الاحتجاجات على القيود الصحية في كندا متواصلة وسط مخاوف اقتصادية

شاحنات «قافلة الحرية» تغلق الطرق وسط العاصمة أوتاوا (رويترز)
شاحنات «قافلة الحرية» تغلق الطرق وسط العاصمة أوتاوا (رويترز)
TT

الاحتجاجات على القيود الصحية في كندا متواصلة وسط مخاوف اقتصادية

شاحنات «قافلة الحرية» تغلق الطرق وسط العاصمة أوتاوا (رويترز)
شاحنات «قافلة الحرية» تغلق الطرق وسط العاصمة أوتاوا (رويترز)

تصاعدت المخاوف بشأن التأثير الاقتصادي لاحتجاجات سائقي الشاحنات في كندا التي لم تضعف مع بلوغها اليوم الأربعاء يومها الثالث عشر، رغم بدء الإعلان عن تخفيف القيود الصحية في أجزاء من البلاد.
إضافة إلى شوارع العاصمة الفيدرالية أوتاوا، التي تشلها الاحتجاجات المناهضة للإجراءات الصحية منذ نهاية يناير (كانون الثاني)، يريد سائقو الشاحنات وأنصارهم ضرب الاقتصاد عبر شل بعض طرق التجارة الأساسية. وزاد إغلاق جسر «أمباسادور» الأساسي على الحدود مع الولايات المتحدة منذ الاثنين حدة التوتر، فرغم ما لأوتاوا من رمزية قوية فإنها ليست عاصمة اقتصادية.
من جهته، قال وزير الصناعة، فرنسوا فيليب شامباني، عبر «تويتر» اليوم إن «عمليات التعطيل غير القانونية يجب أن تنتهي». وأضاف أن الجسر «حيوي» لسلاسل الإمداد الكندية، مشيرا إلى أن «آلاف العمال والشركات يعتمدون عليه». والجسر المعطل الذي يربط أونتاريو بديترويت في الولايات المتحدة، بالغ الأهمية لصناعة السيارات، ولكن أيضا للمستشفيات الأميركية التي توظف العديد من الممرضات الكنديات.
وقال رئيس الاتحاد الكندي لمصنعي السيارات، براين كينغستون، مطالبا بإنهاء الاحتجاجات، إن «التعطيلات على الحدود الكندية تهدد سلاسل الإمداد الهشة التي تتعرض فعلا لضغوط بسبب النقص والتأخير المرتبطين بالوباء». ويأتي إغلاق جسر «أمباسادور» في «لحظة حرجة»، وفق المحللة في موقع «أوتوترايدر» الأميركي لشراء وبيع السيارات ميشيل كريبس.
وفي العادة، يعبر هذا الجسر يوميا نحو 40 ألف شخص وما يعادل 323 مليون دولار أميركي من البضائع. أما أستاذ الاقتصاد بجامعة أوتاوا، جيل لافاسور، فاعتبر أنه «عندما يشكل هذا النوع من التعطيل عائقا أمام النمو الاقتصادي وإنتاج السلع... يجب أن تتدخل الحكومة الفيدرالية». وأضاف لافاسور «في الوقت الحالي، لا نرى إرادة سياسية للمضي في هذا الاتجاه للتعامل فعليا مع التعطيل».
وبدا المأزق شاملا صباح اليوم، إذ تمسك رئيس الوزراء جاستن ترودو بخطابه السابق قائلا في تصريحات للصحافة: «أتفهم مدى إرهاق الناس وإحباطهم... لكن باتباع العلم، من خلال التطعيم، سنتجاوز الأزمة». وفي شوارع العاصمة الفيدرالية أوتاوا مركز الحركة الاحتجاجية، لم يتغير الوضع منذ 13 يوما، إذ لا تزال مئات من شاحنات نقل البضائع الثقيلة مرابطة قرب مبنى البرلمان ومكتب رئيس الوزراء.
وأقام متظاهرون حفلات شواء وسط الشارع لإطعام سائقي الشاحنات وأنصارهم، فيما لعب آخرون كرة القدم حول صفائح البنزين التي تستخدم لتزويد الشاحنات بالوقود بشكل مستمر، وحلقت فوق المكان مروحية للشرطة الفيدرالية.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أبدى مارك هاريغان (63 عاما) سعادته بإعلان إلغاء شهادة التلقيح أمس الثلاثاء في ألبرتا وساسكاتشوان، معتبرا أن السياسيين «بدأوا أخيرا يفهمون». وأضاف «آمل أن يفوا بالتزاماتهم ويتخلوا عن الإجراءات نهائيا». واضعا قبعة كتب عليها «كندا» وحاملا علم بلاده على كتفيه، يعتقد هذا العامل من أونتاريو أن الإجراءات تسببت بالفعل في «كوارث» ستبقى «لسنوات طويلة».
لكي تتوقف الاحتجاجات «يجب التخلي عن كل القيود (المرتبطة بكوفيد - 19) في كندا»، وفق غوران دزيلاجليا (50 عاما) من أونتاريو الذي ينام ويأكل في شاحنته منذ بدء الحراك رغم تلقيه جرعتي لقاح.
وأعلنت محافظتا ساسكاتشوان وألبرتا (وسط) الثلاثاء التخلي عن شهادة التلقيح، معتبرتين أن «فوائدها لم تعد تفوق تكاليفها». وللمرة الأولى منذ تطبيق القيود الجديدة المرتبطة بموجة أوميكرون، أعلنت كيبيك عن جدول زمني مفصل لتخفيف القيود. وكانت الحركة التي سميت «قافلة الحرية» تهدف في الأصل إلى الاحتجاج على قرار إلزام سائقي الشاحنات بتلقي اللقاح لعبور الحدود مع الولايات المتحدة، لكنها سرعان ما تحولت إلى حراك ضد الإجراءات الصحية ككل وضد الحكومة.
مذاك، توسع الاحتجاج وانتشر إلى خارج كندا، فقد صار المتظاهرون الكنديون ضد الإجراءات الصحية أبطالا جددا للمحافظين ومعارضي القيود الذين يطالبون بتعبئة أكبر من نيويورك إلى نيوزيلندا.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.