هل نالت جائحة «كورونا» من جهود مكافحة «حمى لاسا»؟

بعد وصول مرض عمره ألف عام إلى بريطانيا

الفيروس ينتقل عن طريق ملامسة الإنسان للأغذية أو الأدوات المنزلية الملوثة ببول الفئران المصابة أو برازها (رويترز)
الفيروس ينتقل عن طريق ملامسة الإنسان للأغذية أو الأدوات المنزلية الملوثة ببول الفئران المصابة أو برازها (رويترز)
TT

هل نالت جائحة «كورونا» من جهود مكافحة «حمى لاسا»؟

الفيروس ينتقل عن طريق ملامسة الإنسان للأغذية أو الأدوات المنزلية الملوثة ببول الفئران المصابة أو برازها (رويترز)
الفيروس ينتقل عن طريق ملامسة الإنسان للأغذية أو الأدوات المنزلية الملوثة ببول الفئران المصابة أو برازها (رويترز)

تعود الكثيرون مؤخراً على ربط كلمة فيروس في وكالات الأنباء بـ«كورونا»، لكن قبل أيام ظهر فيروس آخر بدا كأنه جديد، وهو «لاسا»، رغم آلاف الإصابات السنوية به.
يصيب «لاسا» بشكل رئيسي الناس في أجزاء من غرب أفريقيا، لكن تسجيل 3 حالات إصابات في بريطانيا يوم الخميس الماضي، ووفاة أحد المرضى في مستشفى بيدفوردشير في إنجلترا، أعادا الاهتمام به.
منذ ظهور «كورونا» المسبب لجائحة «كوفيد - 19»، توجس خبراء الأوبئة من إرباك الجائحة الجديدة لجهود مكافحة «لاسا»، في غرب أفريقيا، موطن الفيروس، وجاء تسجيل 3 حالات في بريطانيا، وجميعهم كانوا عائدين من دول في غرب أفريقيا، ليؤكد أن هذه التوجسات كانت منطقية.
وأثير هذا التوجس في دراسة نشرتها مجلة «علم الفيروسات الطبية»، في يوليو (تموز) الماضي لفريق بحثي دولي يضم باحثين من أميركا وبريطانيا وتركيا والفلبين وباكستان والسودان وكينيا ورواندا، وثقوا في الدراسة انخفاض حالات الإبلاغ عن حمى «لاسا»، بالتزامن مع ظهور «كوفيد - 19»، ولم يكن ذلك في رأيهم بسبب انخفاض أعداد الإصابة بـ«لاسا»، بل كان هناك أكثر من تفسير، منها التردد في زيارة العيادات، بما يؤدي لعدم اكتشاف الإصابات، خشية الإصابة بـ«كوفيد - 19 »، وكذلك لأن ظهور الوباء الجديد وجّه الموارد بعيداً عن الأمراض المعدية الأخرى، بما في ذلك حمى «لاسا»، كما أن «كوفيد - 19» أدى إلى زيادة العبء الملقى على عاتق الأنظمة الصحية في العالم.
وبينما كانت هناك جهود تبذل في اتجاه إنتاج لقاح لفيروس لاسا، وخصص المجتمع الدولي الأموال لتطوير اللقاح، جاءت جائحة «كوفيد - 19» لتعطل هذه الجهود، كما أكد الباحثون في دراستهم، وقالوا إن كل هذه الأسباب ستساهم في تفشي «لاسا» بشكل صامت في غرب أفريقيا.
يقول الدكتور محمد سمير، أستاذ الأمراض المشتركة في جامعة الزقازيق المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: «قد يساعد الإعلان الأخير عن تسجيل إصابات بفيروس لاسا في بريطانيا على إعادة الاهتمام مجدداً بجهود مكافحته».
وسبق أن أصدرت منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع اليونيسيف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بياناً مشتركاً أبدياً فيه قلقهما من خطر عودة أوبئة مثل الحصبة وشلل الأطفال، بسبب تعطيل وباء «كورونا» لحملات التلقيح في جميع أنحاء العالم.
ويضيف سمير: «صحيح أن (كوفيد - 19) يظل أكثر خطورة بسبب سرعة انتشاره، لكن الفيروسات الأخرى، ومنها لاسا، سيؤدي التراخي في مواجهتها إلى تزايد أعداد الإصابات بها».
وهناك نحو 300 ألف حالة إصابة سنوية بهذا الفيروس ونحو 5 آلاف حالة وفاة، أغلبها في غرب أفريقيا وفق تقارير منظمة الصحة العالمية.
واكتشف الفيروس رسمياً عام 1969 بمدينة «لاسا» النيجيرية، والتي أخذ منها اسمه، غير أن دراسة نشرتها دورية «سيل» في أغسطس (آب) 2015، لباحثين من معهد سكريبس للأبحاث في أميركا، أرجعت أصول هذا الفيروس لفترة أقدم من ذلك، تم تقديرها بألف عام.
وخلال الدراسة التي شارك فيها فريق بحثي دولي من الولايات المتحدة ودول غرب أفريقيا، بقيادة باحثي معهد سكريبس، استخدم الباحثون تقنية تسمى «تسلسل الجيل التالي»، لتحليل جينومات عينات فيروس لاسا المأخوذة من الجرذ متعدد الثدييات، أو ما يعرف بـ«الجرذ الأفريقي المشترك»، المضيف الطبيعي للفيروس، والمرضى من البشر في نيجيريا وسيراليون.
وأظهرت البيانات الجينومية أن السلالات البعيدة من فيروس لاسا تشترك في سلف مشترك يمكن إرجاعه إلى أكثر من ألف عام إلى المنطقة التي تعرف اليوم باسم نيجيريا، وقد فاجأ هذا الباحثين، حيث تم وصف حمى لاسا لأول مرة في نيجيريا عام 1969، وهو ما يعني أن لهذا الفيروس جذوراً قديمة جداً.
ووجد الباحثون أن الفيروس انتشر مما يعرف الآن بنيجيريا منذ نحو 400 عام وانتقل على مدار المائتي عام الماضية إلى غينيا وليبيريا وسيراليون، وهو الجزء من العالم الذي شهد أكبر انتشار لفيروس إيبولا منذ عام 2013. ومع انتشار لاسا، تحور الفيروس ويبدو أنه يتكيف بشكل أفضل مع مضيفي الثدييات.
ووفق «الصحة العالمية»، يسبب هذا الفيروس، الذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات الرملية، نوعاً من الحمى، وينتشر إذا حدث تلامس مع بول الجرذان متعدد الثدييات، أو فضلاتها، أو تم أكل الفئران في بعض الدول، أو تنفس جزيئات صغيرة محمولة في الهواء مصابة ببراز الفئران.
ومن النادر أن يُعْدي المصابون بالفيروس الآخرين، لكن يظل ذلك احتمالاً قائماً، إذا دخلت دماؤهم أو سوائل أجسامهم إلى جسم شخص آخر من خلال أماكن مثل العينين أو الأنف أو الفم، ولا يمكنك الإصابة بالمرض من خلال الاتصال العرضي، مثل إمساك اليدين أو المعانقة أو الجلوس بالقرب منهم.
ولا يعتقد خبراء الأمراض المدارية، أن الأشخاص المصابين بالفيروس معديون قبل ظهور الأعراض عليهم، ويمكن أن ينتشر فيروس حمى لاسا أيضاً من خلال المعدات الطبية الملوثة، مثل الإبر المعاد استخدامها.
وتظهر أعراض «لاسا» عادة بعد أسبوع إلى ثلاثة أسابيع من الإصابة بالعدوى، ومعظم الناس يكون لديه أعراض خفيفة مثل حمى طفيفة، الشعور بالتعب، صداع الرأس، وفي نحو 20 في المائة من الحالات، يتسبب المرض في ظهور أعراض أكثر خطورة، مثل النزف وصعوبة التنفس، والقيء وتورم الوجه، وآلام الصدر والظهر والبطن.
والنساء الحوامل أكثر عرضة للإصابة بحمى لاسا الشديدة، ويمكن أن يؤدي المرض إلى الإجهاض، وينتهي الأمر بنحو ثلث المصابين ببعض الصمم باعتباره من مضاعفات المرض.
ويتعافى معظم المصابين بحمى لاسا تماماً رغم إمكان حدوث مرض شديد، ويصل معدل الوفيات إلى 1 في المائة، لكنه يزيد إلى 15 في المائة بين الحالات التي تدخل المستشفى، ويحدث الموت بسبب فشل بعض الأعضاء في غضون أسبوعين بعد بدء الأعراض.
وعادة ما يكتشف الأطباء المرض من خلال فحص الدم، وفي المرحلة المبكرة من المرض، يمكن أن تساعدهم مسحة الأنف أو الحلق أيضاً في إجراء التشخيص، ومن المحتمل أن يعطيك الأطباء للمرضى دواءً مضاداً للفيروسات يسمى «ريبافيرين»، ويعمل بشكل أفضل عند تناوله بعد فترة وجيزة من المرض.


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

الصراع بين المنطق والعاطفة... لماذا لا نستطيع مقاومة التسوق في «بلاك فرايداي»؟

«بلاك فرايداي» لديه طريقة فريدة لإثارة سلوكيات غير عقلانية (رويترز)
«بلاك فرايداي» لديه طريقة فريدة لإثارة سلوكيات غير عقلانية (رويترز)
TT

الصراع بين المنطق والعاطفة... لماذا لا نستطيع مقاومة التسوق في «بلاك فرايداي»؟

«بلاك فرايداي» لديه طريقة فريدة لإثارة سلوكيات غير عقلانية (رويترز)
«بلاك فرايداي» لديه طريقة فريدة لإثارة سلوكيات غير عقلانية (رويترز)

هل شعرت يوماً بصراع بين المنطق والعاطفة أثناء البحث عن تنزيلات للتبضع، خصوصاً فيما يعرف بـ«يوم الجمعة الأسود» (Black Friday)؟

وفق تقرير لموقع «سايكولوجي توداي»، فإن «بلاك فرايداي» لديه طريقة فريدة لإثارة سلوكيات تبدو غير عقلانية تماماً.

وأشار التقرير إلى أن هذه التفاعلات ليست عشوائية؛ فهي متجذرة بعمق في علم النفس البشري.

فلماذا إذن يمتلك هذا الحدث السنوي للتسوق القدرة على جعل ملايين الناس يتصرفون وكأن الحصول على أداة مخفضة السعر مسألة حياة أو موت؟

وتحدث التقرير عن أنه غالباً ما لا تكون عروض «بلاك فرايداي» أفضل الخصومات في العام. تستخدم العديد من الشركات التسعير الديناميكي القائم على الخوارزميات استناداً إلى بيانات المستهلكين؛ مما يعني أن بعض العناصر قد تكون أسعارها مماثلة - أو حتى أقل - خلال مبيعات أخرى طوال العام.

ومع ذلك، سنة بعد سنة، نصطف بفارغ الصبر خارج المتاجر عند الفجر، أو نعطل خوادم التجارة الإلكترونية بنقراتنا المحمومة. هذا لا يتعلق بالمنطق، بل يتعلق بالعاطفة. «بلاك فرايداي» ليس مجرد حدث تسوق، إنه ساحة معركة نفسية حيث تتولى غرائزنا زمام الأمور.

الإثارة والخوف من تفويت الفرصة

على سبيل المثال: أنت تتطلع إلى ساعة ذكية محدودة الإصدار، ولا يوجد سوى «ساعتين متبقيتين في المخزون». ينبض قلبك بسرعة، وتتعرق راحتا يديك، وتنقر فوق «اشترِ الآن» أسرع مما تتخيل.

يتم هندسة هذا المزيج الغامض من الإثارة والقلق بعناية من قبل المسوقين. تخلق إشارات الندرة - مثل تحذيرات انخفاض المخزون ومؤقتات العد التنازلي - إلحاحاً؛ مما يؤدي إلى إثارة خوفنا من تفويت الفرصة.

والخوف من تفويت الفرصة ليس مجرد اختصار جذاب، بل هو استجابة نفسية متجذرة في نفور الخسارة. وهو يصف كيف أن الألم الناتج عن فقدان الفرصة أقوى بكثير من فرحة الحصول على شيء ما. ولكن هناك المزيد من العوامل التي تلعب دوراً هنا؛ إذ يستغل يوم «بلاك فرايداي» أيضاً رغبتنا في الشعور بالنصر. فالحصول على صفقة يشبه الفوز بلعبة ــ وهو الشعور الذي يتضخم بفعل الأجواء الاحتفالية والحشود والديناميكيات التنافسية. فنحن لا نشتري المنتجات فحسب، بل «نتفوق» على الآخرين في الفوز بجائزة.

مبدأ الندرة

يفترض مبدأ الندرة أن الناس يعطون قيمة أكبر لأقل الفرص توفراً. وفي يوم «الجمعة السوداء»، يستغل تجار التجزئة هذا من خلال تقديم صفقات «محدودية الوقت» ومنتجات «حصرية». وعندما ندرك أن شيئاً ما نادر، تشتد رغبتنا في الحصول عليه. غالباً ما يؤدي هذا الاستعجال إلى اتخاذ قرارات شراء متهورة؛ إذ نخشى أن يؤدي التأخير إلى تفويت الفرصة بالكامل.

الدليل الاجتماعي

يشير مفهوم الدليل الاجتماعي إلى أن الأفراد ينظرون إلى سلوك الآخرين لتحديد أفعالهم الخاصة.

خلال «بلاك فرايداي» يخلق مشهد المتاجر المزدحمة والطوابير الطويلة ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعرض المشتريات، تأثيراً يشبه تأثير عربة الموسيقى.

ونفترض أنه إذا شارك الكثير من الأشخاص، فيجب أن تكون الصفقات تستحق العناء. يعزز هذا السلوك الجماعي قرارنا بالانضمام، حتى لو لم نخطط للتسوق في البداية.

نظرية السعر المرجعي

وفقاً لنظرية السعر المرجعي، يقيم المستهلكون الأسعار بناءً على «سعر مرجعي» داخلي - وهو معيار يعتقدون أنه عادل. يتلاعب تجار التجزئة بهذا من خلال عرض أسعار أصلية مبالغ فيها إلى جانب أسعار مخفضة. حتى لو لم يكن السعر النهائي صفقة حقيقية، فإن التباين يجعل الخصم يبدو أكثر أهمية؛ مما يجبرنا على إجراء عملية شراء قد نتخطاها بخلاف ذلك.

قرارات مبنيّة على العاطفة

تلعب العواطف دوراً محورياً في قرارات الشراء الخاصة بنا. إن عقوداً من أبحاث المستهلكين تخبرنا أن الاستجابات العاطفية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سلوك المستهلك. فالأجواء الاحتفالية في «الجمعة السوداء» ــ بما في ذلك موسيقى الأعياد والعروض النابضة بالحياة وإثارة المنافسة ــ تثير ردود فعل عاطفية قوية.

ويمكن لهذه المشاعر أن تتغلب على التفكير العقلاني؛ مما يدفعنا إلى إجراء عمليات شراء مدفوعة بالإثارة وليس الضرورة. فما هو الاستهلاك في نهاية المطاف إن لم يكن تجربة مثيرة؟!

تأثير الهِبَة

بمجرد أن نضيف عنصراً إلى عربة التسوق ــ سواء كان موجوداً في عربة تسوق مادية أو في تجاويف رقمية لعربة تسوق على الإنترنت ــ يبدأ الشعور وكأنه ملك لنا بالفعل. ويطلق علماء النفس على هذا تأثير الهبة؛ ولهذا السبب يصبح التخلي عنه أكثر صعوبة.