منى أبو حمزة والإضاءة على مدينة لا تموت

تعود لتقديم برنامج «حديث البلد» بعد غياب ثلاث سنوات

الإعلامية اللبنانية منى أبو حمزة
الإعلامية اللبنانية منى أبو حمزة
TT

منى أبو حمزة والإضاءة على مدينة لا تموت

الإعلامية اللبنانية منى أبو حمزة
الإعلامية اللبنانية منى أبو حمزة

تعود منى أبو حمزة إلى ملعبها المفضل: «حديث البلد». برنامج رافق الأمسيات لسنوات، ثم غاب، متوازياً غيابه مع اختناق الأمل اللبناني بعد «الكوفيد» والانفجار والانهيار. اليوم، يعود في موسم عاشر، وفي العودة ملامح بيروت وهي تستعيد أنفاسها. تنضج الإعلامية وتتخمّر في داخلها الحياة. تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّها شعرت بالتزام أخلاقي حيال الناس، حين دار عليها دولاب الزمن وأدخلها في تقلّباته، فاختارت تكثيف ساعات العمل، عوض الاكتواء في نيران المواجع. نتحدث عن العودة وما يتغيّر في المرء بعد الانكفاء، وعما يختلف هذا الموسم، مع مرور على منى الأم والمرأة في مواجهة العمر.
ثمة كلام يخرج معانقاً الصمت. فحين تتذكر منى أبو حمزة المحنة العائلية التي مرّت بها، تتنهّد الحروف وتختار التواري خلف السطور. تذكر ظروفها الصعبة لتقول إنّها تُراكم صلابتها الإنسانية. آنذاك لم تتوقف عن العمل، فأمّن التلفزيون لأسرتها مدخولاً تحتاجه، ولها شيئاً من الانغماس في الوقت والتلهّي بإسعاد الناس. ثم ارتأت وإدارة محطة «إم تي في» الاستراحة لسنة. «رحّبتُ بالفكرة لحاجتي إلى استعادة طاقتي. لم يُتخذ حينها قرار بالعودة ولم يُحسم بعدمها. تركتُ الأمور تسير في الاتجاه المناسب».
بعدها اندلعت صرخات المنتفضين في الساحات، فتك الوباء وتزاحمت المصائب، حتى بلغت ذروتها عصر ذلك الصيف من عام 2020. حين اغتيلت روح المدينة وتهشّم كل فرح. «حديث البلد» مأخوذ عن «فورما» أجنبي، لديه ميزانية لا يتنازل عنها. الانهيار اللبناني وضعه على الرف، مساوياً مصير شركات وقطاعات. لهذه الأسباب، غابت منى أبو حمزة لثلاث سنوات.
أقلقها أيضاً شكل الإطلالة ونوعها في وضع ليس على حاله، إلى أن قالت الظروف كلمتها الأخيرة: الانكفاء. نسألها لِمَ بريقها مرتبط بـ«حديث البلد»، واسمها ملاصق لوجوده؟ تجيب: «لأنّه برنامج شامل وصعب، فشعرتُ بأنّ ما عُرض علي سهل أمامه. متاهة تكرار المواضيع مؤرقة، نالت الكثير من سكينتي وتفكيري. فالبرنامج مجلة أسبوعية منوّعة، تغطي نشاطات البلد الثقافية والفنية والاجتماعية، بحضور عدد من الضيوف، وهذا يتطلب تركيزاً عالياً. إضافة إلى وجود (مشاغب) في الحلقات (ميشال قزي هذا الموسم، بدلاً من ميشال أبو سليمان)، مهمّته التعليق والمزاح، والمطلوب مني ضبط الإيقاع لئلا تخرج الأمور على السيطرة. لذا، وجدتُ نفسي في هذه التركيبة أكثر من سواها».
منى أبو حمزة ممن يخشون التورّط في برامج تطرح موضوعات لا تشبه شخصيتها في المقاربة والمعالجة. فهي ترفض انحدار المستوى والحضور التلفزيوني المفلس. يسرّها كلام من نوع أنّ في عودة برنامجها شيئاً من عودة الحياة إلى بيروت: «هذا ما أردناه من توقيت إطلاق الموسم الجديد. فالحركة الثقافية تنشط، والبرنامج لتغطية الإصرار على إرادة البقاء. نضيء على الجانب المشرق، وعلى الجهود والعزيمة والمدينة التي لا تموت».
معارض، أغنيات، إصدارات، أفكار خلاقة، مبادرات، وأمل... كل ليلة جمعة في «حديث البلد». تتغيّر مقدّمته من الداخل، وتمر على ما تفعله الأيام بالإنسان: «كل يوم هو تجربة، وإن لم يقع حدث عظيم. فكيف بتوالي أشكال المآسي كالتي تنهك اللبنانيين؟ كبرنا جميعنا جراء الصفعات والتماس مع الموت. تتغيّر شخصيتي، فلا أعود أتوقف عند الصغائر، بل أرى المشهد العريض؛ في البرنامج والحياة».
الهدف إحياء الروح الحلوة ومعاندة البشاعة في الأجواء، فتقول: «كلبنانيين، ندعم بعضنا بعضاً في تشجيع الإنجازات، فحين نستضيف مطرباً أو كاتباً أو رساماً، فإننا نساعد في إيصال صوته، كما يساعد بدوره في إنجاح البرنامج. نكمل بعضنا بعضاً من أجل غاية عليا: تضميد الجراح».
منذ اختيارها للتقديم، ومنى أبو حمزة لا تحبّذ إحراج الضيف. طُلب إليها اعتماد نظرية تييري أرديسون في النسخة الفرنسية، أي المشاكسة و«المضايقة»، فينال البرنامج نسبة مشاهدة عالية. تخبرنا: «رغم أنّ عودي كان لا يزال طرياً، وكنت متحمّسة لبداية جديدة، ولاختياري من بين محترفين تقدّموا إلى البرنامج، كانت لي جرأة القول إنني أؤمن بأنّ اصطناع شخصية أخرى سيؤدي إلى الفشل. في النهاية، يجب أن أشبه شخصيتي. لا نستطيع فرض أدوار على أنفسنا، فالناس لن تصدّق والرسالة لن تصل».
نحمل الحديث إلى مكان عذب، فنسأل منى أبو حمزة الأم عن أحوالها. تذكر أنّها في سن السابعة، كان الأطفال يتجمّعون حولها لامتهانها الأمومة: «أنا أم منذ الطفولة وأحب الأولاد، فكيف إن أصبح أولادي في سن الشباب؟ عزلة الوباء زادت تعلقي بهم. للأسف، سيضطرون إلى ترك الوطن».
لا مهرب من التوقف عند تجربة تقديمها برنامج «حكايتي مع الزمان» ومواجهة الإنسان مع مرايا سنواته. تتذكر أنّها أرهقتها نفسياً وجعلتها تذرف الدمع، فنقلُ المرء الفجائي من مرحلة عمرية إلى أخرى، مع الحضور الساطع لهاجس الموت في مخيلة الضيوف، شكّل عذاباً لها ولهم. اليوم، تعلن التصالح مع العمر وحتمية الفناء: «لولا أنّ التلفزيون يتطلب مظهراً معيّناً، لما لجأتُ إلى ضرورات التجميل. السلام الداخلي أثمن العطاءات».



ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
TT

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

وأوضح الباحثون من جامعة غرب إنجلترا أن النتائج تؤكد أهمية أصوات الطبيعة، مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة الطبيعية، في تحسين الصحة النفسية؛ ما يوفر وسيلة فعّالة لتخفيف الضغط النفسي في البيئات الحضرية، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «بلوس وان».

وتسهم أصوات الطبيعة في خفض ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب والتنفس، فضلاً عن تقليل التوتر والقلق الذي يتم الإبلاغ عنه ذاتياً، وفق نتائج أبحاث سابقة.

وعلى النقيض، تؤثر الأصوات البشرية، مثل ضوضاء المرور والطائرات، سلباً على الصحة النفسية والجسدية، حيث ترتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق، وقد تؤدي إلى تراجع جودة النوم والشعور العام بالراحة.

وخلال الدراسة الجديدة، طلب الباحثون من 68 شخصاً الاستماع إلى مشاهد صوتية لمدة 3 دقائق لكل منها. تضمنت مشهداً طبيعياً مسجلاً عند شروق الشمس في منطقة ويست ساسكس بالمملكة المتحدة، احتوى على أصوات طبيعية تماماً مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة المحيطة، دون تدخل أي أصوات بشرية أو صناعية، فيما تضمن المشهد الآخر أصواتاً طبيعية مصحوبة بضوضاء مرور.

وتم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر والقلق لدى المشاركين قبل الاستماع وبعده باستخدام مقاييس ذاتية.

وأظهرت النتائج أن الاستماع إلى الأصوات الطبيعية فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستويات التوتر والقلق، بالإضافة إلى تحسين المزاج.

بالمقابل، أدى إدخال ضوضاء المرور إلى تقليل الفوائد الإيجابية المرتبطة بالمشاهد الطبيعية، حيث ارتبط ذلك بارتفاع مستويات التوتر والقلق.

وبناءً على النتائج، أكد الباحثون أن تقليل حدود السرعة المرورية في المناطق الحضرية يمكن أن يعزز الصحة النفسية للإنسان من خلال تقليل الضوضاء؛ ما يسمح بتجربة أصوات الطبيعة بشكل أفضل.

كما أشارت الدراسة إلى أهمية تصميم المدن بشكل يقلل من الضوضاء البشرية، ما يوفر للسكان فرصاً أكبر للتفاعل مع الطبيعة.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية تخطيط المدن بما يعزز التوازن بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة الطبيعية، لتحقيق فوائد صحية ونفسية ملموسة للسكان.