلاثة بأنهم «أخذوا مرة تلو الأخرى مواقف معادية لإسرائيل».
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد أقام في شهر يوليو (تموز) الماضي لجنة تحقيق، برئاسة المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، خلال الحرب الأخيرة على غزة التي نشبت في مايو (أيار) الماضي. وأكد المجلس أن «قوانين الحرب انتهكت ويبدو أنها ترقى إلى جرائم حرب».
وأشارت بذلك إلى أن «الجماعات الفلسطينية المسلحة أدارت هجمات غير قانونية، عندما أطلقت أكثر من 4360 صاروخاً غير موجه وقذيفة هاون باتجاه مراكز سكانية إسرائيلية، منتهكة بذلك الحظر المفروض على الهجمات المتعمدة أو العشوائية ضد المدنيين. وأسفر هذا القصف عن مقتل 12 مدنياً إسرائيلياً، من بينهم طفلان وجندي، وجرح عدة مئات. فيما نفذت إسرائيل هجمات في غزة، دمرت عائلات بأكملها بدون أي هدف عسكري بالقرب منها. وقتلت 260 فلسطينياً، من بينهم ما لا يقل عن 129 مدنيا، منهم 66 طفلا. وأصابت 1948 فلسطينيا، بينهم 610 أطفال».
وردت إسرائيل على القرار بإطلاق حملة تشويه ضد مجلس حقوق الإنسان وأكدت أنها لن تتعاون مع اللجنة. ويوم أمس، اتخذت قراراً رسمياً بهذا الشأن.
لم يفاجئ القرار الإسرائيلي اللجنة. وبحسب المراقب الفلسطيني الدائم في الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية في سويسرا، إبراهيم خريشي، فإن لجنة التحقيق تتحدى المعوقات الكثيرة التي يضعها الاحتلال أمام عملها.
ولفت إلى أن اللجنة تقدمت بطلب إلى مصر لزيارة غزة عن طريقها، وستعمل على زيارة الأردن للقاء المعنيين من الضحايا، وستلتقي كذلك بالمؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني، كما ستستقي المعلومات عبر الاتصال المباشر عبر الفيديو، أو من خلال مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في فلسطين، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني سواء الفلسطينية أو الإسرائيلية أو الدولية الموجودة على الأرض.
وقال خريشي: «سوف تبدأ اللجنة عملها بعد اكتمال تعيين السكرتارية، لأنها بحاجة إلى خبراء طبيين وفنيين عسكريين وخبراء في القانون الإنساني الدولي، إضافة لمترجمين للغة العبرية، وحسب اللجنة سيكون نهاية شهر مارس (آذار) الموعد المناسب للالتقاء بالضحايا لسماع شهاداتهم، وقد بدأت اللجنة في جمع المعلومات منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وأضاف خريشي أن الاحتلال فرض معوقات كثيرة، بدعم من الولايات المتحدة أمام عمل اللجنة، حيث حاول إيقاف تمويلها، وفشل في هذا الأمر. لكنه أشار إلى أنه تم خفض الموازنة السنوية لعمل هذه اللجنة بمقدار الثلث بعد أن كانت مقدرة بـــ5.5 ملايين دولار سنوياً، وتم خفض عدد السكرتارية التي كانت مقررة أن تعمل ضمن هذه اللجنة إلى 18 من أصل 24.
وأوضح خريشي أن هذه اللجنة ستكون دائمة ولن تنتهي مهامها إلا بانتهاء الانتهاكات الإسرائيلية والاحتلال بحد ذاته، ولديها ولاية واسعة وشاملة.
يذكر أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أبلغت سفاراتها في الخارج بإطلاق حملة ضد مجلس حقوق الإنسان، استباقاً لتقرير متوقع قد يوصمها بدولة فصل عنصري (أبارتهايد). وأوضحت الوزارة، في برقية سرية أرسلها رئيس قسم المنظمات الدولية في الخارجية الإسرائيلية، أمير فايسبرود، أن إسرائيل لا تتعاون مع لجنة التحقيق، «بسبب التفويض أحادي الجانب، ومواقف أعضائها المعلنة المناهضة لإسرائيل».
وقال إن التعامل مع لجنة التحقيق سيكون «على رأس سلم أولويات الخارجية في كل ما يتعلق بالأمم المتحدة للعام 2022»، وتابع أن «الهدف الأساسي هو نزع الشرعية عن اللجنة وأعضائها ونتائجها... ومنع أو عرقلة قراراتها لاحقاً».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.