ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»

ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»
TT

ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»

ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»

يحتاج الوضع العربي الراهن أمام تنامي التطرف الديني وأزمة تفكيك الدولة وانقسامية المجتمع، وما ينتجه كل هذا من حروب داخلية وإقليمية غير مباشرة في الشرق الأوسط إلى إعادة ترتيب قواه الداخلية والقيام بمبادرات فعالة لواجهة الأزمات الراهنة.
ولعل اضطرار الحلفاء من الدول العربية والإسلامية لـ«عاصفة الحزم» التي قادتها المملكة العربية السعودية، كرد فعل على أحداث الانقلاب على الشرعية في اليمن، يؤكد خطورة تدعيم الصراع السياسي بالمذهبية الدينية كما هو معمول به عند جماعة أنصار الله بزعامة عبد الملك الحوثي، من جهة؛ أو استعمال مقدرات الجيش الوطني بناء على اصطفاف قبلي تدميري للدولة من جهة أخرى، كما يفعل الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

* الحفاظ على استقرار الدولة
* إن طبيعة المعركة الحربية، والسياسية، والتنموية، على الأراضي اليمنية يمكن اعتبارها نموذجا مفسرا لطبيعة النسق العام المشكل للدولة والمجتمع العربي الراهن؛ وما يحتويه هذا النسق من إمكانية كبيرة لتفجيره عبر الصراعات السياسية الداخلية المدعومة من القوى الإقليمية أو الدولية. ومن هنا تأتي حاجة الأمن القومي العربي لأن تلعب المملكة العربية السعودية دور القيادة العربية ذات الثقل الديني والقومي، بشكل يحافظ على حماية مكتسبات الدولة الوطنية، وفي نفس الوقت يلعب دور الحاضن لمختلف الفاعلين الوطنين المؤثرين، وخصوصا المعتدلين.
فمن الناحية السوسيولوجية، يعتبر تبادل التأثير بين العوامل المعرفية الدينية، مع ديناميكية المجتمع وخبرته السلوكية، وكذا مع نوعية المؤسسات الدستورية الجامعة له أمرا محسوما مع قيام الدولة الحديثة. وقد شكلت المملكة السعودية عبر تشكلها التاريخي الحديث، منذ سبتمبر (أيلول) 1932م، نموذجا ناجحا لانسجام تلك العناصر، كما كانت ساحة مستقبلة للمثقفين والكوادر الدينية المعتدلة التي عانت من الاضطهاد الناصري في الخمسينات من القرن الماضي وغيره.
وإذا كانت التطورات الراهنة عربيا، وفي اليمن خاصة، لا تترك مجالاً للمتشككين في قدرة المتطرفين الدينين الطائفيين على هدم النسق الجامع للجماعة الواحدة، خاصة مع ازدياد وتيرة استعمال العنف الديني والسياسي بين المكونات القطرية العربية الواحدة؛ فإن الخبرة السعودية على إدارة الوضع العربي وقيادته منذ بداية سبعينات القرن الماضي (القرن العشرين)، أثبتت قدرة فائقة للقيادة السياسية السعودية عبر حقب مختلفة، على تجاوز مثل هذه الأزمات العربية، سواءً تلك المتعلقة بالصراع العربي - العربي أو التدخلات الإقليمية التوسعية الإيرانية؛ أو تلك المتعلقة بالاستغلال السياسي للدين من طرف الجماعات الإرهابية الحاملة لراية «الجهاد» المزعوم.

* مشروع الاعتدال في مواجهة التطرف
* إن زيادة الطلب بهذا الشكل «الاستعمالي» للدين الإسلامي، من الزاوية الطائفية والسياسية، دفع بالوضع العام ليحتل فيه الدين والطائفية الصدارة من حيث كونهما موضوعين للنزاع، وفي نفس الوقت سلاحا بيد التطرف العَلماني والديني على السواء؛ في صورة يمكن اعتبارها أكبر تهديد داخلي تواجهه الجماعة والمجتمع والدولة؛ خاصة بعد ازدياد منسوب استعمال الفتوى لتكريس الفرقة المذهبية الدينية، والاقتتال الطائفي.
لقد كان من الطبيعي أن يبرز التطرف على السطح، وتنتعش مصادر استنباته الدينية، خاصة بتكاثف عوامل موضوعية أهمها الاستبداد السياسي، والانغلاق الديني، وكذا مع ظهور ظاهرة مستحدثة عالميا، تتمثل في استعمال بعض القوى العالمية للمتطرفين كفاعلين في العلاقات الدولية وصراعاتها الجيو - استراتيجية، المتعلق بالممرات المائية الدولية، أو تلك المتعلقة بموارد الطاقة، والمواد الأولية.
ومع تراجع المؤسسات الأهلية والشعبية الدينية، وتخلف بعض من يدعون الفقه عن مستجدات عصرهما، ظهر رد فعل متطرف موازٍ مثل محاولة احتكارية من نوع جديد، قادته الجماعات المتطرفة الإرهابية. وهدفت المحاولة سحب حق المجتمع الجماعة في الانتماء الإسلامي، فيما حكمت على الدولة المستبدة بالكفر، وواجهتها، بالقوة العسكرية في محاولة منها لإحلال محلها في التربع على عرش احتكار الدين، وتقزيم دور المجتمع وسلطته على الدولة والمؤسسة الدينية.
ومع قدرة «النموذج الاحتكاري» على تجديد نفسه والتكيف مع الظروف التاريخية التي يعيش فيها، بالاستناد على البعد الطائفي، أصيب الاعتدال الإسلامي الرسمي والشعبي، وتقاليده المعروفة والمغروسة في المجتمع والدولة بمتغيرين سلبيين:
الأول، تجسد في الخلل القائم بين الوظيفة الدعوية للجماعة المجتمعية، والدور الإنساني للشرعية القانونية التي تتمتع بها مؤسسة الدولة. فمع تغول هذه الأخيرة، تراجعت فعالية القيم الدينية الوسطية، وانتشر «التدين الانفعالي» والطائفي، وانتظم بشكل احتجاجي مخاصم للوجدان الجماعي ومدركاته الذاتية؛ وهو ما أثر على مساحات وظيفة الفقيه الدعوية وشرعيته المعنوية في قيادة المجتمع معرفيًا، بينما ربح التطرف مساحات جديدة على المستوى الشعبي.
وإذا استدعينا السوسيولوجية مجددا، يمكن القول، إنه من الطبيعي أن يكون اعتدال الفقيه والمؤسسة الدينية جزءا من مسار تصويب وتجديد المعرفة المجتمعية وتحويلها لتقاليد مرعية، ومبثوثة في الثقافة الشعبية والمؤسسات الأهلية الوسيطة بين المجتمع والدولة. كما أن تطرف المؤسسة الدولتية المعاصرة باسم الدين، أو باسم حماية الدولة المدنية، يحول الصيرورة المجتمعية نحو بناء وحدات فرعية معرفية تستمد مرجعيتها من اجتهاد متحزب معرفيا وطائفيا وتدينيا؛ مما يفسح المجال للأطراف الخارجية ذات الأهداف التوسعية للتلاعب بالاستقرار والجغرافية الوطنية للدولة العربية المعاصرة. وتضافر هذه العوامل كافة وسع حدة التصادم بين الجماعة بوصفها مجتمعا كاملا، والطائفة الفرعية بوصفها «فرقة ناجية» ممثلة للدولة المدنية العَلمانية، أو ناطقة وموقعة باسم الإسلام.
ثانيا، رغم أن أكثر المشكلات التي يواجهها الاعتدال الديني الإسلامي ناتجة عن عوامل محيطة بالجسم الديني للمؤسسة التقليدية العربية، فإن جزءا هاما من تفكيك التطور والتجديد الواقع للدين والتدين ناتج عن تحويل المعرفة الدينية المعاصرة من معرفة ربانية للعالمين، موحدة للأمة الواحدة والجماعة الجامعة (الشعب الواحد)، إلى كونها مجرد رسالة تنظم العلاقات الشاملة للفرد والجماعة، داخل طائفة ومذهب معين.
وللأسف، فإن هذا التوجه وتطبيقه منذ الاستقلال، أديا في عموم هذه التجارب إلى تحويل الدين الإسلامي إلى آيديولوجية تؤجّج الصراع السياسي المتطرف وتقسم الجماعة داخل الدولة، بشكل طائفي سني شيعي، أو بين متدينين وعلمانيين، أو هذا كله.
من هنا وجدت الأفكار العنيفة والمتطرفة ضالتها في الآيديولوجية الدينية الطائفية، وفي مزاعم العَلمانية المادية. وطرحت مختلف النخب الليبرالية، والقومية، والإسلامية أفكارا سياسية ارتكزت الغالبية منها على التجربة التاريخية للصراع السياسي حول الجماعة الجامعة وتمثيل الشعب؛ بل أكثر من ذلك توالت منذ الخمسينات محاولات فرض المرجعية المتحزبة على المجتمع تارة باسم الحداثة والمدنية، والأمن القومي، وتارة باسم الحفاظ على بيضة الدين والشريعة الإسلامية.
ومن ثم أصبحت المؤسسة الدينية التقليدية كالأزهر وجامعة القرويين، والزيتونة.. أمام واقع لا يؤهلها للعب دورها التاريخي في تعزيز الاعتدال الإسلامي، وصناعته من خلال تجديد الوعي الديني للنخبة الدينية، وتوجيه الرأي العام المتدين. وهو ما أدى بدوره لتعطل مسيرة وفعالية المعرفة الدينية المعتدلة، وتراجعت النخب الممثلة للوسطية مع تراجع دور المؤسسات التقليدية المشرفة على تخريج القيادات الدينية الرسمية والشعبية المعتدلة.
صحيح أن الوضع الراهن للعلاقة بين الدولة والمجتمع والجماعة، أصيب بكثير من الأزمات بعضها ذات طابع معرفي، وأخرى لم تعد تتحكم فيها لا الدولة ولا المجتمع لارتباطها بالواقع الدولي المعاصر، وصراعاته ذات الطابع الهيمني الغربي والإيراني؛ إلا أنه من الثابت أن حضور الدين في المجتمع الإسلامي صاحبته تاريخيًا عملية تجديد، اعترف لها عبر الزمن الممتد بأنها حركة إصلاحية، وهذا ما يعزز الأمل في إمكانية النجاح في المعركة القائمة حاليا بين الاعتدال والتطرف خاصة الديني الطائفي منه.

* إعادة الاعتبار للمعتدلين
* التطرف في المجتمع العربي الإسلامي اليوم أقلية قليلة، معرفيا، وعمليا، مؤسساتيا، وتنظيميا؛ كما أن إمكانية «ترميم» العلاقة بين الأنظمة السياسية العربية الشرعية، ومختلف النخب والقوى الدينية السلمية، أمر في غاية الأهمية حاليًا؛ سواء على المستوى السياسي الداخلي، أو الخارجي. ومن هنا ضرورة تفعيل دور المؤسسات الدينية التقليدية الرسمية، ومحضها مزيدًا من الدعم، ومنحها حرية أكبر من الناحية الفكرية، ومجالات الاشتغال، وطبيعة المواضيع التي يجب طرحها؛ كما أصبح من اللازم الاعتراف بالمؤسسات الدينية المعتدلة السلمية الشعبية، أي غير الرسمية، وتمتعها هي كذلك بكل حقوقها في العمل داخل المجتمع، وتأطيره دينيا وسياسيا، طبقا لقانون يؤسس للحرية الحقة وينظمها.
الواقع العربي الحالي يفرض إطلاق دورة تاريخية جديدة، يمكن أن نطلق عليها «حقبة تحالف المعتدلين»؛ وأن يكون الاعتدال الديني ركيزة، ومقدمة صلبة لمواجهة التطرف المسلح بكل أشكاله. فالتجربة العراقية واليمنية الحالية، تفرضان على النظام السياسي العربي حماية مكتسبات المجتمع والجماعة والدولة عبر توسيع دائرة الشراكات الداخلية في كل قطر عربي بين الجماعة والمجتمع والدولة؛ ولمَ لا قيام «تحالف جديد» بين كل القوى المدنية الدينية والإسلامية المعتدلة السلمية مع الأنظمة السياسية العربية الشرعية.
ولم يبقَ أمام العقلاء من النخب الحاكمة في النظام السياسي العربي، سوى البحث عن المشترك المجتمعي مع المعتدلين الدينين والمدنيين قبل الانفراط الكامل لعقد الجماعة الدولة، كما هو واقع بالعراق واليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان. ولعل مبادرة إعادة الأمل بشأن الوضع الحالي لليمن، هي بداية الطريق لإعادة الاعتبار لمسار من المصالحات العربية، المفروضة بحكم الواقع الإقليمي والدولي.

* المملكة السعودية وقيادة الاعتدال العربي
* ولعل الدور الإقليمي والدولي للمملكة العربية السعودية، ومكانتها الدينية، جعلا منها قيادة حقيقية قادرة على جمع، واحتواء، مختلف القوى الفاعلة الشعبية والرسمية في الساحة العربية، لمواجهة مختلف الأخطار المهددة للدولة الوطنية، كما كانت منذ عهد الملك فيصل (رحمه الله). وأن خوض معركة «عاصفة الحزم»، ومن بعدها «إعادة الأمل»، ودفاعها عن الشرعية في اليمن، وما يرمز إليه ذلك من حرص شديد على إبعاد استعمال القوة العسكرية في التنافس السياسي، وقيادتها لمشروع تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية في محيطها الإقليمي والعربي؛ هو مؤشر جديد على إمكانية نجاح هذه القيادة في جمع مختلف الفاعلين المعتدلين، وتجاوز الأخطار المحدقة بالأمن الجماعي العربي الراهن الذي تهدده الاستراتيجية الإيرانية والميليشيات الطائفية العاملة وفق أجندتها.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».