طهران تتهم الغرب بـ«التلاعب بالتوقيت» و«مسرحية» مبادرات في فيينا

«الخارجية» الإيرانية لا ترى طريقاً مسدوداً... وبوريل يتحدث عن «اتفاق وشيك»

وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)
TT

طهران تتهم الغرب بـ«التلاعب بالتوقيت» و«مسرحية» مبادرات في فيينا

وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيراني ونظيره الآيرلندي خلال مؤتمر صحافي في طهران أمس (إ.ب.أ)

اتهم وزير الخارجية الإيراني، أمير حسين عبد اللهيان، الدول الغربية بـ«التلاعب بالتوقيت والنص» في مفاوضات فيينا الرامية لإنعاش الاتفاق النووي، موضحاً أن الوصول إلى «اتفاق جيد» في متناول اليد، فيما اتهم الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الأطراف الغربية بـ«التهرب من الالتزام» عبر «مسرحية تقديم المبادرة». وأبدى عبد اللهيان شكوكاً في «حسن النوايا» الأميركية، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية والدفاع الآيرلندي سيمون كوفيني. ونقلت «رويترز» عن عبد اللهيان قوله إن «طهران في عجلة من أمرها للوصول إلى اتفاق في فيينا، لكن يجب أن يحدث ذلك في إطار مصلحتنا الوطنية».
بدورها؛ نقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن عبد اللهيان قوله: «نحن نعتقد أن بلوغ اتفاق جيد في مفاوضات فيينا في متناول اليد. الأفكار والمبادرات البناءة والإيجابية من إيران تعبّد الطريق للوصول إلى اتفاق كهذا»، معرباً عن اعتقاده بأن الوصول إلى اتفاق وإلغاء العقوبات «هذا اليوم أفضل من الغد»، وأضاف: «على الغرب أن يترك لعبة النص والتوقيت، وبدلاً من السلوك القائم على الصدمة والتلاعب بالوقت والنص، عليه أن يظهر نيته الواقعية للعودة إلى التزاماته في إطار الاتفاق النووي وأن يتحرك في هذا المسار».
وقال عبد اللهيان: «تهديد وتحذير الأطراف الأخرى لا يحدد نقطة النهاية لمفاوضات فيينا؛ بل واقع طاولة المفاوضات واهتمام الأطراف الأخرى بالعودة إلى التزاماتهم سيحددان توقيت نهاية المفاوضات والتوصل لاتفاق».
من جهته، أكد كوفيني على أن الأطراف الغربية المشاركة في مفاوضات فيينا «جادة وملتزمة». وأضاف أن الغربيين «مصممون على العمل من أجل أن ينجح الأمر».
وتابع كوفيني؛ الذي تسهل بلاده تطبيق القرار «2231» الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي صادق على اتفاق 2015: «ما كنت لأوجد هنا لو لم أكن أعتقد بوجود فرصة». وأكد أن «آيرلندا تريد المساهمة في هذه العملية بكل الطرق الممكنة للمساعدة في تقدم» المفاوضات.
كما كانت مفاوضات فيينا حاضرة في اللقاء الذي جمع كوفيني والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قال لضيفه الآيرلندي: «ما تؤكد عليه طهران في مفاوضات فيينا، رفع العقوبات بصورة واقعية واحترام حقوق الشعب الإيراني»، ودعا دبلن إلى تعزيز العلاقات مع طهران، معلنا «ترحيب» طهران بما وصفه بـ«استقلال آيرلندا مقابل أميركا وبعض الدول الأوروبية».
وفي وقت لاحق من مساء أمس، أجرى عبداللهيان اتصالاً هاتفياً مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لمناقشة آخر تطورات المفاوضات، واعتبرا «مسار المفاوضات إيجابياً في مجمله»، إلا أن وكالة «أرنا» الرسمية نقلت عن عبداللهيان قوله إن «بعض التسرع واللعبة التكرارية بالنص وفقدان الإدارة الجدية للطرف الغربي تسببت بإطالة المفاوضات».
وقال عبداللهيان: «لن نتنازل إطلاقاً عن خطوطنا الحمراء القائمة على المنطق والواقعية».
ونسبت الوكالة الإيرانية إلى بوريل قوله إن «المفاوضات بلغت مرحلة حساسة، وعلى جميع الأطراف أن تبدي مرونة وأن تأخذ في الاعتبار أن قيودها ومواقفها يجب ان تساعد في تقدم المفاوضات».
بدوره، كتب بوريل في تغريدة على تويتر: «بصفتي منسق خطة العمل الشاملة المشتركة، اعتقد بقوة أن هناك اتفاقاً وشيكاً». وأضاف: «لقد حان الوقت لبذل الجهد النهائي والتوصل إلى حل وسط».
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تحدث إلى نظيره الإيراني عبد اللهيان أمس، وأشارت إلى «تحرك ملموس إلى الأمام» في إحياء الاتفاق النووي.
وذلك على خلاف ما قاله لافروف، الخميس الماضي، من أن الطريق ما زالت طويلة قبل أن يتم إحياء اتفاق 2015 الذي يفرض قيوداً على التقدم النووي الإيراني.
في فيينا، قال ميخائيل أوليانوف، المبعوث الروسي للمحادثات في فيينا، على «تويتر» قبل ساعات: «جرى إحراز تقدم كبير في مسار المفاوضات».
واستؤنفت المحادثات بين إيران ومجموعة «4+1 (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا)»، بشكل مباشر ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر الأسبوع الماضي بعد توقف 10 أيام. وقال مندوبون إن المحادثات أحرزت تقدماً محدوداً منذ استئنافها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد توقف 5 أشهر. وتهدف المفاوضات إلى تطبيق «عودة متبادلة» من جانب واشنطن وطهران إلى الاتفاق الذي يقدم تخفيفاً للعقوبات عن إيران مقابل قيود على برنامجها النووي.
- تضارب في طهران
قبل عبد اللهيان بساعات، كتب الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، على «تويتر»، أن المفاوضات في فيينا «بلغت مرحلة يمكن فيها التعليق على النتيجة بشكل قاطع دون الحاجة إلى التكهنات». وأضاف: «انتهاء التكهنات يعتمد على القرار السياسي الأميركي بقبول أو رفض الشروط الحتمية لاتفاق موثوق به ودائم يستند إلى المبادئ التي جرت الموافقة عليها» في اتفاق 2015.
وفي تغريدة نشرها شمخاني مساء الأحد بعد مكالمة هاتفية مع كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، قال شمخاني: «رسخت المحادثة الهاتفية فرضيتين في ذهني؛ أولاً أن عمل المفاوضين يزداد صعوبة في كل لحظة... الاستمرار في مسرحية مبادرة الأطراف الغربية للتهرب من الالتزامات».
وعلى نقيض شمخاني، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، الصعوبات بـ«الأمر الطبيعي»، لكنه رفض التعليق على ما قاله شمخاني في تغريداته. وقال رداً على الصحافيين: «اسمحوا أن يوضح تغريداته ويبين رأيه»، قبل قوله: «أجريت اتصالاً بالسيد باقري... مثلما قلت سابقاً إن المفاوضات بلغت نقطة فيها صعوبات. القضايا مهمة وأساسية وتجري متابعتها بحساسية من جميع الأطراف. لقد قدمت إيران مقترحات، وحصلت في المقابل على مقترحات غربية. هذا أمر طبيعي في المفاوضات».
وقال خطيب زاده في مؤتمر صحافي إن محادثات فيينا لم تصل إلى طريق مسدودة، ونوه بأن «المفاوضات جارية كما في السابق، ويجري تبادل الآراء بين المندوبين». وأضاف: «ما يحدث الآن في المحادثات هو استكمال النقاط المهمة والحرجة. بُعدنا من التوصل إلى اتفاق يعتمد على إرادة الجانب الغربي».
غير أن خطيب زاده قال إن «المفاوضات معقدة وصعبة؛ لأنها تطال مسائل تتطلب قرارات سياسية جدية، خصوصاً من جانب واشنطن». وتابع أن طهران اتخذت بالفعل قرارها السياسي بالبقاء في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بعدما انسحبت منه واشنطن في 2018. وصرح خطيب زاده: «إذا استجابت الولايات المتحدة وأوروبا لإيران اليوم - في إطار الاتفاق النووي - فيمكننا أن نعلن غداً في فيينا أننا توصلنا لاتفاق».
وقال خطيب زاده: «نسعى إلى الحصول على ضمانات حقيقية من واشنطن للتأكد من عدم انسحابها من الاتفاق مرة أخرى وأن تحترم تعهداتها»، متحدثاً عن «ضرورة أن تُرفع جميع العقوبات مرة واحدة عن إيران في إطار الاتفاق النووي» وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال مسؤول إيراني كبير لوكالة «رويترز» إن «نحو 30 في المائة من القضايا الصعبة ما زالت تنتظر الحل، لكن من الممكن التوصل لاتفاق بحلول أوائل مارس(آذار)» المقبل. ونقلت الوكالة عن دبلوماسي غربي قوله: «من الممكن التوصل لاتفاق في أوائل مارس المقبل إذا سارت الأمور على ما يرام».
وبعد 8 جولات من المحادثات، تبقى نقاط الخلاف الرئيسية متمثلة في مطالبة إيران بضمان أميركي بعدم فرض مزيد من العقوبات أو أي خطوات عقابية أخرى في المستقبل، وطريقة وتوقيت إعادة القيود بصورة يمكن التحقق منها على النشاط النووي الإيراني. وقال مسؤول إيراني ثان إن طهران تصر أيضاً على تمكينها من غلق وتخزين أجهزة الطرد المركزي المتطورة داخل إيران، بدلاً من تفكيكها وإرسالها إلى الخارج، وهو ما تطالب به القوى الغربية. وتريد أيضاً رفع نحو 300 عقوبة إضافية عن كيانات وأفراد إيرانيين لا صلة لهم بالاتفاق النووي، بحسب «رويترز».
وأعربت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن استعدادها لرفع القيود التي تتعارض مع اتفاق 2015 إذا استأنفت إيران الامتثال للاتفاقية، مما يعني ضمناً أن واشنطن ستبقي على العقوبات المرتبطة بالإرهاب أو بحقوق الإنسان. ويقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن لا يمكنها أن تضمن عدم تراجع أي حكومة أميركية عن «الاتفاقية» بشكل مطلق؛ ذلك لأنها مصنفة على أنها «تفاهم سياسي غير ملزم»، وليست «معاهدة» ملزمة قانوناً.
- تبادل السجناء
من ناحية أخرى، قال خطيب زاده إن اتفاقاً لمبادلة السجناء مع الولايات المتحدة مطروح على جدول الأعمال بالتوازي مع المحادثات النووية في فيينا منذ أشهر. وأضاف: «لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تتخذ قراراً بشأن هذه القضية. ربما تنتظر نتائج المحادثات». وادعى خطيب زاده أن الجانبين توصلا إلى اتفاق سابق لتبادل السجناء، «لكن من المؤسف؛ تراجع عنه الجانب الأميركي في ليلة تنفيذ الاتفاق، وأظهر مرة أخرى مدى تساهل واشنطن في الاتفاقيات»، وقال: «موضوع السجناء قضية إنسانية يمكن حلها بشكل مباشر ويمكن أن تكون أرضية مناسبة لكي تظهر تغيير سلوك أميركا».
والشهر الماضي، استبعدت إيران الإذعان لأي شروط أميركية مسبقة لإحياء الاتفاق النووي؛ بما في ذلك إطلاق سراح سجناء أميركيين. وقال خطيب زاده حينها إن طهران وواشنطن يمكنهما الوصول إلى «اتفاق دائم على المسارين المنفصلين (محادثات فيينا وتبادل الأسرى) إذا توافرت الإرادة لدى الطرف الآخر». جاء ذلك بعدما قال كبير المفاوضين الأميركيين في المحادثات إنه من غير المرجح أن تتوصل واشنطن إلى اتفاق مع طهران ما لم تفرج عن 4 «رهائن» أميركيين. وفي تراجع عن هذا الشرط، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن المفاوضات وقضية الرهائن «مساران مختلفان».
واعتقلت إيران في السنوات الأخيرة العشرات من مزدوجي الجنسية؛ منهم عدد من الأميركيين، في اتهامات أغلبها بالتجسس، وتتهم واشنطن باحتجاز مواطنين إيرانيين لانتهاكهم العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليها.
ويتهم نشطاء في الدفاع عن حقوق الإنسان إيران بمحاولة استغلال الاعتقالات لكسب تنازلات من دول أخرى. وتنفي إيران ذلك.



تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
TT

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله»، وتوسيع حلقة المعارك إلى حرب شاملة حتى مع إيران. وتشير كل الدلائل إلى أنها لا تتورع عن الدخول في صدام مع الإدارة الأميركية، ووضعها أمام أحد خيارين: إما أن تنضم إليها في الهجوم على إيران، وإما تنجرّ وراءها وتُضطر اضطراراً لخوض هذه الحرب.

فمع أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل أنها غير معنيّة بحرب مع إيران، لا منفردة ولا مشتركة، فإن الإنجازات الهائلة التي حققتها إسرائيل عسكرياً واستخباراتياً ضد «حزب الله» (اغتيال معظم قيادات الحزب، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتفجير أجهزة الاتصال والتواصل في وجوه وأجساد أكثر من 4 آلاف عنصر وتدمير الضاحية الجنوبية)، وضد إيران (تصفية عدد من القيادات في لبنان واغتيال إسماعيل هنية)؛ أدخلت القيادات في تل أبيب في حالة من «نشوة النصر» التي تتحول إلى «سكرة نصر».

لوحة دعائية على طريق سريع في طهران تظهر الجنرال قاسم سليماني يقبل جبين أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في طهران (أ.ب)

ففي اليومين الأخيرين، حصل انعطاف مريب في الموقف الإسرائيلي تجاه الضربات الإيرانية. فكما هو معروف، أطلقت إيران 181 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، وتمكنت المضادات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية من تدمير أكثر من 85 في المائة منها قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية. لكن 15 في المائة منها دخلت هذه الأجواء، بعضها سقط في مناطق مفتوحة وبعضها سقط في مواقع حساسة مثل 3 قواعد لسلاح الجو وبعض المصانع العسكرية. وأحدثت أضراراً في المباني والشوارع، ولكنها لم تُصِب مدنيين أو عسكريين. والوحيد الذي قتل فيها هو شاب فلسطيني من قطاع غزة يشتغل بورشة في أريحا.

وقد عدّت القيادة الإسرائيلية هذه الضربات خطيرة؛ لأنها تنطوي على القصف المباشر من إيران لإسرائيل. وفي البداية قررت الرد عليها، بتوجيه ضربة مؤلمة لموقع استراتيجي. لكنّها الآن تغيّر رأيها وتنوي توجيه عدة ضربات قاصمة في عدة مواقع استراتيجية. ووفقاً للتسريبات، تنوي توجيه ضربة شديدة للمشروع النووي الإيراني، وتقول إن هذه «فرصة تاريخية» لن تأتي أفضل منها. فإيران متلبكة إزاء ما يحدث لـ«حزب الله» وللقادة الميدانيين الإيرانيين الذين يديرون المعارك إلى جانبه في لبنان.

وهناك إشاعات عن فوضى عارمة في القيادة الإيرانية وخلافات بين التيارات والقادة، وعن اتهامات مسؤولين كبار بالتخابر مع العدو الإسرائيلي أو خدمة هذا العدو من دون قصد. وهذا هو الوقت لضربهم، قبل أن يتمكنوا من ترتيب أوراقهم والخروج من الأزمة.

صور الأقمار الاصطناعية تظهر أضراراً في قاعدة «نيفاتيم» الجوية بجنوب إسرائيل قبل وبعد الهجوم الصاروخي الإيراني (أ.ف.ب)

إلا أن إسرائيل ليست قادرة وحدها على توجيه ضربات كهذه. وهي بحاجة لا استغناء عنها لشراكة أميركية فاعلة. فالمنشآت الإيرانية النووية موزّعة على عدة مواقع وقائمة في قلب جبال، ولا مجال لضربها إلا بصواريخ أميركية تنطلق من طائرات وغواصات معدّة لهذا الغرض. هذه ليست متوفرة لإسرائيل. والولايات المتحدة تتحدث علناً عن معارضتها لهذه الشراكة. وتشعر بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يريد تحقيق حلمه القديم (منذ سنة 2010) لجرّ قدم الولايات المتحدة إلى هذه الحرب وهي ترفض. لكن نتنياهو لا ييأس، ويعمل كل ما في وسعه لإقحامها، بإرادتها أو رغماً عنها. فإذا ضربت المنشآت، وقامت طهران بتنفيذ تهديداتها وردت بمزيد من الصواريخ على إسرائيل، فإن أميركا ستتدخل.

وكما يقول البروفيسور أيال زيسر، أحد أهم مرجعيات اليمين الآيديولوجي: «الولايات المتحدة هي صديقة حقيقية لإسرائيل، أثبتت التزامها بأمننا في كل ساعة اختبار وضائقة شهدناها على مدى العقود الأخيرة».

وأوضح زيسر أن الموقف الأميركي بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يشبه «القطار الجوي» الذي أطلقه الأميركيون في حرب «يوم الغفران» في أكتوبر 1973. وقال إن بين الأصدقاء الحقيقيين، أيضاً تظهر أحياناً خلافات. ورأى أن «من الواجب على إسرائيل أن تصر على موقفها»، وقال: «في الماضي أيضاً عارض الأميركيون تدمير المفاعل العراقي في 1981، بل وفرضوا علينا عقوبات بسبب هذا الفعل، ولكنهم بعد حين، تراجعوا واعترفوا لنا، حين وجدوا أنفسهم في حرب مع حاكم العراق. هكذا أيضاً في كل ما يتعلق بتدمير المفاعل النووي السوري في 2007، الخطوة التي تحفّظ عليها الأميركيون، وفقط بعد أن نشبت الحرب الأهلية في سوريا، اعترفوا بالخطأ الذي ارتكبوه».

ولفت زيسر إلى أن «التوقعات والمشورات الأميركية يجب أن نأخذها بشكل محدود الضمان. من الواجب العمل وفقاً لتفكيرنا وحكمنا، حتى وإن لم يكن الأمر يرضيهم. في نهاية الأمر، سيعترفون بالخطأ وسيفهمون المنطق والحق الذي في خطوات إسرائيل، وسيتجندون لدعمها».

لكن هناك آراء مخالفة في تل أبيب، تحذّر من المغامرة وتقول إن من يجد في ضرب إيران فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها، قد يورّط إسرائيل في حرب شاملة تدفع خلالها ثمناً باهظاً، ليس فقط من ناحية الخسائر البشرية والمادية، بل أيضاً استراتيجياً. وربما تؤدي هذه المغامرة إلى إضاعة فرصة تاريخية لمشروع السلام في المنطقة. وتدعو هذه القوى القيادة الإسرائيلية إلى أن تحسن الاستفادة من مكاسبها في لبنان، ولا تلجأ إلى المغامرات والمقامرات الحربية.