السلطة اللبنانية «تروّض» القضاء... وتحقيق المرفأ أكبر الضحايا

TT

السلطة اللبنانية «تروّض» القضاء... وتحقيق المرفأ أكبر الضحايا

«القضاء ليس بخير»... بهذه العبارة لخّص مرجع قضائي واقع العدالة في لبنان، بعدما عصفت بالقضاء كلّ الأزمات وأنهكته التدخلات، حتى تحوّل من سلطة لـ«إحقاق الحقّ»، إلى «وسيلة ارتهان» لأهل السياسة، لكنّ هذا الاعتراف لم يعف «حرّاس العدالة» من مسؤولية ما آلت إليه الأمور. ثمّة من يحمّلهم تبعات الخضوع للمنظومة السياسية، سواءٌ بالترغيب أو بالترهيب، وهذا ما تجلّى في تعاطي المرجعيات القضائية مع ملفّ التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، حيث ارتضى بعض المحاكم وقضاتها، أن يكونوا وسيلة لتعطيل هذا الملفّ، مراعاة لأطراف سياسية متضررة من المسار الذي يسلكه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
ليس بمقدور المراجع القضائية في لبنان إنكار الهيمنة السياسية على الأداء القضائي ولا حتى توريته. التدخّل السافر فضح الجميع، وليس أدلّ على ذلك من التهديد الذي تلقاه البيطار في مكتبه داخل «قصر العدل» من المسؤول الأمني في «حزب الله» وفيق صفا، من دون أن يجرؤ القضاء على فتح تحقيق ولو كان شكلياً، وانطلاقاً من هذا الواقع لا ينكر مصدر قضائي بارز، أن «سرطان السياسة تسلل إلى الجسم القضائي وأنهكه». ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «صراعات أهل السياسة تترجم في أروقة قصر العدل، وقد نجحت في تعطيل مرفق العدالة بكل نواحيه»، كاشفاً عن أن «مجلس القضاء الأعلى الذي جنّد كل طاقاته من أجل إعداد تشكيلات قضائية جزئية، تنهي الشلل والفراغ على مستوى محاكم التمييز، انقسم على نفسه وأخفق بالوصول إلى صيغة مقبولة لهذه التشكيلات».
وتهدف التشكيلات القضائية الجزئية إلى تحقيق أمرين أساسيين، الأول ملء الفراغ على مستوى رؤساء محاكم التمييز، والآخر، وهو الأهم: إنهاء التعطيل الذي يضرب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بما يمكّنها من البتّ بدعوى ردّ القاضي البيطار المقدمة من الوزير السابق يوسف فنيانوس، والتصدّي لدعاوى جديدة مشابهة قد تقدّم في المرحلة المقبلة. ولم يخف المصدر القضائي أن «الانقسام بات حاداً حول اختيار رؤساء محاكم التمييز الذين يتحوّلون حكماً أعضاء في الهيئة العامة لمحكمة التمييز». ويجزم بأن «الاصطفاف بات واضحاً، بحيث بات رئيس مجلس القضاء الأعلى (القاضي سهيل عبّود) شبه محاصر من معظم أعضاء المجلس الذين يرفضون بشكل قاطع تثبيت ثلاثة قضاة كرؤساء في محاكم التمييز، وهم: ناجي عيد، رندا كفوري وجانيت حنّا». ويبرر المصدر هذا الحصار بـ«النقمة العارمة على كلّ قاضٍ اتخذ قراراً برفض تنحية المحقق العدلي طارق البيطار، وهذا ما يسري على القضاة المذكورين، الذين سبق لهم وردّوا دعاوى مماثلة أريد من خلالها (قبع) البيطار من مركزه وإيلاء مهمة التحقيق العدلي لقاضٍ آخر».
ويقف المتضررون من انفجار المرفأ أمام حالة فريدة في تاريخ العدالة، وهم لا يحمّلون المنظومة السياسية سبب «ضرب القضاء وتفريغه»، بل يحمّلون القضاء نفسه مسؤولية الشلل، والامتناع عن «إحقاق الحقّ». ويرى المحامي مازن حطيط، وكيل عدد من الضحايا أنه «لا وجود لأي مبرر لامتناع القضاء عن القيام بواجبه بجريمة دمّرت العاصمة وفجعت كلّ اللبنانيين». وشنّ هجوماً عنيفاً على القضاء، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة ليست سياسية فحسب، بل في القضاء نفسه الذي اختار طوعاً أن يكون مرتهناً، ومطيّة هذه السلطة المجرمة». ويضيف «القضاء تخلّى طوعاً عن مسؤولياته على صُعد عدّة، وترك العصابات المتحكّمة بالبلد تمارس إجرامها على المواطنين».
ولا يزال ملفّ التحقيق بانفجار مرفأ بيروت عالقاً أمام مرجعين، الأول الهيئة العامة المحكمة التمييز، التي تعجز عن البت بدعوى مخاصمة الدولة المقدّمة من الوزير السابق يوسف فنيانوس، بسبب ما أسماها «الأخطاء الجسيمة» التي ارتكبها البيطار، بفعل الادعاء عليه وإصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، والآخر أمام محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضية رولا المصري، المكلّفة النظر بدعوى ردّ رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز القاضي ناجي عيد الموكل إليه البتّ بدعوى تنحية القاضي البيطار.
ويحمّل المحامي مازن حطيط، رئيس مجلس القضاء الأعلى مسؤولية «إنهاء التحقيق» بقضية المرفأ. ويسأل «ما هو مبرر إحالة دعوى ردّ القاضي عيد إلى القاضية رولا المصري في الوقت نفسه الذي توفي زوج الأخيرة وكانت تلازم منزلها؟ أليس أمراً مريباً أن تسليم القاضية المصري ملفاً بهذا الحجم، قبل أسابيع من إحالتها على التقاعد». (تحال على التقاعد في نهاية شهر فبراير/شباط الحالي). وإذ يتوعّد وكلاء أهالي الضحايا والمصابين بأنهم لن يبقوا مكتوفي اليدين، وأنهم بصدد فضح كلّ ما يحصل أمام الرأي العام، يؤكد المحامي مازن حطيط، أن «ما يجري ارتهان كامل من القضاء للسلطة السياسية، وخضوع كلّي لرغبة الثنائي الشيعي بتعطيل ملفّ المرفأ». ويختم «معركتنا المقبلة لا تقف عند ملفّ المرفأ الذي انتهى عملياً بصفقة سياسية - قضائية، بل هي معركة تحرير القضاء من أسر السياسة، وتحميل المراجع القضائية الحالية مسؤولية ما آلت إليه أوضاع العدالة؛ لأنهم ارتضوا أن يتحوّلوا أداة طيعة بيد منظومة الفساد السياسي».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.