فضيحة التجسس عبر «بيغاسوس» ترتد داخلياً على إسرائيل

تأجيل محاكمة نتنياهو واختصار زيارة قائد الشرطة الخارجية

فرع شركة «NSO» المنتجة لبرنامج «بيغاسوس» جنوب إسرائيل (أ.ف.ب)
فرع شركة «NSO» المنتجة لبرنامج «بيغاسوس» جنوب إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

فضيحة التجسس عبر «بيغاسوس» ترتد داخلياً على إسرائيل

فرع شركة «NSO» المنتجة لبرنامج «بيغاسوس» جنوب إسرائيل (أ.ف.ب)
فرع شركة «NSO» المنتجة لبرنامج «بيغاسوس» جنوب إسرائيل (أ.ف.ب)

رضخ رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، للضغوط الجماهيرية، وأعلن، أمس الثلاثاء، عن إجراء «المشاورات اللازمة لتشكيل لجنة تحقيق حكومية أو رسمية»، في فضيحة قيام الشرطة باستخدام برنامج «بيغاسوس»، الذي طورته مجموعة NSO، ضد الإسرائيليين أنفسهم. قرر قائد الشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي، أمس، اختصار زيارته للإمارات والعودة لمواجهة التداعيات.
الشرطة قالت في بيان، أمس الثلاثاء، إنه في ضوء المزاعم المذكورة، سيعود كوبي شبتاي من الإمارات العربية المتحدة في وقت مبكر «لمتابعة التطورات عن كثب»، بعد أن كانت الزيارة تهدف إلى إقامة علاقات بين قوات الشرطة في الدولتين. وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، من جهته، بمتابعة جدية من حكومته للمسألة، فيما حضّ سلفه نتنياهو على إنشاء «لجنة تحقيق مستقلة».
وتفاقمت الأزمة الداخلية، بعد أن قام الصحافي المحقق في صحيفة «كلكليست» الاقتصادية، تومر غانون، بنشر قائمة جديدة من ضحايا هذا التجسس، تبين منها، أنها تشمل مسؤولين كباراً في الحكومة حتى درجة مدير عام وزارة، ورؤساء سلطات محلية، وصحافيين، وأفراد عائلة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ومستشاريه. وبسبب ذلك توقفت محاكمة نتنياهو، أمس الثلاثاء، وطلب القضاة من النيابة إعطاء رأيها في الموضوع، وإن كانت ترى أن المواد التي تم تحصيلها من الشهود بهذه الطريقة يمكن أن تكون مقبولة، أم من الضروري شطبها والتنازل عنها، مما يخفف الحكم على نتنياهو.
وصرح المحامي إيتاي ماك، لوكالة الصحافة الفرنسية، الذي يعمل مع آخرين لمقاضاة شركة «أن أس أو» المنتجة لبرنامج التجسس، موكلا عن صحافيين مجريين تعرّضوا للتجسس بشكل غير قانوني، بأنه «مع تضاعف مبيعات بيغاسوس في الخارج، كانت هناك عملية تطبيع لاستخدامه داخلياً». وأضاف إيتاي ماك، معلقاً على الكشف عن تجسس طال عائلة نتنياهو وشهود في قضيته: «إنه تحوّل مذهل بالنسبة لرجل قيل إنه استخدم برنامج التجسس بيغاسوس كأداة دبلوماسية، وقد ارتدت عليه».
وكتبت الصحافية سيما كادمون في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الأكثر انتشاراً في إسرائيل، «بعد قراءة كلكاليست، بدأنا نعتقد أن هذا البلد قد لا يكون ديمقراطياً». وأضافت: «إذا كانت الدولة تعمل بالفعل على هذا النحو (...)، فنحن حقاً مثل رومانيا في عهد تشاوشيسكو أو تشيلي بينوشيه».
ودعا وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، الاثنين، وزارة العدل إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية في الموضوع.
هذا وبين المستهدفين، مستوطنون من الضفة الغربية قبيل عمليات إخلاء لبؤر استيطانية غير قانونية، ومستشارا نتنياهو يوناتان أوريخ وتوباز لوك، ورؤساء بلديات؛ وقادة احتجاجات حقوق المعوقين وقادة احتجاجات الإثيوبيين وقادة الاحتجاجات ضد نتنياهو. وفي الإجمال، استخدمت الشرطة برنامج «بيغاسوس»، لاختراق هواتف عشرات الأشخاص غير المشتبه بارتكابهم جرائم، ودون أي إشراف قضائي، بحسب صحيفة «كالكاليست». ولم يحدد التقرير وقت حدوث الاختراق المزعوم.
وقال المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، إيلي ليفي، أمس، إن «مؤسسته منفتحة على (إجراء تحقيق كامل وشفاف)». ولكنه ادعى بأنه «حتى الآن لم يظهر أي خلل في عمل الشرطة. كل شيء تم بشكل قانوني بأمر موقّع من المحكمة».
وقد أثارت هذه القضية ردود فعل واسعة في الحلبة السياسية. وفي حين اعتبرها وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، زلزالاً مدوياً بدرجة 9 في سلم ريختر، استغلها نتنياهو ليطالب بوقف محاكمته. بينما قال رئيس الدولة، يتسحاق هرتسوغ، إن «المسألة تتطلب إجراء تحقيق معمق وشامل. فلا يمكننا أن نخسر ديمقراطيتنا، ولا يمكننا أن نخسر الشرطة، ولا يمكننا أن نخسر دعم الجمهور لها».
وصرح رئيس القائمة المشتركة للأحزاب العربية، أمس، بالقول، إن هناك «عهرا كبيرا في التعاطي مع هذه الفضيحة». مشددا على أن «الشاباك هو صاحب سياسة التجسس على المواطنين. ولكنه فعل ذلك ضد الفلسطينيين وضد النشطاء السياسيين للمواطنين العرب في إسرائيل، وضد أنصار السلام اليهود، وقتها بقيتم صامتين». وتساءل عن سبب تركز الفضيحة في الشرطة وحدها. لافتاً إلى أن «قائد الشرطة روني الشيخ، الذي بدأ استخدام التجسس في عهده، هو قائد كبير في الشاباك جلبه نتنياهو في حينه من هناك، وعينه رئيساً للشرطة»، معتبراً أن هذه أساليب مخابرات الشاباك وهو المتهم الأول بها، فضلا عن القيادة السياسية التي كان يعمل تحت كنفها، «أكان ذلك بنيامين نتنياهو، أو نفتالي بنيت، الذي أكمل طريقه في هذا الموضوع»، بحسب تعبيره.
في السياق، لفت يوهانان بليسنر، مدير المعهد الديمقراطي الإسرائيلي، وهو مركز أبحاث في القدس، أن «الديمقراطية الإسرائيلية تمرّ بلحظة محورية والثقة فيها على المحك»، داعياً إلى تشكيل لجنة تحقيق بشأن استخدام تكنولوجيا المراقبة. كما حضّ السياسيين على القيام بذلك، وعلى «تحديث» القوانين لحماية الحياة العامة.
تجدر الإشارة إلى أن بين ضحايا القائمة التي كشف عنها أمس، في اختراق الهواتف، المديرون العامين لوزارات المالية والعدل والاتصالات والمواصلات آنذاك، ورجلي الأعمال البارزين، رامي ليفي وإيلان يشوعا، والرئيس التنفيذي السابق لموقع «واللا» الإخباري وهو حالياً شاهد رئيسي في محاكمة نتنياهو؛ ورئيسة بلدية نتانيا، ميريام فايبرغ؛ وأفنير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء السابق؛ وقادة احتجاجات الإسرائيليين من أصول إثيوبية ضد الشرطة وشاي باباد، والمدير السابق لوزارة المالية وخليفته في المنصب، مديرة وزارة المالية السابقة كيرين تيرنر إيال، والمديرة العامة السابقة لوزارة العدل، إيمي بالمور، التي تم استهدافها بحسب التقرير، وكانت ترأست لجنة معنية بالقضاء على العنصرية ضد الإسرائيليين من أصول إثيوبية وانتقدت الشرطة، ومديرة وزارة المواصلات آنذاك، كيرين تيرنر إيال.
شملت القائمة أيضاً سلسلة من الشخصيات المرتبطة اليوم ارتباطاً وثيقاً بمحاكمة نتنياهو الجنائية الجارية، وقد ورد ذكر أسماء بعضهم في تقارير سابقة حول إساءة استخدام الشرطة المزعومة لبرامج التجسس: شلومو فيلبر، المدير العام السابق لوزارة الاتصالات؛ إيريس إلوفيتش، زوجة شاؤول إلوفيتش، المساهم المسيطر السابق في شركة الاتصالات «بيزك» وكلاهما متهم في القضية 4000؛ والرئيسان التنفيذيان السابقان لشركة بيزك، دودو مزراحي وستيلا هندلر؛ وأفيرام إلعاد، رئيس تحرير موقع «واللا» السابق وصحافيون آخرون في «واللا».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.