الرصاص الطائش يودي بحياة أبرياء كثيرين في الولايات المتحدة

عنصر من الشرطة الجنائية يتفقد فوارغ رصاصات من ساحة جريمة (رويترز)
عنصر من الشرطة الجنائية يتفقد فوارغ رصاصات من ساحة جريمة (رويترز)
TT

الرصاص الطائش يودي بحياة أبرياء كثيرين في الولايات المتحدة

عنصر من الشرطة الجنائية يتفقد فوارغ رصاصات من ساحة جريمة (رويترز)
عنصر من الشرطة الجنائية يتفقد فوارغ رصاصات من ساحة جريمة (رويترز)

تضج وسائل الإعلام الأميركية باستمرار بأخبار عن أشخاص قضوا جراء الرصاص الطائش، في بلد تنتشر فيه الأسلحة النارية على نطاق واسع وتحصد ضحايا كثيرين غالبا ما يكونون من الأطفال.
في أغسطس (آب) الماضي، رأت تيفاني إيفانز ابنها البالغ ثماني سنوات ميتاً بعدما أصيب برصاصة طائشة أطلقت من الشارع عندما كان يلعب بألعاب الفيديو. وكانت الأميركية البالغة 34 عاماً في زيارة إلى ولاية ميريلاند أواخر الصيف لرؤية أقاربها. وقد أطلقت رشقات نارية أثناء وجودها في الخارج.
وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية «عندما توقف إطلاق النار ركضنا جميعاً نحو المنزل ووجدنا ابني يجلس إلى الطاولة ومصاباً برصاصة في رأسه»، مضيفةً «عرفت فوراً أنه رحل». وتتحدث عن ابنها قائلةً إن بيتون كان شغوفاً بكرة القدم الأميركية و«عبقرياً صغيراً في الرياضيات» وكذلك «ملك التيك توك»، مشيرةً إلى أنه لم يكن مستهدفا في إطلاق النار لكنه كان موجوداً «في المكان والزمان الخطأين».
وتأمل موظفة الخدمة المدنية الفيدرالية أن تتوقف هذه الأفعال، داعيةً إلى اتخاذ إجراءات تحد من انتشار الأسلحة غير المشروعة. وتتابع «يجب ألا يفقد أي طفل يبلغ ثماني سنوات حياته بسبب السلوك المتهور لشخص آخر». ويكفي إلقاء نظرة سريعة على الصحافة الأميركية المحلية لفهم أن هذه المأساة ليست الوحيدة في بلد تكثر فيه حيازة الأسلحة النارية، وغالباً ما تظهر صور الضحايا أطفالاً.
وفي الأسابيع الماضية، قتلت طفلة تبلغ ثماني سنوات في أحد شوارع شيكاغو، وأصيبت أخرى تبلغ 18 عاماً برصاصة أثناء إحضارها مشتريات إلى جدتها في نيوجيرسي، وأصيبت طفلة عمرها 11 شهراً بجروح خطرة خلال وجودها داخل سيارة في نيويورك. وقتل طفل عمره ستة أشهر في 24 يناير (كانون الثاني) في أتلانتا جنوب البلاد بعدما أصبح فجأةً وسط إطلاق نار.
غالبا ما ينسى أفراد العامة بسرعة هذه الحوادث المتفرقة التي لا تحظى بالاهتمام عينه لعمليات إطلاق نار توقع ضحايا أكثر وباتت شائعة في الولايات المتحدة. ولا توجد إحصائيات رسمية لعدد هذه الحوادث، كما أن البحوث حول الموضوع نادرة. ويقدر كريس هيرمان، المتخصص في كلية جون جاي للعدالة الجنائية، أن الرصاص الطائش يشكل واحداً إلى اثنين في المائة من إجمالي الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية. ويعتبر أن تكرار حدوث هذه المآسي يعكس لا مبالاة معينة لدى الرأي العام. ويقول «إذا حصلت هكذا أفعال في بلد أجنبي، فستتصدر عناوين الأخبار».
ويعزو بيتر سكوايرز، الأستاذ في علم الجريمة لدى جامعة برايتون، سقوط عدد كبير من الضحايا إلى أن الرصاص يذهب أبعد مما نتخيل، موضحاً أن رصاصة المسدس يمكن أن تبقى قاتلة حتى بعد اجتيازها مسافة 500 متر، والأمر نفسه لطلقات البندقية التي تقتل حتى بعد اجتياز كيلومتر واحد.
حتى الجدران لا تكفي للحماية من هذا الخطر. ففي 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، توفي رجل عمره 25 عاماً عندما كان يتناول العشاء لمناسبة عيد الشكر بعدما أصيب برصاصة طائشة في بنسلفانيا أطلقها رجل في الشارع. وقضى باحث بريطاني منتصف شهر يناير (كانون الثاني) في سريره أثناء زيارة صديقته في أتلانتا بعد إصابته برصاصة اخترقت الجدار.
ويوضح سكوايرز أن «الحواجز والجدران الخشبية وأبواب السيارات لا تستطيع وقف الرصاصة عكس ما يستطيع فعله الحجر». ويشير إلى أن المباني حالياً «أقل متانة» مما كانت عليه في الماضي، إذ تستخدم «مواد رخيصة» في بنائها. في المقابل، أصبحت الأسلحة «أقوى بكثير مما كانت عليه قبل 30 عاماً»، وفق سكوايرز، ما يمثل سباقاً على القوة تغذيه الحاجة إلى جذب مستهلكين لديهم أصلاً أسلحة نارية عدة.
ويشير سكوايرز إلى عنصر آخر يفسر هذا الوضع يتمثل في «زيادة عدد حائزي الأسلحة النارية»، لافتاً إلى أن المسدسات باتت تحط بين أيدي مبتدئين غير مدربين على قواعد السلامة. ويضيف أن «عدداً كبيراً من الأشخاص عديمي الخبرة يتعاملون مع الأسلحة، ما ينذر دائماً بوقوع كارثة».
وترى جون بوربيك، مؤلفة كتاب «غن شو نايشن» عن ثقافة السلاح، أن توصل الشخص إلى مرحلة يصبح فيها قادراً على إصابة الهدف أمر صعب ويتطلب الكثير من التدريب، وتقول «الأمر ليس كما في الأفلام». ويمثل إطلاق النار ابتهاجاً موضع تساؤل كذلك. ويعتبر بيتر سكوايرز أن المشكلة تكمن في أن «الرصاصات تسقط وتصيب الأشخاص الموجودين غالباً على بعد حوالي 1.6 كيلومتر من مكان إطلاق النار».
ويذكر براين غريزل، المسؤول المحلي، في منشور عبر فيسبوك أن رصاصة استقرت ليلة رأس السنة داخل حمام أحد الأشخاص المسنين في مسيسيبي «وكادت تصيبه عندما كان يخرج من حوض الاستحمام». ويضيف «لا أحد يستحق أن يشعر بخوف داخل منزله من أن تصيبه (أو تقتله) رصاصة».



عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

TT

عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

بينما تتواصل جلسات «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»، بالعاصمة السعودية الرياض لليوم الثاني، أظهرت ردهات المكان، والمعرض المصاحب للمؤتمر بما يحتويه، تاريخاً من الريادة السعودية في هذا المجال على مدى 3 عقود، وفقاً لردود الفعل من شخصيات حاضرة وزوّار ومهتمّين.

جانب من المعرض المصاحب لـ«المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

 

على الجهة اليُمنى من مدخل مقر المؤتمر، يكتظ المعرض المصاحب له بالزائرين، ويعرّج تجاهه معظم الداخلين إلى المؤتمر، قُبيل توجّههم لحضور الجلسات الحوارية، وبين مَن يلتقط الصور مع بعض التوائم الموجودين ويستمع لحديثٍ مع الأطباء والطواقم الطبية، برزت كثير من المشاعر التي باح بها لـ«الشرق الأوسط» عددٌ من أشهر حالات التوائم السياميّة التي نجحت السعودية في عمليات فصلها خلال السنوات الأخيرة.

 

«أعمل في المستشفى حيث أُجريت عملية فصلنا»

السودانيتان التوأم هبة وسماح، من أوائل التوائم الذين أُجريت لهم عمليات الفصل قبل 3 عقود، وقد عبّرتا لـ«الشرق الأوسط» عن فخرهما بأنهما من أولى الحالات الذين أُجريت عملية فصلهما في السعودية.

قالت هبة عمر: «مَدّتنا عائلتنا بالقوة والعزيمة منذ إجرائنا العملية، وهذا الإنجاز الطبي العظيم ليس أمراً طارئاً على السعودية، وأرجو أن يجعل الله ذلك في ميزان حسنات قيادتها وشعبها».

 

التوأم السيامي السوداني هبة وسماح (تصوير: تركي العقيلي)

أما شقيقتها سماح عمر فتضيف فصلاً آخر من القصة :«لم نكن نعرف أننا توأم سيامي إلّا في وقت لاحق بعد تجاوزنا عمر الـ10 سنوات وبعدما رأينا عن طريق الصّدفة صورة قديمة لنا وأخبرنا والدنا، الذي كافح معنا، بذلك وعاملنا معاملة الأطفال الطبيعيين»، وتابعت: «فخورون نحن بتجربتنا، وقد واصلنا حياتنا بشكل طبيعي في السعودية، وتعلّمنا فيها حتى أنهينا الدراسة الجامعية بجامعة المجمعة، وعُدنا إلى السودان عام 2020 شوقاً إلى العائلة ولوالدتنا»، وبعد اندلاع الحرب في السودان عادت سماح إلى السعودية لتعمل في «مستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث»، وهو المستشفى نفسه الذي أُجريت لها ولشقيقتها فيه عملية الفصل.

ووجهت سماح عبر «الشرق الأوسط» رسالةً إلى التوائم السيامية طالبتهم فيها باستكمال حياتهم بشكل طبيعي: «اهتموا بتعليمكم وصحتكم؛ لأن التعليم على وجه الخصوص هو الذي سيقوّيكم لمواجهة صعوبة الحياة».

 

«وجدتُ العلاج في السعودية»

بوجهين تغشاهما البراءة، ويشع منهما نور الحياة، بينما لا يتوقع من يراهما أن هاتين الطفلتين قد أجرتا عملية فصل؛ إذ تظهرا بصحة جيدة جداً، تقف الباكستانيتان التوأم فاطمة ومشاعل مع أبيهما الذي يتحدث نيابةً عنهما قائلاً :«بحثت في 8 مستشفيات عن علاج للحالة النادرة لفاطمة ومشاعل، ولم أنجح في مسعاي، وعندما رفعت طلباً إلى الجهات الصحية في السعودية، جاء أمر العلاج بعد شهرين، وتوجهت إلى السعودية مع تأشيرة وتذاكر سفر بالإضافة إلى العلاج المجاني. رافقتني حينها دعوات العائلة والأصدقاء من باكستان للسعودية وقيادتها على ما قدمته لنا».

التوأم السيامي الباكستاني فاطمة ومشاعل (تصوير: تركي العقيلي)

 

«السعودية بلد الخير (...) فاطمة ومشاعل الآن بأفضل صحة، وأصبحتا تعيشان بشكل طبيعي مثل أخواتهما الثلاث الأخريات»؛ يقول الوالد الباكستاني... «أشكر القيادة السعودية والشعب السعودي الطيب والدكتور عبد الله الربيعة على الرعاية التي تلقيناها منذ كان عمر ابنتيّ عاماً واحداً في 2016».

وقبل أن تغادرا الكاميرا، فاضت مشاعر فاطمة ومشاعل بصوتٍ واحد لميكروفون «الشرق الأوسط»: «نحن فاطمة ومشاعل من باكستان، ونشكر السعودية والملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والدكتور عبد الله الربيعة».

 

عُماني فخور بالسعودية

أما محمد الجرداني، والد العُمانيتين التوأم صفا ومروة، فلم يُخفِ شعوره العارم بالفخر بما وصلت إليه السعودية من استخدام التقنيات الحديثة في المجال الطبي حتى أصبحت رائدة في هذا المجال ومجالات أخرى، مضيفاً أن «صفا ومروة وُلد معهما شقيقهما يحيى، غير أنه كان منفرداً».

الجرداني وهو يسهب في الحديث لـ«الشرق الأوسط»، وسط اختلاط المشاعر الإنسانية على وجهه، أكّد أن صحة ابنتيه اليوم «في أفضل حالٍ بعدما أُجريت لهما عملية الفصل في السعودية عام 2007، وأصبحتا تمارسان حياتهما بأفضل طريقة، ووصلتا في دراستهما إلى المرحلة الثانوية»، وأضاف: «نعزو الفضل في ذلك بعد الله إلى الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، ثم الملك سلمان، والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، اللذين واصلا المسيرة الإنسانية للسعودية... وصولاً إلى هذا المؤتمر، وتحديد يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عامٍ (يوماً للتوائم الملتصقة)».

الجرداني أشاد بجهود الدكتور عبد الله الربيعة في قيادة الفرق الطبية المختصة، وقال إنه «مدين بالشكر والعرفان لهذا المسؤول والطبيب والإنسان الرائع».

المؤتمر الذي يُسدَل الستار على أعماله الاثنين ينتشر في مقرّه وبالمعرض المصاحب له عدد من الزوايا التي تسلّط الضوء على تاريخ عمليات فصل التوائم، والتقنيات الطبية المستخدمة فيها، بالإضافة إلى استعراضٍ للقدرات والإمكانات الطبية الحديثة المرتبطة بهذا النوع من العمليات وبأنشطة «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية».