وجاهات علي يعيد توظيف أكثر الإهانات قذارة لتكون عنواناً لمذكراته

كاتب باكستاني ـ أميركي يكتب عن معضلات الهجرة في «عُدْ من حيث جئت»

وجاهات علي
وجاهات علي
TT

وجاهات علي يعيد توظيف أكثر الإهانات قذارة لتكون عنواناً لمذكراته

وجاهات علي
وجاهات علي

ترجمة: سعد البازعي

تلقى الكاتب الباكستاني الأميركي وجاهات علي من الإهانات طوال عمله صحافياً وكاتباً مسرحياً ومحامياً ومعلقاً سياسياً ما يُريه أنْ لا جديد فيها، بل إنها تتضمن كوميديا ظلامية سخيفة لدى مهاجميه ضمن معاداة الإسلام (أو إسلاموفوبيا). لكن بعد عقود من مقاومة تلك الإهانات قرر علي أن يعيد توظيف أكثر تلك الإهانات قذارة لتكون عنواناً لمذكراته.
مذكراته «عُدْ من حيث جئت: وأكثر التوصيات فائدة في كيف تكون أميركياً» هي الاستكشاف الأكثر ذكاءً وإثارة ومعرفة لتاريخ أسرته –ومن ضمن ذلك فصل مظلم حول سجن والديه بسبب دورهما في مخطط تزوير يتعلق بالبرق والبريد– وبعملية شد الحبل التي شعر بها كثير من المسلمين الأميركيين «ما بين الرهاب والقبول».
قال علي، وهو ابن مهاجر باكستاني تربّى في فيرمونت، في حديث لـ«الكرونيكل» عبر الفيديو من بيته في مدينة الإسكندرية بفرجينيا: «ساعدني العنوان في استثارة الضحك وفي الضرب تحت الحزام في الوقت نفسه».
يعتمد علي، الذي ألّف «المحاربون المحليون» (وهي أول مسرحية إسلامية أميركية رئيسية بعد 9 سبتمبر (أيلول) تُمثّل ضمن مهرجان بيركلي عام 2005) وكثيراً ما ظهر معلقاً على «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي»، على الكوميديا الساخرة وما يسميها أنماط «المخاتلة» لتفحص التاريخ المزعج في علاقة أميركا بالمسلمين والمهاجرين وكل الملونين.
يتذكر كيف صار واعياً سياسياً بين ليلة وضحاها بعد هجمات 11 سبتمبر التي ضربت حين كان طالباً في المرحلة الجامعية في بيركلي. يقول إنه «تحول في لحظة إلى ناشط بالصدفة». كان ولاؤه محل تشكيك وشعر بأن مواطَنته صارت مشروطة.
يفخر علي كثيراً بجذوره في منطقة خليج كاليفورنيا (لقد احتفظ برقم هاتفه الذي يبدأ بـ510) ولكنه يعترف بأن كاليفورنيا حطمت قلبه. يقول إن كاليفورنيا لم تكن فقط المكان الذي عاش فيه تجربة 11 من سبتمبر والصدمة العائلية، ولكنها كانت أيضاً المكان الذي تصالح فيه مع إدراكه «أنني لن أكون يوماً (معتدلاً بما يكفي)، لأنه على الرغم من كل شيء صحيح، فإنه لا يزال يُنظر إلينا (نحن المسلمين الأميركيين) على أننا لا نزال موضع شك وليس على أننا بشر... مركّبون، متعددون، غريبون، نحب الضحك، ومنافقون».
للروائي ديف إيغرز علاقة صداقة بعلي لأكثر من عشر سنوات، منذ كتب علي نصاً لمجلة «ماكسويني» حول عمله القانوني دفاعاً عن أسر تورطت في احتيالات تتعلق بقروض عقارية. يقول إيغرز: «كلما غضبت من أمر سيئ جديد، وجد وجاهات طريقة للتعامل معه بطريقة هجائية، الأمر الذي سهّل النظر إليه. وكلما كثرت الصراعات الشخصية التي يتعامل معها صار مضحكاً أكثر».
وقد ظهر إيغرز وعلي في 1 فبراير (شباط) على منصة البث «سِتي آرتز آند ليكتشرز» ليناقشا كتاب علي الجديد الذي نُشر يوم الثلاثاء 25 يناير (كانون الثاني).
> تعبّر في كتابك عن الإحباط والغضب لكنك أيضاً متفائل ومضحك فعلاً. هل كان أحد الشعورين أقوى في أثناء الكتابة؟
- لم أُرِدْ للكتاب أن يكون متشابهاً، وهو أمر منطقي لأنني في أثناء نموي لم أُرِدْ أن أكون شيئاً واحداً.
حين تكون طفلاً لمهاجرين فإن هناك قائمة نجاح تقول: «افعل هذا، وهذا هو التصنيف الذي ستجد والقائمة التي ستنتمي إليها». وفكرت: «ماذا لو خرجت عن ذلك الصندوق؟ ماذا لو أردت أن أكتب مسرحيات ولكن أن أكون أيضاً مهنياً، وأن أكون سخيفاً ومبدعاً؟» هذا الإحباط والعناد استمرا معي طوال مسيرتي.
> ما الذي ألهمك لتأليف هذا الكتاب؟
- أظن أن الجائحة دفعتني أخيراً لكتابته. البقاء رغم الجائحة، بقاء ابنتي نسيبة ذات الأعوام الخمسة رغم السرطان ومضيّ أربعين عاماً من النظر إلى ما كان يحدث في البلاد. في الإسلام يفترض بالحكمة أن تتنزل عند الأربعين. في حالتي على الرغم من أنني لم أرَ الحكمة تتنزل عليّ فكرت أن حكايتي الشخصية يمكن استعمالها كحصان طروادة لتكون تعليقي على أميركا، أين كانت وإلى أين ستمضي.
أمتلك زاوية رؤية بانورامية فريدة لأنني قادر على ملء وفهم الكثير من الفضاءات الثقافية المختلفة. يمكنني أن أخبرك بوصفي صحافياً وكاتباً مسرحياً، بوصفي طالباً جامعياً مسلماً، بوصفي ابنا لأناس سُجنوا، ما هو هذا الشيء الذي اسمه أميركا. لقد تنقلت من سجن «سانتا ريتا» إلى بليونيرات آسبن (في ولاية كولورادو). لم تطأ أقدام أناس كثيرين تلكما الجزيرتين شديدتي الاختلاف من التجربة الأميركية.
> هل شعرت بحاجة ملحة أكثر لتأليف الكتاب نتيجة لظهور ترمب؟
- كل ما قلته في الكتاب كلام كنا نقوله منذ سنوات ولم يكن أحد يلتفت إليه. ثمة شيء حول ترمب وظهور النزعة الترمبية وتمرد السادس من يناير أيقظ أخيراً الكثير من الناس. نفس الشيء مع جورج فلويد، جعل الكثير من الناس أخيراً يقولون: «هذه (العنصرية) موجودة فعلاً. إنها حقيقة».
أقول هذا ساخراً لكن إسلاموفوبيا ترمب المكشوفة كانت بصورة ما مفيدة للمسلمين لأن كل ما كنا نشتكي منه صار في العلن. بمجرد سماعك لـ«منع المسلمين» أدركت أننا لم نكن نكذب.
> كيف كان 11-9 نقطة تحول في حياتك؟
- 9-11 كان اكتمال صحوي السياسي. بالنسبة إلى جيلي كان هناك ما قبل 9-11 وما بعد 9-11، وكان كل ذلك مرهقاً جداً. كنت في العشرين وفجأة كنت مطالباً بأن أكون خبيراً في كل ما هو إسلامي، ويكيبيديا إسلامية على قدمين، ممثلاً كونياً لـ1.8 مليار إنسان.
ينسى الناس أن كل شخص يبدو مسلماً كان عُرضة للهجوم. أول جريمة ارتُكبت (بعد 9-11) كانت ضد بالبير سنغ، رجل من السيخ. كان ذلك زمناً مرعباً في أميركا إلى حد أن النساء المحجبات اللاتي وُلدن وتربين في أميركا كن يخشين الذهاب إلى المدرسة. لقد جُنّت هذه البلاد. منعوا أغنية «تخيل» لجون لينون (التي أُطلقت في 9-11 من عام 1971). أعادوا تسمية «فرنتش فرايز» ليصير «فريدُم فرايز»!
> الشاعر والناشط إشميل ريد، الذي كان أحد أساتذتك في الجامعة، شجّعك على كتابة مسرحيتك بعد 9-11. صحيح؟
- نعم، كان ذلك مثل لحظة «فتح الأبواب» بالنسبة لي. ظننت أنه سيطردني لأنني غبت لثلاثة أسابيع عن الدراسة، ولكن بدلاً من ذلك قال إن الحوار والشخصيات كانت مكمن القوة بالنسبة لي، وأنها ستشع أفضل في عمل مسرحي. قال لي: «بوصفي رجلاً أسود أعرف أنكم أيها الشبان (المسلمون) ستُمتحنون وتُنتهكون على مدى السنوات العشر القادمة. يمكنني رؤية ذلك. لكنّ طريق المقاومة سيكون عبر الفن والثقافة وسرد الحكايات».
> هل لا تزال تتلقى بريداً يتضمن الكراهية، خصوصاً بعد ظهورك على شبكة رئيسية مثل «سي إن إن»؟
- أوه نعم، يأتيني ذلك كل يوم. ويبدو بطريقة غريبة، أن مقياس النجاح هو مدى الكراهية التي تصل إليك.
المضحك أن العبارة المتكررة لا تتغير. إنها دائماً «عُدْ أيها العربي اللعين». «حرف N، وحرف F – جَمَل، وحرف F – عنز» إنها ردة الفعل الأميركية المدهشة: «عُدْ». مرّ بها الآيرلنديون، ومر بها اليهود، والآن يبدو الأمر كما لو كانت «الوصمة! هي أنت».
* «سان فرانسيسكو كرونيكل»



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.