ولاء «الشباب» الصومالية منقسم بين «القاعدة» ومبايعة «داعش»

الحركة المتطرفة تعلن مسؤوليتها عن قتل 3 مسؤولين ونائب سابق

ولاء «الشباب» الصومالية منقسم بين «القاعدة» ومبايعة «داعش»
TT

ولاء «الشباب» الصومالية منقسم بين «القاعدة» ومبايعة «داعش»

ولاء «الشباب» الصومالية منقسم بين «القاعدة» ومبايعة «داعش»

يرى محللون وزعماء قبائل أن حركة الشباب الإسلامية في الصومال منقسمة حول الاستراتيجية التي يتعين اختيارها ما بين الاستمرار في ولائها لتنظيم القاعدة أو مبايعة تنظيم داعش. ويأتي هذا التردد بينما أصبح تنظيم داعش يجتذب مقاتلين من الخارج، وانضمت إليه مجموعات متطرفة مثل «بوكو حرام» في نيجيريا، بينما واصل تنظيم القاعدة في الأسابيع الماضية توسيع نفوذه في اليمن.
وردا على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية، قال مسؤول في حركة الشباب الإسلامية: «لماذا يشكل مفاجأة القول إن (الشباب) قد ينضمون إلى (داعش)؟ على جميع المسلمين أن يتحدوا لمواجهة عدوهم». وتأتي هذه التساؤلات بينما تتعرض حركة الشباب لضغط عسكري، لكنها ما زالت قادرة على شن هجمات إرهابية على أهداف مدنية في الصومال وكينيا». وفي الثاني من أبريل (نيسان)، قتلت مجموعة من حركة الشباب 148 شخصا معظمهم من الطلبة في هجوم على جامعة غاريسا في كينيا، أما في الصومال فتزايدت العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة على الفنادق والمباني الرسمية والأهداف الأمنية.
وتشبه مجزرة غاريسا، الأكثر دموية التي ترتكبها حركة الشباب، الاعتداء الذي شنه في سبتمبر (أيلول) 2013 أربعة من عناصر حركة الشباب كانوا مدججين بالسلاح على مركز ويستغيت التجاري في نيروبي. وهم أيضا ميزوا خلال الهجوم بين المسلمين وغير المسلمين. وهي أعمال وحشية شبيهة بتلك التي ترتكبها «داعش» المعتادة على الإعدامات الجماعية التي يعاد بث معظمها على شبكة الإنترنت».
ويرى البعض في تردد حركة الشباب مؤشر ضعف، فهم «يائسون»، كما يقول محمد إبراهيم المسؤول الأمني الصومالي. وأضاف: «لقد خسروا مناطق في الصومال، ومن الممكن أن ينضموا» إلى «داعش» لاستعادة ما خسروه والحصول على الدعم المعنوي. لكنّ آخرين يعتقدون أن المتطرفين الصوماليين لا يزالون يعتبرون شركاء بارزين في الحركة المتشددة حول العالم.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قال رئيس الوزراء الصومالي عمر عبد الرشيد علي شارمركي: «يجري مسؤولوهم نقاشا ليقرروا إما الانتقال إلى (داعش) وإما البقاء مع (القاعدة)»، لكنه أضاف أن «كلا من تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة يدعو (الشباب) إلى الالتحاق به». وأوضح رئيس الحكومة أن المناطق التي تمدد إليها تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب أخيرا يمكن أن يقوي حركة الشباب». وقال: «إنه أمر بالغ الأهمية فعلا لأن ذلك يمكن أن يتجاوز النزاع اليمني ويصل بسهولة إلى الصومال»، موضحا أن «خليج عدن يمكن أن يصبح ممرا حتى أفغانستان وباكستان».
وذكرت مصادر محلية في جنوب الصومال أن اجتماعات قد عقدت حول هذا الموضوع. وكشف حسن نور أحد قدامى مسؤولي منطقة لوير شابل: «سمعنا أحاديث عن اجتماع لأبرز مسؤولي الشباب». وأضاف: «إنهم لم يتفقوا بعد، وما زال البعض منهم يبدي تحفظات شديدة لأنهم يريدون إبقاء علاقات مع (القاعدة)».
ورأى تري توماس الخبير في الشؤون الصومالية في واشنطن ومدير مدونة «صوماليا نيوزروم» أن «النقاش محتدم بين (الشباب) حول الاستمرار في تأييد (القاعدة) أو بالعكس الالتحاق بتنظيم داعش». ويقول المحللون إن زعيم (الشباب) أحمد ديريي المعروف أيضا باسم أحمد عمر أبو عبيدة، حليف موالٍ لـ«القاعدة»، أما قائد شرطتها السرية القوية مهد كاراتي فهو من أشد مؤيدي مبايعة «داعش».
وقال مصدر أمني غربي: «إذا ما انضم (الشباب) إلى (داعش) فسيعني ذلك مزيدا من المال ومزيدا من الإمكانات التي لا تستطيع (القاعدة) تزويدهم بها في الوقت الراهن. ويمكن أن يعطيهم ذلك زخما سياسيا وترويجا دعائيا أكبر».
وأوضح رولان مارشال الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي: «بطريقة ما ترثون شيئا من قوة التنظيم الذي توالونه»، لكن هذا الخبير في شؤون الإرهاب أعرب عن اعتقاده بأن «قيادة (الشباب) ما زالت على صلة وثيقة جدا بتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. ويبدو من الصعب إلى حد ما الاعتقاد أنها ستختار (داعش) بشكل تلقائي».
وقال توماس: «ليس من السهل تحديد حجم ونفوذ الفصيل المؤيد لـ(داعش)، وما إذا كان قادرا على تحفيز مزيد من المؤيدين بين حركة الشباب، بمعزل عن عدد من المقاتلين الأجانب الذين يدعمون هم أيضا تحالفا مع (داعش)». لكن مجرد تغيير الولاء، كما أضاف هذا المحلل، قد لا يغير في مطلق الأحوال أمورا كثيرة بالنسبة لقدرة (الشباب) على اجتذاب عناصر جديدة تريد الانضمام للمتشددين».
وقال: «بينما تفضل حركة الشباب مجيء متطرفين وخصوصا من أصول صومالية إلى الصومال بدلا من التوجه إلى سوريا أو العراق، لن تغير مبايعتهم (داعش) من واقع أن ضعفهم في السيطرة على الأراضي والهجمات التي تستهدف المدنيين في المدن يبقيان عنصرين قويين يردع المتطوعين».
من جهة أخرى قالت الشرطة وحركة الشباب الصومالية أول من أمس إن المقاتلين المتشددين قتلوا بالرصاص مسؤولين اثنين في مجلس مدينة مقديشو وعضوا سابقا في البرلمان ومسؤولا كبيرا في أحد السجون. وصعد التنظيم هجماته النارية والتفجيرية في الصومال في الأسبوع الماضي، فقتل يوم الاثنين 6 أشخاص في هجوم على مركبة تقل طاقما يعمل في الأمم المتحدة في منطقة بلاد بنط التي تتمتع باستقلال ذاتي تلاه تفجير انتحاري قتل 10 أشخاص في مطعم بمقديشو يوم الثلاثاء». وقال الرائد نور أفراح، وهو ضابط في الشرطة، لـ«رويترز» إن المسلحين قتلوا المشرع السابق واثنين من مسؤولي المجلس البلدي يوم السبت، فضلا عن مسؤول كبير في مصلحة السجون على مقربة من متجر باكارا في مقديشو أمس.
وأعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن الهجمات ووعدت بمزيد منها. وقال الشيخ عبد العزيز أبو مصعب المتحدث باسم العمليات العسكرية لـ(الشباب) لـ«رويترز»: «قتلنا النائب والمسؤولين في مجلس مدينة مقديشو والعقيد الذي يخدم في السجن يومي السبت والأحد. وسنستمر في قتل المسؤولين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.