(تحقيق إخباري) نصر الله يطيح رغبة لبنان بتصويب علاقاته بدول الخليج

عون بتغطيته الملاحقات القضائية يستدرج «العروض» لتعطيل الانتخابات

TT

(تحقيق إخباري) نصر الله يطيح رغبة لبنان بتصويب علاقاته بدول الخليج

كشف مصدر وزاري بارز بأن رئيس الجمهورية ميشال عون أخلّ باتفاقه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تحييد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووقف ملاحقته إلى حين تقطيع المفاوضات الجارية بين لبنان وصندوق النقد الدولي التي يراد منها تأمين انتقاله إلى مرحلة التعافي المالي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون لم تطلب إحضار سلامة للاستماع إليه في الدعوى المقامة ضده من «متحدون» من تلقاء ذاتها، وإنما هناك من يوفّر لها الغطاء السياسي وتحديداً من «غرفة الأوضاع» المرابطة في القصر الجمهوري في بعبدا والموالية على بياض لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ولفت المصدر الوزاري إلى أن القاضية عون أدارت ظهرها للتفاهم المعقود بين رئيسي الجمهورية والحكومة، ولديها ملء الثقة بوجود من يدعمها ويوفّر لها الحماية السياسية، وهذا ما سيؤدي إلى توتير العلاقة بينهما ويفتح الباب أمام إقحامها في اشتباك سياسي، وإن كان ميقاتي يحرص على استيعاب الصدمات السلبية التي تصيب حكومته بين الحين والآخر والتي يفتعلها في غالب الأحيان عون وبعض مستشاريه.
وأكد أن الادعاء على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بذريعة أن نقطة الحراسة التابعة له والمتمركزة أمام منزل سلامة في الرابية منعت القوة التابعة لجهاز أمن الدولة من تنفيذها لمذكرة إحضاره لن يمر مرور الكرام وسيترتّب عليه تداعيات سياسية لن تكون لمصلحة «العهد القوي».
وفي هذا السياق، رأى مصدر مقرّب من نادي رؤساء الحكومات أن عون لم ينفك عن استدراج العروض لتعطيل الانتخابات النيابية وصولاً إلى فرضه التمديد للبرلمان الحالي كأمر واقع لعله ينسحب عليه لإيصال المؤسسات الدستورية الكبرى إلى فراغ قاتل، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن عون أخفق في تحقيق أي إنجاز بخلاف ما تعهد به في خطاب القسم أمام البرلمان فور انتخابه رئيساً للجمهورية، وهو يبحث الآن عن إنجاز تحت عنوان إصراره على مكافحة الفساد واسترداد أموال الدولة المنهوبة، مع أنه يدرك جيداً أنه هو من أغرق الدولة في مسلسل من الصدامات بدلاً من أن يبادر إلى إنقاذها.
وأكد المصدر نفسه أن عون اختار العنوان الخطأ في ملاحقته للواء عثمان، وكنا نتوقع منه بأن ينوّه بالإنجاز الأمني الذي حقّقته شعبة المعلومات في قوى الأمن باكتشافها لكبرى شبكات التجسّس الإسرائيلية، وهذا ما لم يفعله بخلاف ما صدر عن رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي وعدد من القيادات السياسية. وسأل: لماذا أحجم عون عن إشادته بهذا الإنجاز؟ وهل نأى بنفسه عن التنويه بدورها في تفكيك العدد الأكبر من شبكات التجسّس لأنه يتحسّس ممن يقف على رأس هذه المؤسسة الأمنية وأن فريقه يستمر في نصب «الكمائن» السياسية له؟
وكشف أن الفريق السياسي الموالي لباسيل هو من يدير الحملات المنظّمة لتدمير آخر ما تبقّى من مؤسسات الدولة وآخرها مؤسسة قوى الأمن بعد أن اصطدم بحائط مسدود في تشويشه على قائد الجيش العماد جوزف عون، وقال إن عثمان لم يرضخ لضغوط باسيل بإجرائه مناقلات بين كبار الضبّاط في محاولة لتطويعهم لانتزاع ولائهم له لعله يتمكّن من ترتيب وضعه الانتخابي.
وسأل: لماذا لم يبادر عون الحريص على عدم التدخّل لدى القضاء إلى الطلب من مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا للمثول أمام المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار للاستماع إلى أقواله؟ وهل كان مضطراً لإلحاقه بالمجلس الأعلى للدفاع واتباعه لإمرته ولإمرة رئيس الحكومة؟ وقال إن اللواء عثمان قام بواجباته ولم يخلّ بها، وهذا ما أكّده الرئيس ميقاتي في الاتصال الذي تلقّاه من رئيسة كتلة «المستقبل» النيابية النائبة بهية الحريري.
ولفت المصدر نفسه إلى أن ما قاله ميقاتي للنائبة الحريري ما هو إلا رد مباشر على الحملة التي تستهدف عثمان، وقال إن معركة القاضية عون ومن خلالها رئيس الجمهورية ستكون خاسرة وسترتدّ عليهما، ولن يترتّب عليها أي مفاعيل سياسية يراد منها تطييف الأجواء وشحنها مذهبياً بعد الموقف الذي أعلنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يشكّل سدّاً منيعاً في وجه من يراهن على إحداث انقسام في الشارع بين المسلمين والمسيحيين يعود بلبنان إلى المربّع الأول الذي كان وراء اندلاع الحرب الأهلية التي انتهت بتوافق اللبنانيين على اتفاق الطائف.
واتهم المصدر المقرّب من رؤساء الحكومات السابقين عون بأنه يراهن على استحضار حروب الإلغاء والإقصاء التي قادها أثناء تولّيه رئاسة الحكومة العسكرية، وقال إن هذه الحروب أصبحت من الماضي لأن السواد الأعظم من اللبنانيين هم الآن في مكان آخر في ضوء ارتفاع منسوب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بعد تدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية التي يحاول عون توفير الحلول لها ببيانات إعلامية تكاد تكون شبه يومية بدلاً من أن يبادر إلى الانكفاء عن وضع العراقيل التي تعيق مهمة الحكومة للانتقال بالبلد من التأزُّم إلى الإنقاذ.
وسأل المصدر رئيس الجمهورية، هل لا يجد من مكافأة لقوى الأمن على إنجازاتها في تفكيك شبكات التجسّس الإسرائيلية والأخرى الإرهابية سوى ملاحقة القاضية عون للواء عثمان بتهم مدبّرة سلفاً، فيما يغيب القضاء المختص عن السمع ولا يحرّك ساكناً لوضع حد لتماديها في خرق القوانين؟ وقال إن غرفة الأوضاع التي تتولى تركيب الملفّات ستواجه مشكلة إذا كانت تراهن منذ الآن على أن مكافحتها للفساد ستؤدي إلى استعادة ما خسرته في الشارع المسيحي، خصوصاً أن البطريرك الماروني بشارة الراعي كان أول من تصدّى في عظته ما قبل الأخيرة لما سمّاه وجود انتقائية واستثناءات في الملاحقات القضائية غامزاً من قناة رئيس الجمهورية من دون أن يسمّيه.
كما سأل عن الجدوى من تلغيم الأجواء السياسية وتعميم حالة من الاحتقان المذهبي والقضائي؟ وهل يؤدي كل هذا إلى تعطيل إجراء الانتخابات النيابية، وإلا لماذا أصر عون على احتجازه للتشكيلات القضائية رافضاً الإفراج عنها وربطها بالاستمرار في مكافحة الفساد بإعفاء القاضية عون من المناقلات القضائية الواردة في التشكيلات التي رفعها إليه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود؟
وقال إن الهدف من احتجازه لهذه التشكيلات يكمن في الخطة المرسومة للقاضية عون بغية إغراق الحكومة في انقسام هي في غنى عنه الآن، بدلاً من أن تلتفت لإنقاذ البلد، مع أن ميقاتي وإن كان يحسن إدارته لتدوير الزوايا فهو في المقابل يسعى لتقطيع الوقت بأقل قدر من الخسائر لتحييد خطة التعافي المالي من التجاذبات السياسية.
وتمنى المصدر على رئيس الجمهورية بأن يعيد النظر في ترتيب أولوياته لردم الهوّة القائمة بين لبنان ودول الخليج العربي بعد أن أطاح الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بالجهود الرامية لرأب الصّدع كمدخل لاستعادة الثقة المفقودة بينهما، خصوصاً أن الرد اللبناني على الورقة التي طرحها وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر الصباح باسم الدول العربية والخليجية والمجتمع الدولي في زيارته لبيروت لن يُصرف في مكان، لأن ما قاله أخيراً يتعارض مع روحية الأجوبة التي حملها معه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت.
فهل يبادر الرئيس عون إلى الرد على ما قاله نصر الله بدلاً من إطلاق يد القاضية عون بغياب الضوابط القضائية الرقابية في ملاحقتها لسلامة وفي ادعائها على اللواء عثمان؟ أم أنه سيصرف النظر عن استهدافه مجدداً لدول الخليج الذي جاء هذه المرة متلازماً مع توصّل «حزب الله» إلى تصنيع المسيّرات وعرضها للبيع لمن يريدها وتطوير الصواريخ إلى صواريخ دقيقة برغم أنه يحشر الدولة في الزاوية ويحوّلها إلى دويلة مسلوبة الإرادة، وبالتالي يعيد التأزُّم المسيطر على علاقات لبنان العربية إلى نقطة الصفر، وهذا ما يتسبب بحشر حليفه رئيس الجمهورية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.