منذ 1992... لا بدائل صلبة للأحزاب الإيطالية التقليدية

برلوسكوني  -  دراغي  -  كراكسي
برلوسكوني - دراغي - كراكسي
TT

منذ 1992... لا بدائل صلبة للأحزاب الإيطالية التقليدية

برلوسكوني  -  دراغي  -  كراكسي
برلوسكوني - دراغي - كراكسي

تتوافق الآراء على أن يوم السابع عشر من فبراير (شباط) عام 1992 هو تاريخ بداية انهيار منظومة الأحزاب السياسية التي حكمت إيطاليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي: حزب «الديمقراطية المسيحية» (الحزب الديمقراطي المسيحي)، والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي... وكلها أصبحت اليوم أثراً بعد عين في المؤسسات التشريعية والإجرائية الإيطالية. الحزب الأول تفتت أشلاء ورثتها القوى اليمينية الجديدة وبعض الأحزاب الوسطية واليسارية المعتدلة. والثاني توزعت شظاياه في كل الاتجاهات. أما الثالث فكان قد بدأ ينهار مع سقوط الاتحاد السوفياتي، بعدما كان ذات يوم أكبر حزب شيوعي في أوروبا الغربية.
في ذلك اليوم منذ ثلاثين سنة في مدينة ميلانو، عاصمة إيطاليا الاقتصادية وثاني كبرى مدنها، قررت مجموعة من القضاة تشكيل منظمة «الأيادي النظيفة» لملاحقة قضايا الفساد السياسي والمالي، وبالأخص، ما يتصل منها بالتواطؤ بين قيادات الأحزاب السياسية وتنظيمات المافيا الإجرامية.
ذلك القرار كان أول مسمار يُدق في نعش الأحزاب التقليدية التي تسارع انهيارها في أقل من خمس سنوات، لكن من دون أن تظهر حتى الآن بدائل مستديمة وراسخة لها. وكان أول البدائل التي ظهرت بعد ذلك الانهيار الملياردير اليميني سيلفيو برلوسكوني.
برلوسكوني ربطته علاقات شخصية وطيدة بزعيم الحزب الاشتراكي بتينو كراكسي، الذي اختار المنفى في تونس، حيث أمضى آخر أيامه، وأيضاً ببعض رموز المافيا التي كانت تمددت وترسخت في مقاطعات الشمال حيث توجد شركات برلوسكوني ومؤسساته الإعلامية، ولكن بعدما تمكّن هذا الملياردير من ملء حيّز واسع من الفراغ الذي تركته الأحزاب التقليدية وتولّى رئاسة الحكومة أربع مرات، بدأ حزبه يتراجع ويتفكك لصالح تنظيمات يمينية متطرفة وشعبوية إلى أن تقلصت شعبيته إلى ما دون 6 في المائة من الأصوات. ومن ثم، بات قاب قوسين من الانهيار النهائي، خاصة بعدما فشلت المحاولة الأخيرة لوصوله إلى رئاسة الجمهورية، التي انسحب من معركتها في البداية إثر تعرض إعلان ترشيحه لمعارضة شديدة، حتى من بعض حلفائه في الائتلاف اليميني.
من الإفرازات الأخرى لانهيار الأحزاب التقليدية كان ظهور حركة «النجوم الخمس» الشعبوية على يد الممثل الفكاهي بيبي غريّو، الذي كان يفاخر بأنها ليست من اليمين ولا من اليسار. هذه الحركة تمكنت في الانتخابات العامة الأخيرة من الفوز بأكبر كتلة برلمانية، ولكن بعدما شاركت في الحكومات الثلاث الأخيرة أخذت شعبيتها تتراجع في جميع الانتخابات الإقليمية والبلدية. وفشلت كل المحاولات لتجديدها واستعادة بريقها، إلى أن بدأت تياراتها الداخلية تتناحر في اتجاهات عدة... وما عاد مستبعداً انفراطها حتى قبل الانتخابات العامة المقبلة.
القوى اليسارية، من جهتها، بعد محاولات عديدة لتجميع قواها تحت عناوين ومسميات مختلفة، انضوى القسم الأكبر منها تحت لواء الحزب الديمقراطي، وهو حزب جديد ورث جينات النزاعات الشخصية الشديدة التي كانت من سمات اليسار الإيطالي طوال عقود، وغالباً ما كانت الورقة الحاسمة في وصول اليمين إلى السلطة.
كل ذلك يجعل الرئيس المخضرم سيرجيو ماتاريلّا شخصية محورية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها إيطاليا سياسياً واقتصادياً، لا سيما بوجود ماريو دراغي في موقع رئاسة الحكومة، حيث يوجد إجماع على بقائه حتى إنجاز الإصلاحات الرئيسة التي وضعها الاتحاد الأوروبي كشروط للحصول على حصة إيطاليا من صندوق الإنعاش. وهي تقارب 200 مليار يورو، أي نحو ثلث المساعدات المقررة للبلدان التي تضررت من جائحة «كوفيد - 19».


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)
صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)
TT

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)
صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

> فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة جمعت الرئيسين.

وللعلم، خلال الولاية السابقة لترمب، التقى بوتين وترمب أربع مرات بصيغ مختلفة: على هامش قمتي «مجموعة العشرين» و«منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ» في عام 2017. ويوم 16 يونيو (حزيران) 2018 في هلسنكي عاصمة فنلندا، وبعد سنة، يوم 29 يونيو 2019. في قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان.

مع ذلك، بعد كل اللقاءات السابقة، ورغم إظهار الاستعداد للحوار، فإن الأزمة في العلاقات بين موسكو وواشنطن تفاقمت. وصعّد المعارضون السياسيون لترمب في الولايات المتحدة هجماتهم عليه، واتهموه بـ«التواطؤ مع موسكو». وهو ما دفعه إلى فرض رُزَم واسعة من العقوبات على روسيا، ليكون الرئيس الأميركي الأكثر صرامة في التعامل مع «الكرملين»، برغم تصريحاته المتكرّرة حول رغبته في الحفاظ على علاقات جيدة مع بوتين.

وفي هذه المرة أيضا، ومع أن ترمب استبق التطورات بتعديل خطابه السابق المُفرط في التفاؤل حول قدرته على وضع حد للصراع حول أوكرانيا في 24 ساعة، ليغدو الوعد «التوصل إلى تسوية في غضون 6 أشهر»، لكن المؤشرات على الأرض - وفقاً للقناعة الروسية - لا تدفع إلى توقع اختراقات كبرى في أي لقاء مقبل. وفي أحسن الأحوال يتوقع «الكرملين» كسراً جزئياً للجليد، وإعادة فتح بعض قنوات الاتصال التي سبق تجميدها سابقاً. وربما، وفقاً لتوقعات أخرى، إعادة تشغيل الحوار حول ملفات التسلح.

باختصار، ترى أوساط روسية أن ترمب سيحاول تقديم الانفتاح على حوار مع روسيا بكونه إطاراً للإيحاء الداخلي بتهدئة التوتر على هذه الجبهة والتفرّغ للأولويات الأبرز التي تضعها إدارته في خططها خلال المرحلة المقبلة.