قرارات حكومية تهدد ما تبقى من الصناعة السورية

ملصق معرض صناعي سوري قبل سنتين
ملصق معرض صناعي سوري قبل سنتين
TT

قرارات حكومية تهدد ما تبقى من الصناعة السورية

ملصق معرض صناعي سوري قبل سنتين
ملصق معرض صناعي سوري قبل سنتين

بينما يجاهد الصناعي السوري للبقاء في سوق الإنتاج المحلي، تجاهد الحكومة في دمشق لتعويض عجز الميزانية العامة، عبر فرض مزيد من الضرائب ورفع الدعم عن مواد الطاقة المخصصة للصناعيين، ما يزيد من أعباء الإنتاج في ظل عقوبات اقتصادية دولية منهكة.
وتستهجن الأوساط الصناعية السورية إنفاق الحكومة الملايين، على إقامة معارض للصناعات المحلية داخلية وخارجية، ودعوة رجال أعمال ومستثمرين من الخارج، في الوقت الذي تنهك فيه الصناعة المحلية بقرارات جائرة ترفع تكاليف الإنتاج وتهدد عجلته المتعثرة بالتوقف.
ولا يخلو يوم من إقامة معرض للمنتجات السورية، سواء في العاصمة والمحافظات أو حتى خارجية في بعض الدول العربية، فمن ملتقى للصناعات الغذائية في إكسبو دبي، إلى المعرض الدولي التخصصي التصديري للصناعات الجلدية ومستلزمات الإنتاج (سيلا 13) بدمشق، الذي ينظمه الاتحاد العربي للصناعات الجلدية بالتعاون مع غرفتي الصناعة والتجارة بسوريا، إلى معرض الصناعات الدوائية ومعرض «منتجين»، وغيرها من أنشطة ومعارض تقام في العاصمة الاقتصادية حلب، ومعارض تسويقية تشهدها باقي المدن والمحافظات «تظهر أن عجلة الإنتاج لا تزال تدور»، بحسب تعليق أحد الصناعيين في دمشق لـ«الشرق الأوسط».
ويستدرك الصناعي بالقول: «لكن على الأرض، وضع الصناعة من سيئ إلى أسوأ، فالحكومة تحوّلت من راعٍ داعم للاقتصاد، إلى جابي ضرائب هدفه سد العجز في الخزينة العامة، بغض النظر عن استمرار الإنتاج»، مشدداً على أن قطاع الصناعة «مهدد بسبب تخبط السياسة الاقتصادية وإصدار قرارات غير مدروسة، وفي أحيان كثيرة، غير منطقية»، منها على سبيل المثال، منع أصحاب السجل التجاري من الدرجة الرابعة من الاستيراد والتصدير، وذلك كي يبقى التاجر من الدرجة الرابعة مستفيداً من دعم المواد التموينية المقدمة عبر البطاقة الذكية! إذن لكي يستفيد التاجر الصغير من دعم بقيمة 50 دولاراً، تُلغى فرصة عمل تجارية، احتمال عائداتها الاقتصادية أضعاف ذلك المبلغ. «ولا بأس في تحول التاجر الصغير، من عامل إلى عاطل عن العمل بحاجة للمساعدة»، على حد قوله.
يشار إلى أن الحكومة في دمشق، ألغت الدعم عن شرائح واسعة من السوريين بداية فبراير (شباط) الجاري، وأتبعته بمفاجأة رفع سعر الفيول (الوقود) للصناعيين، بنسبة تقارب الضعف، وأبلغتهم عبر رسائل SMS برفع سعر الفيول إلى مليون و25 ألف ليرة للطن الواحد، للقطاعين العام والخاص، ليكون هذا الارتفاع هو الثاني خلال أقل من عام للمادة ذاتها. فقد سبق ورفعت سعر الفيول في أغسطس (آب) الماضي إلى 620 ألف ليرة سورية بعد أن كان 510 آلاف ليرة. وترافق ذلك مع رفع الدعم عن الكهرباء للصناعيين، لتتجاوز أسعارها خمس أضعاف الأسعار التي كانت عليها.
وبعد أن توقعت الأوساط الصناعية، تحسناً في توفير مواد الطاقة بعد رفع الأسعار، إلا أن ما حصل كان العكس، فمنذ ارتفاع أسعار حوامل الطاقة، والاقتصاد في تراجع والأزمات في اشتداد. وفي اجتماع عاصف مع مدير مؤسسة الكهرباء في حلب، طالب صناعيون في مدينة الشيخ نجار الصناعية، بتأمين الكهرباء والمحروقات لاستمرار عمل معاملهم ومصانعهم، إلا أنهم فوجئوا بعد أيام من ذلك الاجتماع الذي جرت فيه مشاحنات، بقرار الحكومة رفع أسعار الفيول بدل تأمين كميات منه وتوفير الكهرباء.
وحذّر صناعيون في دمشق وحلب من أن ارتفاع أسعار حوامل الطاقة سيرفع تكاليف الإنتاج، بما يهدد عملية الإنتاج بالتوقف، لأنه سيكون أمام خيارين، إما إنتاج بمواصفات منافسة صالحة للتصدير بتكاليف عالية، وإما جودة مخفضة للسوق المحلية وغير مجدية اقتصادياً في ظل ضعف القدرة الشرائية.
ومن المتوقع أن تشهد الكثير من السلع المحلية، ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، لا سيما تلك التي تعتمد صناعتها على استهلاك الفيول، مثل الزجاج والإسمنت والورق الصحي والكرتون، والسيراميك والقرميد والمنظفات، والخيوط والأقمشة القطنية والنسيجية والحديد ومعلبات الكونسروة.



كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)

تقدمت «هيئة تحرير الشام» مع فصائل متحالفة معها بسرعة داخل حلب، إثر هجوم مباغت، لتصبح المدينة بأكملها خارج سيطرة القوات الحكومية لأول مرة منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011.

وجاء التصعيد العسكري بعد سنوات من الهدوء النسبي، ليعيد تشكيل خريطة السيطرة العسكرية بعدما كانت القوات الحكومية تمكنت وبدعم رئيسي من حلفائها، من ترجيح الكفة لصالحها في الميدان على جبهات عدة.

فكيف تتوزّع القوى العسكرية التي يحظى معظمها بدعم دولي أو إقليمي، في سوريا؟ «وكالة الصحافة الفرنسية» ترصد ما يلي:

«هيئة تحرير الشام»

قبل شن الهجوم بدءاً من 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة) تسيطر وفصائل متحالفة معها على نحو نصف محافظة إدلب (شمالي غرب) وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية، تقدر مساحتها بثلاثة آلاف كيلومتر مربع.

وتوجد في المنطقة أيضاً فصائل معارضة أقل نفوذاً فضلاً عن مجموعات جهادية متشددة تراجعت قوتها تدريجياً مثل «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يضم مقاتلين من الأويغور.

ويعيش في مناطق سيطرة الفصائل قرابة 5 ملايين شخص، الجزء الأكبر منهم نازحون من محافظات أخرى، بحسب الأمم المتحدة.

إثر الهجوم المباغت الذي يعد الأعنف منذ سنوات، ضاعفت الفصائل مساحة سيطرتها تقريباً، وفق ما يقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش، مع سيطرتها على مدينة حلب وعشرات البلدات والمدن في ريفها وفي محافظتي حماة (وسط) وإدلب.

القوات الحكومية

خلال السنوات الأولى من النزاع، خسرت القوات الحكومية غالبية مساحة البلاد لصالح فصائل مسلحة ومقاتلين أكراد ثم تنظيم داعش.

لكن التدخل الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015 أسهم تدريجياً في قلب ميزان القوى على الأرض لصالحها.

وبغطاء جوي روسي ودعم عسكري إيراني ومن «حزب الله» اللبناني، كانت قوات النظام قبل بدء هجوم الفصائل، الأربعاء، تسيطر على ثلثي مساحة البلاد، حيث يقيم 12 مليون شخص، وفق بالانش.

وتسيطر قوات النظام اليوم على محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة جنوباً، وحمص وحماة (وسط)، وطرطوس والجزء الأكبر من اللاذقية (غرب)، فضلاً عن دمشق وريفها.

كما تسيطر على جزء من محافظة حلب، وأجزاء من ريف الرقة الجنوبي (شمال)، ونصف محافظة دير الزور (شرق).

وتدعم قوات النظام مجموعات محلية مثل قوات الدفاع الوطني الموالية لها، فضلاً عن أخرى موالية لإيران تضم مقاتلين أفغاناً وباكستانيين وعراقيين و«حزب الله» اللبناني.

وتسيطر قوات النظام بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية في دير الزور وحقل الثورة في الرقة وحقل جزل في حمص (وسط). كما تُمسك بحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز، وحقول صدد وآراك في حمص.

وتوجد نقاط تمركز عدة لجنود روس في مناطق سيطرة النظام.

على مرّ السنوات الماضية، شارك أكثر من 63 ألف جندي روسي في العمليات العسكرية في سوريا، وفق موسكو. وليس معروفاً عديد القوات الروسية الموجودة حالياً في سوريا، لكن أبرز قاعدتين عسكريتين روسيتين في سوريا، هما قاعدة جوية رئيسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية الساحلية، وأخرى في ميناء طرطوس الذي تستثمره أساساً شركة روسية.

المقاتلون الأكراد

بعد عام 2012، أعلن الأكراد إقامة «إدارة ذاتية» في مناطق نفوذهم (في الشمال والشرق) بعد انسحاب قوات النظام من جزء كبير منها من دون مواجهات، وتوسعت هذه المناطق تدريجياً بعدما خاض المقاتلون الأكراد بدعم أميركي معارك عنيفة لطرد تنظيم «داعش».

وفي عام 2015، تأسست قوات سوريا الديمقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، وضمنها فصائل عربية وسريانية مسيحية، وباتت تعد اليوم بمثابة الجناح العسكري للإدارة الذاتية.

وتعد «قوات سوريا الديمقراطية» التي شكّلت رأس حربة في القتال ضد تنظيم «داعش»، ثاني قوة عسكرية تمسك بالأرض بعد الجيش السوري. وتسيطر اليوم على نحو ربع مساحة البلاد، حيث يقيم نحو 3 ملايين شخص، أكثر من ثلثهم من الأكراد.

وتشمل مناطق سيطرة تلك القوات اليوم محافظة الحسكة (شمالي شرق) حيث توجد قوات النظام في بضعة أحياء عبر مؤسسات في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على غالبية محافظة الرقة بما فيها المدينة التي شكلت لسنوات معقلاً لتنظيم «داعش».

كما تسيطر على نصف محافظة دير الزور وعلى أحياء في شمال مدينة حلب ومناطق محدودة في المحافظة.

وتقع تحت سيطرتها أبرز حقول النفط السورية وبينها العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا في دير الزور، فضلاً عن حقول أصغر في الحسكة والرقة. وكذلك حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة.

وتنتشر قوات أميركية ضمن التحالف الدولي ضد الجهاديين في قواعد عدة في مناطق سيطرة الأكراد. كما توجد في جنوب سوريا في قاعدة التنف التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.

تركيا والفصائل

منذ عام 2016، شنّت تركيا مع فصائل سورية موالية لها عمليات عسكرية عدة في شمال سوريا، مستهدفة خصوصاً المقاتلين الأكراد لإبعادهم عن حدودها.

وتسيطر القوات التركية والفصائل الموالية لها على شريط حدودي يمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مروراً بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز.

كما يسيطرون على منطقة حدودية منفصلة بطول 120 كيلومترا بين مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين.

وتضم الفصائل الموالية لأنقرة والمنضوية فيما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة، مثل جيش الإسلام الذي كان يعد الفصيل المعارض الأبرز قرب دمشق.

ومن بين الفصائل، مجموعات تنشط أساساً في الشمال مثل فصيل السلطان مراد، وأخرى برزت مع العمليات العسكرية التركية وبينها فصيلا الحمزة وسليمان شاه.

تنظيم «داعش»

بعدما سيطر عام 2014 على مساحات واسعة في سوريا والعراق، مُنِيَ التنظيم المتطرف بهزائم متتالية في البلدين وصولاً إلى تجريده من كل مناطق سيطرته عام 2019. ومنذ ذلك الحين قتل 4 زعماء للتنظيم، لكن عناصره المتوارين لا يزالون قادرين على شنّ هجمات، وإن محدودة، ضد جهات عدّة.

وغالباً ما يتبنى هجمات ضد قوات النظام في منطقة البادية السورية الشاسعة المساحة وغير المأهولة بمعظمها والتي انكفأ إليها مقاتلوه.

ولا يزال مقاتلوه ينشطون أيضاً في محافظة دير الزور، ويشنون هجمات تطول المدنيين، ويستهدفون قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية.