جولة مفاوضات تركية ـ أميركية حول «إف 35»

أنقرة هددت ببحث السيادة على جزر في بحر إيجه إذا واصلت اليونان تسليحها

TT

جولة مفاوضات تركية ـ أميركية حول «إف 35»

أكدت تركيا استمرار المفاوضات مع الولايات المتحدة للحصول على مقاتلات «إف - 16» مقابل المبلغ الذي دفعته من قبل لاقتناء مقاتلات «إف 35» التي رفضت واشنطن تزويدها بها بسبب حصولها على منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس 400». ومن ناحية أخرى، هددت أنقرة ببحث إعلان السيادة على جزر في بحر إيجه إذ لم تتوقف اليونان عن تسليحها.
وقالت وزارة الدفاع التركية إنها تتوقع أن تستضيف الولايات المتحدة جلسة المحادثات الثانية بين واشنطن وأنقرة، بشأن تسوية ملف مقاتلات «إف - 35»، خلال شهر فبراير (شباط) الحالي.
في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، أن محادثات «إف - 16» مستمرة. وأضاف جاويش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية، أمس، أن: «مشكلة المقاتلات «إف - 35»، هي أننا يجب أن لا نجلس وننتظر تغيير الطاولة في هذه الأمور، ينبغي النظر في خيارات أخرى... تستمر المناقشات للحصول على الجيل الجديد من طائرات «إف - 16»، ومعدات تحديث الطائرات الموجودة لدينا حاليا». وتابع أن «العلاقات مع الولايات المتحدة في وضع أفضل مقارنة بالسنوات السابقة، وعلى الأقل لا يوجد توتر من حيث الخطاب، لدينا القليل من الهدوء والمزيد من الحوار... نحن بحاجة إلى تحويل هذه إلى خطوات ملموسة». في سياق آخر، قال جاويش أوغلو إن بلاده ستبحث مسألة السيادة على جزر بحر إيجة ما لم تتخل اليونان عن تسليحها، وإن تركيا بعثت برسالتين إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك اليونان وضع الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة. وذكر أن هذه الجزر منحت لليونان بموجب اتفاقيتي لوزان وباريس للسلام بشرط نزع سلاحها، لافتا إلى أن أثينا بدأت انتهاك ذلك في الستينيات.
في الإطار ذاته، أعلنت وزارة الدفاع التركية أن اليونان انتهكت الوضع غير العسكري لجزر بحر إيجة 229 مرة خلال العام الحالي. وقالت المتحدثة باسم الوزارة الدفاع بينار كارا، في مؤتمر صحافي أمس، إن اليونان ارتكبت 229 انتهاكاً منذ مطلع عام 2022 بحق الجزر ذات الوضع غير العسكري عبر المركبات البحرية والجوية العسكرية. وأشارت كارا إلى ضبط 296 شخصاً، بينهم 28 إرهابيا اجتازوا حدود تركيا بطرق غير قانونية خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
وعن التوتر بين روسيا وأوكرانيا، قال جاويش أوغلو إن فكرة الوساطة التركية بين روسيا وأوكرانيا ظهرت لوجود علاقة جيدة مع كلا البلدين، مشيرا إلى أن جهودنا في هذا الصدد ينظر إليها من قبل الجميع بامتنان. وأضاف أن تركيا اتخذت خطوات لتخفيف التوتر بين البلدين، وأنها تواصل اتصالاتها في العلن وخلف الكواليس وأن حل الأزمة بشكل جذري قد يستغرق بعضاً من الوقت، مشددا على ضرورة اتخاذ خطوات جادة لبناء الثقة. وقال إن أوكرانيا ردت بشكل إيجابي على مبادرتنا لإجراء محادثات مع روسيا. كما لم تغلق روسيا الباب أمام المشاركة في مثل هذا الاجتماع. لكن المناقشات مستمرة، بما في ذلك تحديد المواعيد.
وتابع جاويش أوغلو أن موسكو لم تتخل تماما عن خيار المفاوضات مع كييف بوساطة أنقرة، منتقدا ما وصفه بـ«دبلوماسية مكبر الصوت» التي يتبعها الغرب في تعامله مع روسيا.
ولفت إلى أن التصريحات التي تصدر عن بعض الدول الغربية بشأن احتمال «غزو روسيا» لأوكرانيا، لا تؤدي إلا إلى زيادة الذعر وتدهور الوضع الاقتصادي هناك، مضيفا: «يجب تجنب التصريحات غير الضرورية.
المزاعم بأن روسيا ستغزو أوكرانيا اليوم ستسبب اضطرابات في أوكرانيا غدا. وهذا يتسبب أيضاً في أضرار اقتصادية لأوكرانيا وعملتها الوطنية». وأكد أن تركيا تساهم في حل الأزمة عبر كل المنصات الدولية، على مستوى حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وعلى المستوى الثنائي والثلاثي.
وبشأن العلاقات مع إسرائيل، أفاد جاويش أوغلو بأن عملية الحوار مع إسرائيل لا يعني التنازل عن القضية الفلسطينية، أو التخلي عن قضايا جوهرية مثل قضية القدس والقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى. وأضاف «لن نطبع علاقاتنا مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، وتل أبيب تعرف ذلك جيدا».
من ناحية أخرى، أكد جاويش أوغلو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يواصل العمل من منزله وزيارته إلى الإمارات العربية ستكون في موعدها. وتطرق إلى تطوير العلاقات مع دول الخليج، قائلا: «لقد أصبحنا دولة مهمة في سلسلة التوريد. مهمتنا هي إزالة الحواجز... ما قلناه في العلاقات الثنائية هو المصلحة المتبادلة... بالطبع العلاقات الجيدة مفيدة لكلا الطرفين».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟