الرواية المغربية.. حضور نوعي في «البوكر»

دخلت اللوائح الطويلة والقصيرة منذ تأسيس الجائزة العالمية للرواية العربية

بعض الروايات المغربية التي وجدت طريقها إلى لوائح «البوكر»
بعض الروايات المغربية التي وجدت طريقها إلى لوائح «البوكر»
TT

الرواية المغربية.. حضور نوعي في «البوكر»

بعض الروايات المغربية التي وجدت طريقها إلى لوائح «البوكر»
بعض الروايات المغربية التي وجدت طريقها إلى لوائح «البوكر»

توقف عدد من المتتبعين للشأن الإبداعي، مغربيا وعربيا، عند دلالات الحضور المتزايد للروائيين المغاربة في سباق الفوز بعدد من الجوائز، خارج البلد، متوقفين، بشكل خاص، عند اللوائح الطويلة والقصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، سواء تعلق الأمر بالسنوات القليلة الماضية، أو خلال دورة هذه السنة التي انحصر الصراع للفوز بها بين 6 روايات من 6 دول عربية بينها رواية «ممر الصفصاف» للروائي المغربي أحمد المديني.
ورغم أن الحضور المغربي في «البوكر» قد سجل منذ تأسيسها حتى الآن تفاوتا من دورة إلى أخرى، فإن عدد العناوين التي ضمتها اللائحتان، سواء الطويلة أو القصيرة، في السنتين الأخيرتين، يؤكد القيمة المتزايدة والحضور النوعي للرواية المغربية مقارنة بباقي البلدان العربية.
وكانت دورة 2011 قد عرفت اختيار عملين مغربيين هما «القوس والفراشة» لمحمد الأشعري و«معذبتي» لبنسالم حميش في اللائحة الطويلة ليمُرّا معا إلى اللائحة القصيرة، قبل أن تُتوّج رواية الأشعري بجائزة «البوكر» لتلك السنة، مناصفة مع «طوق الحمام» للروائية السعودية رجاء عالم.
وحضرت الرواية المغربية في دورة 2014 بثلاث روايات ضمن اللائحة الطويلة: «موسم صيد الزنجور» لإسماعيل غزالي، و«طائر أزرق نادر يحلق معي» ليوسف فاضل، فضلا عن «تغريبة العبدي» لعبد الرحيم لحبيبي، وهي الرواية التي دخلت الصراع النهائي ضمن اللائحة القصيرة.
ولا يمكن لاختيار رواية المديني للحضور في الصراع النهائي للفوز بـ«البوكر»، خلال دورة 2015، بعد أن ضمت اللائحة الطويلة رواية مغربية ثانية، هي «بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات» لمحمد برادة، إلا أن يدلل على ما حققته الرواية المغربية من تطور ملحوظ في الآونة الأخيرة، توج بحضورها في اللوائح الطويلة والقصيرة لـ«البوكر» العربية.
ويرى عدد من المتتبعين للشأن الروائي المغربي أن حصيلة المشاركة المغربية في السنوات الأخيرة في جائزة «البوكر» تبقى «مشرفة»، وأنها «اعتراف بما وصل إليه الإبداع المغربي في مجال الرواية».
وقال الباحث والناقد المغربي إدريس خضراوي، لـ«الشرق الأوسط» جوابا عن سؤال إن كان تتويج كاتب روائي في بلد عربي ما بجائزة «البوكر»، ووصول روائيين آخرين إلى اللائحة القصيرة لهذه الجائزة، يعني أن الرواية في هذه البلدان المعنية ترتاد في المرحلة الراهنة أفقا جديدا على صعيد الكتابة واقتراحاتها الجمالية، وكذلك الفكر الذي تنتجه هذه الرواية: «من اللافت للنظر أن الجوائز الأدبية لها تأثيرها الذي لا يمكن نكرانه على مستوى تقدير الكتابة، وتداوليتها والدفع بها إلى دائرة ضوء الاهتمام العربي، وكذلك العالمي عبر الترجمة إلى عدة لغات عالمية. غير أن هذه الجوائز لا تمثل، دائما، مقياسا دقيقا للحكم على وضعية الكتابة ورسوخها في حقل ثقافي معين. لذلك يصعب أن نتبيّن، فقط، انطلاقا من هذا التقدير علامات تدل على صورة معينة لوضعية الرواية ومكانتها في السياق العربي والعالمي. فمما لا شك فيه أن للمؤسسات الراعية للجوائز، وكذلك للجان القراءة مقاييسها واعتباراتها التي تتحكم في تقديرها لنص من النصوص، مما يعني أن ما يجري تقديره أو تتويجه بالجائزة قد لا يشكل بالضرورة أهم وأنضج ما أنتج في مجال الرواية في ثقافة بعينها من حيث الاقتراحات الجمالية والفنية. وهذا لا يعني تقليلا من أهمية النصوص المتوجة أو المحتمل تتويجها. لذلك تتباين الآراء والتقييمات والتصورات بين القراء والمهتمين عندما يتم الإعلان عن قوائم هذه الجوائز وصولا إلى النتائج النهائية».
وبخصوص راهن الرواية المغربية، يعتقد خضراوي «اننا عندما نستحضر، بعيدا عن هذا المعطى، النصوص التي تؤثث مشهدها الحيوي بتعدد لغاتها وتنوع سؤال الكتابة فيها، فإننا لا نغالي عندما نعتبر أن الرواية أصبحت في قلب المشهد الثقافي المغربي، وهي تنهض بأحد أدوار المثقف المهمة من خلال اشتغالها على الأسئلة العميقة التي تمثل هاجسا بالنسبة للفرد والمجتمع. وهذا الإنجاز الذي يتحقق هو بفضل إصرار كتاب وكاتبات على مواصلة الكتابة أو المغامرة بارتياد أفقها، والاشتغال على المتخيل الذي يتخلق من رحم اللحظة الراهنة وما يرتبط بها من إشكالات، وينطبق هذا حتى على النصوص التي يتفاعل كتابها مع التاريخ وأحداث الماضي فيتقاطع في نص واحد نمطان من الخطاب: تاريخي وروائي، هذا كله يفسّر التقدير والاعتراف اللذين حظيت بهما كثير من نماذجها، الأمر الذي يعني أن الرواية التي عانت خلال نشأتها من وجودها في الهامش، كما أبرزت ذلك التحليلات اللماحة لميخائيل باختين، أضحت اليوم في صدارة الخطابات المعرفية الأخرى، بوصفها صيغة لفهم الحياة».
ويؤكد خضراوي على «وجود تراكم في حقل الرواية المغربية، ليس فقط على المستوى الكمي، وإنما كذلك على مستوى جماليات الكتابة وتقنياتها ووعيها الحاد باللغة والتخييل، وكذلك وجود مواهب إبداعية متميزة في حقلها ترسّخ صورة للرواية بوصفها ذاكرة للمجتمع، وملجأ لممارسة الحرية التي هي نقيض للضرورة والاستبداد واحتكار الحقيقة. وهذا التراكم لا يقتصر على ما يقدمه الكتاب الرّاسخون، بل يعود الفضل فيه كذلك إلى المبدعين الجدد من الشباب الذين يستكشفون من خلال الكتابة وتقنياتها وأساليبها المختلفة أسئلة أخرى، ومساحات للقول لا تقل جذرية وعمقا عن تلك التي شخصتها نصوص الجيل السّابق».
يشار إلى أن الرواية المغربية مرت بثلاث مراحل أساسية تغطي كل واحدة منها فترة معينة من تاريخها. وهذه المراحل، كما يكتب الباحث المغربي عبد العالي بوطيب، في مؤلفه «الرواية المغربية ورهاناتها»، هي: أولا المرحلة التأسيسية، التي تمتد زمنيا من تاريخ صدور أول عمل روائي إلى منتصف الستينات، وبالضبط إلى سنة 1967، تاريخ صدور رواية «جيل الظمأ» لمحمد عزيز الحبابي. ويرجع سبب تسمية هذه المرحلة بالتأسيسية، حسب بوطيب «إلى أن مجمل الأعمال المنضوية تحتها، وعددها تقريبا نحو 28 عملا، يطغى عليها هاجس إرساء قواعد ممارسة روائية مغربية، تسد خصائص الموروث الثقافي العربي في هذا المجال، وتحاول محو آثاره المعرفية السلبية. على أنه إذا كان هناك شبه إجماع حول تاريخ نهاية هذه المرحلة، فإن بدايتها ظلت، مع ذلك، محط خلاف قوي بين الباحثين إلى اليوم. فمنهم من أرجعها لسنة 1957، تاريخ صدور «في الطفولة» لعبد المجيد بنجلون، ومنهم من ذهب لما هو أبعد وربطها بتاريخ صدور «الزاوية» للتهامي الوزاني سنة 1942، أو «الرحلة المراكشية» لابن المؤقت المراكشي سنة 1924.
وتشكل المرحلة الواقعية ثانية محطات الرواية المغربية، وتمتد زمنيا من نهاية المرحلة السابقة إلى منتصف السبعينات، تقريبا، انعكس على الكتابة الروائية المغربية، خلالها، حصول المغرب على الاستقلال (1956) والآثار السلبية الفادحة للنكسة (1967)؛ لذلك وجدت الرواية ضالتها المنشودة في الواقعية، باعتبارها الاتجاه الإبداعي الملائم الكفيل بتحقيق الرهانات التاريخية المطروحة، وهو ما عكسته أعمال كل من محمد زفزاف، وعبد الكريم غلاب، و مبارك ربيع، ومحمد شكري.
وتبقى مرحلة التجريب، ثالثة محطات الرواية المغربية، وتتميز على الصعيد السياسي بالعديد من الأحداث المهمة، الداخلية منها والخارجية، التي كان لها الوقع الكبير في تغيير مسار الأدب والفكر المغربيين، بعيدا عما كانا عليه في السابق. وفي ظل هذه الشروط السوسيوثقافية، وغيرها، ظهرت على السطح، حسب بوطيب، تصورات أدبية جديدة تدعو، من بين ما تدعو إليه، إلى تحديث الكتابة الروائية العربية، عن طريق تجاوز القوالب التعبيرية، القديمة المتهالكة، واستبدالها بأساليب جديدة أخرى، أكثر ملاءمة للوضع الثقافي الراهن.



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟