لبنان يتجه لتمويل الكهرباء باقتطاع عوائد سندات الليرة «المنكوبة»

مصرفي يحذّر: التصنيف سينحدر أكثر... والخسائر تشمل أموال الضمان والصناديق

الرئيس عون خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا يوم الخميس (رويترز)
الرئيس عون خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا يوم الخميس (رويترز)
TT

لبنان يتجه لتمويل الكهرباء باقتطاع عوائد سندات الليرة «المنكوبة»

الرئيس عون خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا يوم الخميس (رويترز)
الرئيس عون خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا يوم الخميس (رويترز)

تتجه الدولة اللبنانية إلى تسجيل سابقة استثنائية في إدارة الدين العام، من خلال إضفاء صفة «شبه التعثر» على الديون الحكومية المحررة بالعملة الوطنية، بعد نحو عامين على إعلان التعثر الرسمي عن سداد موجبات سندات الدين الدولية المحررة بالعملات الأجنبية، ما يشي تلقائياً بانحدار أكثر حدة للجدارة الائتمانية للديون السيادية والمصنفة حالياً ضمن الخانة الأدنى للفئة (C)، أي في حالة التخلُّف عن السداد مع أمل ضئيل في التعافي.
ووسط السجالات حول التباسات خلفتها جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، رصدت «الشرق الأوسط» توجساً كبيراً في الأوساط المالية ولدى حاملي سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، من التبعات التي ستنجم عن اقتراح رئيس الجمهورية ميشال عون بعدم دفع الفوائد المترتبة على الديون الداخلية، لا سيما أن جزءاً مهماً من هذه السندات يعود لتوظيفات «صندوق الضمان الاجتماعي» وصناديق التعاضد والتعويضات العائدة لنقابات مهنية في القطاعين العام والخاص، إضافة إلى مؤسسات وأفراد اختاروا الاستثمار في الديون الحكومية بالليرة.
ووفق المحضر الرسمي لجلسة مجلس الوزراء، فقد لفت عون إلى أن «مشروع الموازنة يلحظ مبلغ 7600 مليار ليرة فوائد، منها 1200 مليار ديون طويلة المدى لمؤسسات دولية، ومبلغ 6400 مليار سوف تعود فوائد بنسبة الثلث للمصارف والثلثين لـ(مصرف لبنان)»، مع العلم بأن مشروع الموازنة لم يلحظ فوائد على «اليورو بوندز». وبناء عليه، يفترض عدم دفع فوائد على الديون الداخلية لـ«مصرف لبنان» والمصارف، أسوة بـ«اليورو بوندز»، وتوزيع مبلغ 6400 مليار بمعدل 2 - 3 للكهرباء (نحو 4266 مليار ليرة)، بدلاً من السلفة الملحوظة، والباقي زيادة معاشات للقطاع العام (نحو 2133 مليار ليرة).
وريثما تنجلي آلية اعتماد هذا الاقتراح وإمكانية تحويله إلى قرار مالي تتخذه الحكومة، اعتبر مدير عام «فرست ناشونال بنك»، نجيب سمعان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مجرد إقدام الدولة، وبأي صيغة قانونية، على تعليق دفع الفوائد على سندات الخزينة المصدرة بالليرة اللبنانية «سيمثّل سابقة غير معهودة في إدارة الدين العام ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على الصعيد العالمي الذي شهد العديد من حالات التعثر في تلبية الديون السيادية الخارجية، من دون شموله للديون بالعملات الوطنية». وبالتالي، فإن هذا التوجُّه «ليس مبرراً، لا سيما أن معدلات الفائدة المعتمدة متدنية قياساً بالدول والأسواق التي تعاني من التصنيف المنخفض جدا للديون السيادية».
وبمعزل عن توجيه المبالغ المقتطعة نحو تمويل عجز مؤسسات الكهرباء التي استهلكت بمفردها نحو 23 مليار دولار كسلفات خزينة، تُضاف إليها أكلاف الفوائد كونها تندرج ضمن عجوزات الموازنة وتمثل جزءاً وازناً من الدين العام، يحذر سمعان من التداعيات الدراماتيكية على كامل أصول القطاع المالي ومؤسساته جراء التهور في اتخاذ قرارات إخراج لبنان من الأسواق المالية الدولية قبل سنتين، وشبه إغلاق سوق التمويل بالعملة المحلية «فيما نفترض أن أي خطة للإنقاذ والتعافي لا يمكن أن تكون فاعلة من دون إرساء قواعد متينة لاستدامة الدين العام، وإيفاء الدولة بالتزاماتها تجاه الدائنين الحاليين والمستقبليين، وبالأخص منهم (صندوق النقد الدولي) والمانحين أو أي مؤسسات مالية محلية أو خارجية ستستجيب لحاجات التمويل الملحة وفقا لخطة التعافي الموعودة».
ولاحظ سمعان أن «إخراج المالية العامة من سوق التمويل المحلية وبالعملة الوطنية، سيزيد حكماً من حجم الأعباء على ميزانية مصرف لبنان، باعتبار أنه سيصبح الممول الوحيد لعجوزات الموازنة». كما أن المصارف «ستضطر حكماً إلى شبه تصفير العوائد على الودائع والتوظيفات الاستثمارية لديها»، وهو ما «سيصيب بالضرر المباشر أرصدة مالية كبيرة تعود لصندوق الضمان الاجتماعي وصناديق التعاضد والتعويضات العائدة لنقابات مهنية وسواها من الصناديق التي توظف مدخرات وتعويضات في سندات الخزينة بالليرة»، علماً بأن هذه الأصول تضررت بصورة دراماتيكية بفعل انهيار سعر صرف الليرة بنحو 93 في المائة جراء الأزمتين النقدية والمالية.
وبحسب أحدث البيانات المالية، تبلغ حصة القطاع المصرفي نحو 24 في المائة من إجمالي الدين الحكومي بالليرة البالغ رقمياً نحو 91.6 تريليون ليرة، أي نحو 61 مليار دولار محتسبة على السعر الرسمي المعتمد بنحو 1507 ليرات لكل دولار. وهي نسبة أقل بكثير من الثلث، وتشمل اكتتابات تعود للزبائن. فيما تبلغ حصة القطاع غير المصرفي نسبة تناهز الـ14 في المائة، وتتركز الحصة الأكبر لدى «البنك المركزي» الذي يغطي بمفرده نحو 62 في المائة من سندات الخزينة.
وأكد المسؤول المصرفي أن «استثمارات البنوك في السندات بالليرة ضئيلة من خارج توظيفات مودعيها»، وبالتالي فهي لا تستفيد من نسبة ثلث العوائد، كما تردد. بينما هي توظف بعض الأصول بالليرة لدى «البنك المركزي» بعوائد معتدلة تمكنها من دفع فوائد على ما تبقى من ودائع الأفراد بالعملة الوطنية، وقد يصيب الضرر هذه الفئة أيضاً.
وفي المقابل، يقدر أن حجم الأموال التي يوظفها صندوق الضمان لدى «البنك المركزي» والجهاز المصرفي بأكثر من 11 تريليون ليرة. وهو يعتمد، بقرار من مجلس إدارته، نظاماً لتوظيف الأموال ولموجودات تعويضات نهاية الخدمة في سندات الخزينة، بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من الأرصدة، ويودع النصف الآخر لقاء فوائد في المصارف لمدة أقصاها سنة. وهذه الأموال موزعة على جميع المصارف العاملة ضمن نسب محددة تتعلق برأسمال المصرف، وذلك من أجل توزيع المخاطر.
وعن إمكانية تصفير كامل منظومة الفوائد على الودائع المتدنية للغاية حالياً، ودون واحد في المائة، قال سمعان إن «تعليق دفع مستحقات الديون الحكومية المحررة بالدولار قبل نحو سنتين، أجبرنا على شبه تصفير معدلات العوائد على توظيفات العملاء بالعملات الأجنبية». والأمر عينه يُتوقع تمدده إلى التوظيفات بالليرة «وهذا ما يمثل خطورة مزدوجة كونه يفضي إلى تعقيم الاستثمار، ويحول التوظيفات إلى أعباء لدى الجهاز المصرفي، ولا سيما، في ظل تقلص فرص التمويل الموجهة إلى القطاع الخاص إلى أدنى مستوياتها إن لم نقل انعدامها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.