فرنسا تقترب من محاكمة مرتكبي جرائم حرب وضد الإنسانية في سوريا

برلمانها صوّت لصالح مشروع قانون قبل إقراره في «الشيوخ»

أنور رسلان (يمين) في محكمة كوبلنز الألمانية التي حكمت عليه منتصف يناير بالسجن المؤبد لجرائم ضد الإنسانية ارتكبها بدمشق (رويترز)
أنور رسلان (يمين) في محكمة كوبلنز الألمانية التي حكمت عليه منتصف يناير بالسجن المؤبد لجرائم ضد الإنسانية ارتكبها بدمشق (رويترز)
TT

فرنسا تقترب من محاكمة مرتكبي جرائم حرب وضد الإنسانية في سوريا

أنور رسلان (يمين) في محكمة كوبلنز الألمانية التي حكمت عليه منتصف يناير بالسجن المؤبد لجرائم ضد الإنسانية ارتكبها بدمشق (رويترز)
أنور رسلان (يمين) في محكمة كوبلنز الألمانية التي حكمت عليه منتصف يناير بالسجن المؤبد لجرائم ضد الإنسانية ارتكبها بدمشق (رويترز)

اجتازت فرنسا خطوة مهمة، لكنها ليست كافية، لجهة تطبيق مبدأ منع الإفلات من العقاب ومحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أي مكان من العالم، خصوصاً في سوريا أمام المحاكم الفرنسية.
وجاء هذا التطور، بفضل تصويت البرلمان الفرنسي، أول من أمس، على مشروع قانون تقدمت به الحكومة، وينتظر أن يصوت عليه أيضاً مجلس الشيوخ حتى يصبح نهائياً. ونفت مصادر برلمانية، أمس، وجود أي صعوبة للحصول على موافقة مجلس الشيوخ في الأيام القليلة المقبلة، علماً بأن الدستور الفرنسي ينص على أن الكلمة الأخيرة، في حال الاختلاف، تعود لمجلس النواب.
ووزعت الخارجية الفرنسية بياناً صادراً عنها وعن وزارة العدل، أشارت فيه إلى أن القانون المرتقب سيمكن الحكومة من المصادقة على اتفاقية التعاون القضائي بين فرنسا وبين الأمم المتحدة ممثلة بـ«الآلية الدولية المحايدة والمستقلة» الخاصة بسوريا. أي، أن باريس ستتمكن من نقل المعلومات المتوافرة لديها إلى الآلية الدولية، الأمر الذي لم يكن متاحاً سابقاً.
وجاء في البيان، أن هذا التطور يندرج في إطار «الأولوية التي توليها فرنسا لمحاربة إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب». وزاد، أن وزارة الخارجية الفرنسية سلّمت، منذ العام 2015، معلومات لمدعي عام الجمهورية حول انتهاكات ارتكبها النظام السوري مكّنت النيابة العامة من فتح 40 تحقيقاً أولياً تخص سوريا بتهمة «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية» بالاستناد إلى الصور الفوتوغرافية التي نقلها المصور العسكري «قيصر» والعائدة للأعوام 2011 إلى 2013، لافتاً إلى الحكم الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن محكمة التمييز التي هي أعلى هيئة قضائية، والذي حجب المحاكمة عن عميل للنظام السوري تحوم حوله شبهات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحجة أن العمل بمبدأ «الولاية الجزائية الدولية» لا تتوافر عناصره، وتحديداً مبدأ ما يسمى «التجريم المزدوج»، بمعنى أن تكون التهم التي يحاكم بها الشخص المعني تعدّ تهماً وفق قانون البلد الذي ينتمي إليه. والحال، أن سوريا لا ينص قانونها على «جرائم حرب» أو «جرائم ضد الإنسانية»، وبالتالي فإن محكمة التمييز حجبت المحاكمة عن المتهم «عبد الحميد س»؛ الأمر الذي نظرت إليه الصحافة الفرنسية ومنظمات الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان على أنه «فضيحة» لأنه يحوّل فرنسا إلى «ملجأ للقتلة».
من هنا، أهمية الفقرة الواردة في البيان الوزاري المزدوج، وفيها أن «حكم محكمة التمييز، في أي حال، يمكن أن يكون محل إعادة نظر” بمعنى أن حكما جديدا يمكن أن يبطل الحكم السابق. وتؤكد وزارتا الخارجية والعدل أنهما تتابعان عن كثب ما سيصدر عن القضاء في الأسابيع المقبلة، وأنهما «جاهزتان للتدخل بما في ذلك على المستوى التشريعي التي يفترض توافرها لتمكين فرنسا من مواصلة عملها بحزم، في إطار التزامها بمحاربة الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم الدولية».
هذه الإشارة تحيل إلى قضية السوري مجدي نعمة، النقيب السابق في الجيش السوري الذي انشق عنه والتحق بفصيل «جيش الإسلام» الذي كان يحارب النظام في غوطة دمشق، متخذاً لقب «إسلام علوش»، وأصبح لاحقاً ناطقاً باسمه. واعتقل علوش البالغ من العمر 33 عاماً والذي وصل إلى فرنسا أواخر العام 2019 في يناير (كانون الثاني) اللاحق خلال إقامته في مدينة مرسيليا (جنوب البلاد) التي أتاها طالباً من تركيا بفضل حصوله على منحة جامعية لإتمام بحث حول النزاع المسلح في سوريا.
وخلال هذه الفترة، قدم «المركز السوري للحرية والإعلام» شكوى ضد «جيش الإسلام» بتهمة «ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين» إبان سيطرته على الغوطة الشرقية المحاذية لدمشق. ولاحقاً، وجهت تهم رسمية لعلوش، منها التعذيب والخطف، خصوصاً بحق خطف وتعذيب الصحافية والمحامية السورية رزان زيتونة وثلاثة آخرين معها نهاية 2013. وحتى تاريخه، لم يظهر لهم أثر.
وينفي علوش هذه التهم، ويؤكد أنه غادر الغوطة إلى إسطنبول قبل سبعة أشهر من عملية الخطف. ويسعى علوش ومحاموه، إضافة إلى هذه الدفوع، إلى الاتكاء إلى مبدأ «التجريم المزدوج» لإثبات أنه لا يحق للمحكمة ملاحقته لانتفاء «الولاية الجزائية الدولية» من جهة ولأن التهمة الموجهة إليه «الإخفاء القسري» لا يمكن الأخذ بها إلا إذا كانت من فعل أشخاص يعملون إنفاذاً لأوامر حكومية، والحال أن «جيش الإسلام» ليس جهة حكومية.
ويستند محامو علوش إلى الحكم الصادر عن محكمة التمييز المشار إليه سابقاً لطلب إخلاء سبيل موكلهم الأمر الذي كرروه خلال الجلسة الأخيرة لمحكمة الاستئناف في باريس التي عقدت في السابع من الشهر الحالي. والحال، أن هذه المحكمة، في جلستها المغلقة، قررت إصدار حكمها في الرابع من أبريل (نيسان) المقبل. وعندما يلمح البيان الوزاري المزدوج إلى متابعة لما سيصدر عن القضاء في الأسابيع المقبلة، فإنه يشير إلى استحقاق إصدار الحكم في قضية علوش. من هنا، أهمية ما سيصدر عن محكمة الاستئناف بداية أبريل لمعرفة المسار الذي ستسلكه الحكومة، علماً بأن محامي علوش قادرون على نقل القضية أمام محكمة التمييز.
واضح، أن باريس تريد «تصحيح» الخطأ التشريعي الذي يحول دون التوفيق بين تصريحاتها حول معاقبة منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم حرب من جهة وما تتيحه قوانينها فعلياً ميدانياً؛ حتى تتمكن من تفعيل مبدأ «الولاية الجزائية الدولية» بالنسبة لدول لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية من جهة ولا تنص قوانينها على هذه الجرائم الخطيرة. وإضافة إلى ما تعتبره باريس «إنجازاً» لجهة التواصل مع «الآلية الدولية» المنبثقة عن الأمم المتحدة والتحقيقات الأربعين التي يلاحقها قضاؤها، فإن فرنسا تنوه بالدور الذي تقوم به في إطار منظمة منع الأسلحة الكيميائية وسعيها لإدانة النظام السوري بسبب استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد شعبه، أكثر من مرة، وقد نجحت في حرمانه من حقوقه داخلها. كذلك، نوّه البيان بإطلاق باريس وترؤسها «المبادرة الدولية ضد إفلات مستخدمي الأسلحة الكيماوية من المحاسبة» التي تضم، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، أربعين دولة. لكن الاختبار الحقيقي سيحل موعده مع انتهاء المعركة القانونية الخاصة بمحاكمة إسلام علوش ومعرفة ما سيصدر عن محكمة الاستئناف وكيفية تصرف السلطات بعدها.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».