تصعيد استراتيجي في الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية

TT

تصعيد استراتيجي في الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية

لا شك في أن التخطيط الذي نسبته الاستخبارات التركية و«الموساد» إلى إيران، لاغتيال رجل أعمال إسرائيلي في إسطنبول، يعد تصعيداً ذا طابع جيوسياسي واستراتيجي في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل. فالحديث هنا عن رجل أعمال يصدر التكنولوجيا الاستخبارية، وعن اغتيال إسرائيلي على الأراضي التركية، وعن اغتيال وصف بأنه انتقام إيراني لاغتيال عالم الفيزياء النووية محسن فخري زاده في طهران. وحرب كهذه، إذا سارت على هذا النمط، وقامت إيران بقتل تجار إسرائيليين، وقامت إسرائيل بقتل تجار إيرانيين، على أراضي بلدان أخرى، لن تكون لها حدود. وستجر إلى حرب أكبر حدة وشدة. لقد تبادلت إسرائيل وإيران حتى الآن الضربات، التي تعد الكثير منها شديدة وقاسية، لكن الطرفين حرصا على إبقائها تحت الرادار. لا أحد يتبناها ولا أحد يأخذ مسؤولية مباشرة عنها. فقامت إسرائيل، وفقاً لوسائل إعلام أجنبية، بتنفيذ عمليات تخريب في المفاعلات النووية الإيرانية، آخرها في نطنز في أبريل (نيسان) الماضي، حيث وقع انفجار غامض قطع الطاقة عن منشأة لتخصيب اليورانيوم.
وقبل ذلك بشهر، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن سلاح البحرية الإسرائيلي استهدف سفناً إيرانية لنقل النفط كانت متوجهة إلى سوريا. وقالت إن هذا الاعتداء هو الثاني عشر الذي تنفذه إسرائيل على سفن نقل النفط الإيرانية وبعضها يزود وكلاء طهران بالأسلحة. وأضافت أن مسؤولين أميركيين وإقليميين يحذرون من اشتعال «جبهة جديدة في الصراع بين تل أبيب وطهران».
وتبين أن إسرائيل تقف أيضاً وراء التفجير الذي وقع في شهر يوليو (تموز) الماضي في منشأة نووية في كرج، يقال إنها تنتج أجهزة طرد مركزي لتحل محل تلك التي تضررت في الهجمات السرية السابقة على منشأة نطنز النووية في إيران. وحسب مصادر في تل أبيب، فإن هذه العملية تمت بمصادقة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بنيت، الذي تسلم الحكم في يونيو (حزيران)، وأراد أن يقوم بعمل مهم يساهم في تثبيت أقدامه في الحكم والبرهنة على أنه يصلح قائداً يجابه التحدي الإيراني.
لكن الضربات الأقوى التي وجهتها إسرائيل على الأراضي الإيرانية ونشرت بشكل صارخ، هي عملية اغتيال عالم الذرة محسن فخري زاده في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وسرقة الأرشيف النووي الإيراني في يناير (كانون الثاني) 2018، من مخزن في طهران العاصمة وتحميله على سيارة شحن وعبور الحدود ووصوله إلى تل أبيب.
بالمقابل، قامت إيران بالرد الانتقامي بعمليات محدودة. فهي لم تتمكن من تنفيذ عمليات في قلب إسرائيل، مع أنها نجحت في تجنيد عدد من الإسرائيليين للتخابر معها. وقبل شهرين، كشفت إسرائيل خلية من المواطنين اليهود ذوي الأصول الإيرانية لخدمة الاستخبارات في طهران، وقالت إنها ألقت القبض على أفرادها قبل أن يقدموا خدمات جدية. وكانت إسرائيل قد اعتقلت وزيراً سابقاً في حكومتها، غونين سيجف، وأدانته بتهمة تقديم خدمات لإيران. وحكمت عليه بالسجن 11 عاماً.
وأقدمت إيران على عمليات تفجير وتخريب في السنتين الأخيرتين ضد سفن تجارية يملكها إسرائيليون، قبالة شواطئ عمان. ونفذت إيران سلسلة هجمات سايبر، شلت إحداها شبكتي المياه والكهرباء في إسرائيل لعدة ساعات وردت إسرائيل بهجمة مضادة شلت فيها حركة السفن والقطارات في إيران. وخلال السنوات الأخيرة يتبادل الطرفان هجمات سايبر بشكل حثيث. ويتولى هاكرز من الطرفين إدارة معارك سايبر على مستوى منخفض.
إلا أن محاولة إيران اغتيال إسرائيلي على أرض تركيا، في الوقت الذي تتحسن فيه العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، والتهديد الإيراني غير المباشر بأن توثيق العلاقات بين إسرائيل والإمارات سيكلف ثمناً، يحدثان قلقاً لافتاً في إسرائيل بأن هناك تصعيداً استراتيجياً. وحتى لو استمر الطرفان في إجراء هذه الضربات المتبادلة تحت الرادار، فإنها تحمل في طياتها تهديداً للرادار نفسه.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».