إيتالو بالبو في ليبيا... شخصية استعمارية متميزة تُبعث من جديد

عيّنه موسوليني حاكماً لها وكان حكماً بالنفي كما يرى البعض

جمعة بوكليب
جمعة بوكليب
TT

إيتالو بالبو في ليبيا... شخصية استعمارية متميزة تُبعث من جديد

جمعة بوكليب
جمعة بوكليب

في يوم 3 ديسمبر (كانون الأول) 1934 صدر مرسومٌ ملكي تشريعي إيطالي بتوحيد مستعمرتي طرابلس الغرب وبرقة في مستعمرة موحدة. مُصمم خطة الوحدة تلك كان قائداً عسكرياً مشهوراً برتبة «مارشال جو» اسمه إيتالو بالبو، أحد كبار قادة الحركة الفاشية الإيطالية. بالبو حكم ليبيا قرابة سبع سنوات وماتَ فيها مقتولاً، في ضواحي مدينة طبرق عام 1940، لدى سقوط طائرته التي كان يقودها، في ضواحي مدينة طبرق بقذيفة إيطالية.
تعيينه حاكماً لليبيا، من قِبل موسوليني، عدّه البعضُ من المؤرخين، حُكماً بالنفي، ووسيلة للتخلص منه «تتم ترقيته ليسهُل عَزله». خاصة بعد النجاح العالمي الذي حققه بعبور المحيط الأطلنطي طيراناً في عام 1933. شهرته العالمية، وما تحلّى به من قدرات ومهارات، جعلته واحداً من مربع قيادي على رأس الحركة الفاشية الإيطالية بزعامة الدوتشي بنيتو موسوليني.
مارشال الجو إيتالو بالبو، كان، حسب آراء المؤرخين، شخصية استعمارية متميزة، وما زال، إلى يومنا هذا، مثيراً للخلاف والجدال.
في الفترة الأخيرة، صَدرَ عن دار الفرجاني بطرابلس، كتاب من تأليف الأكاديمي الدكتور مصطفى رجب يونس، بعنوان «المنفى الذهبي - بالبو في ليبيا.. أضواءٌ وظلال». صدور الكتاب في هذا الوقت تحديداً مهمٌّ؛ لأن شخصية إيتالو بالبو، في السنوات الأخيرة، عادت للسطح، وصارت بؤرة لنقاش في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، استقطب العديد من الليبيين، سواء من المثقفين والأكاديميين غيرهم، حول شخصيته ودوره في بناء ليبيا الحديثة. ورغم أهمية بالبو في التاريخ الاستعماري لليبيا، فإن الدراسات الأكاديمية الليبية، التي تناولت سيرته ودوره، حسب علمي، تعدّ، للأسف، قليلة مقارنة بحجم الدور الاستعماري الذي لعبه في ليبيا.
كتاب الدكتور يونس جاء في وقت مناسب جداً، ليشكل إضافة أكاديمية مهمة إلى النقاش الدائر، وينفض الغبار عن شخصية إيتالو بالبو، من خلال ما احتوته التقارير والبحوث والدراسات المتوفرة في الأراشيف الاستعمارية الإيطالية باختلافها. دراسة المؤلف الأكاديمية في إيطاليا، وإجادته اللغة الإيطالية أتاحتا له فرصة نادرة، اقتنصها بذكاء، وفي الوقت الملائم. لذلك؛ فهو يستحق الشكر على جهوده، وعلى ما قدمه للمكتبة التاريخية الليبية. والنسخة الإيطالية من الكتاب، سوف تصدر قريباً.
يقول المؤلف في مقدمته، إن الكتاب «يمثل بحثاً مبتكراً يتبنى المنظور الليبي في قراءة أحداث تلك الفترة الفاشية». ومحوره «البحث في طبيعة العلاقة الهرمية التي ربطت طرابلس بروما، أو بمعنى آخر إلى أي مدى كان عمل بالبو في ليبيا نابعاً من استراتيجيته الشخصية؟». ويؤكد المؤلف، أنه كان لدى بالبو «حبٌّ غير مشروط لإيطاليا، وفكرة أن ليبيا يمكن أن تصبح الرائد في المستعمرات الأفريقية».
في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1933 صدر قرار تعيين بالبو، ممهوراً بتوقيع الدوتشي. وحين وصل عبر البحر إلى طرابلس برفقة زوجته قادماً من روما، في يوم 15 يناير (كانون الثاني) 1934، كان الفاشيون قد انتهوا عام 1932 من فرض سيطرتهم على كل البلاد، بالقضاء على آخر جيوب المقاومة الليبية في الجبل الأخضر، بعد اعتقالهم وشنقهم قائدها شيخ المجاهدين عمر المختار، وفرار رفاقه المتبقين عبر الحدود إلى مصر. وهو لذلك السبب عُدَّ محظوظاً لأن استتباب الهدوء مهّد له الطريق لتحقيق مشاريعه. وخلال فترة زمنية قصيرة نسبياً تمكن من توحيد ليبيا، من خلال تعبيد الطريق الساحلية التي ربطت غرب البلاد وشرقها للمرّة الأولى.
الكتاب يلقي أضواءً كثيرة على شخصية إيتالو بالبو وارتباك علاقته بـ«الدوتشي». على سبيل المثال، عدم رضاه على تحالف «الدوتشي» مع هتلر، بسبب النزعة العرقية النازية المقرفة. وتذكيره للدوتشي في اجتماع ضمهما مع آخرين، بالإرث الروماني في التعامل مع القوميات كافة من دون تمييز. كما يتناول مختلف آراء المؤرخين الإيطاليين فيما يتعلق بالدوافع وراء سعيه إلى تنفيذ مشاريع كثيرة، طالت ثمارها سكان المستعمرة من الليبيين، مثل مشاريع القرى والمزارع النموذجية، في الغرب والشرق، وإن كانت بنسبة أقل بكثير مقارنة بما وفره للمستوطنين الإيطاليين، وغيرها من المشاريع، ومن ضمنها السعي لنشر التعليم بين السكان المحليين، والتوسع في الخدمات الصحية حتى وصلت إلى أبعد المناطق، وساعدت في توفير العلاج والوقاية للسكان المحليين من الكثير من الأمراض المنتشرة وقتذاك.
البعض من المؤرخين ألقى بثقله في كِفة الفرضية التي تؤكد أن دافع بالبو من وراء تلك المشاريع كان دعائياً. ومؤلف الكتاب ينحاز أيضاً إلى هذه الفرضية، ويؤكدها. وفي المقابل، فإن الدافع الدعائي كان بهدف تحويل المستعمرة الفاشية على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط إلى «كان» شمال أفريقية. وبغرض استقطاب السياح الغربيين، وجعل السياحة مصدر دخل للمستعمرة. بالبو، أيضاً، بهدف خلق بيئة سلمية تساعد على استيطان الإيطاليين، طرد الجنرال غراتسياني من البلاد كما طرد بيترو بادوليو الحاكم السابق لارتباطهما بعمليات سحق المقاومة في الشرق الليبي، وما سببته من آلام ومعاناة للسكان، خاصة منها الجرائم ذات الصلة بمعسكرات الاعتقال الجماعي في منطقتي البريقة والعقيلة.
الكتاب، في رأيي، شديد الأهمية، وجديرٌ بالقراءة. والفضل في ذلك لما بذله مؤلفه من جهود في البحث مما حوته الأرشيفات الإيطالية المختلفة لتلك الفترة من وثائق نفض عنها الغبار وأبرزها، وحرصه على تتبع وتوثيق ما كتبه المؤرخون الإيطاليون وما قدموه من تحليلات متباينة. وأفلح المؤلف في وضع صورة مفصّلة عن تلك الشخصية الاستعمارية المتميزة.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.