موريتانيا: الحزب الحاكم يدعو إلى «هبَّة وطنية لمحاربة الفساد»

وسط مخاوف من أن تتحول الحملة إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب)
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب)
TT

موريتانيا: الحزب الحاكم يدعو إلى «هبَّة وطنية لمحاربة الفساد»

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب)
الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب)

دعا حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم في موريتانيا، إلى ما سمَّاه «هبَّة وطنية» من أجل دعم الحكومة في حربها على الفساد، وذلك بعد أيام من إقالة مسؤولين بسبب شبهات فساد، وإرسال بعثات تفتيش إلى عديد من المؤسسات العمومية، في البلد الذي تشير تقارير رسمية إلى أن نسبة من المال العام فيه تذهب سنوياً إلى جيوب مفسدين.
لكن الحزب السياسي الأكبر في موريتانيا، الذي يهيمن على ثلثي مقاعد البرلمان وجميع المجالس الجهوية، ويمثل الذراع السياسية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، منذ انتخابه في يونيو (حزيران) 2019، لم يعلن أي تفاصيل حول «الهبَّة الوطنية» التي ينوي أن ينظمها لدعم الحكومة. واكتفى بأن أعلن أمس أن مكتبه التنفيذي عقد اجتماعاً نهاية الأسبوع الماضي، لبحث «الحالة السياسية» في البلاد، بينما طالب رئيس الحزب، سيدي محمد ولد الطالب أعمر، في خطابه أثناء الاجتماع، بما قال إنها «هبَّة وطنية» من أجل دعم توجه السلطات الموريتانية نحو «محاربة الفساد، والمحافظة على ثروات الشعب».
وكانت السلطات قد أقالت مؤخراً عديداً من المسؤولين بسبب شبهات فساد، كان آخرهم الأسبوع الماضي حين أقيل مسؤولان في إدارة العقارات وأملاك الدولة، بسبب شبهات حول تورطهما في الاستحواذ على عشرات العقارات، وبيعها بطريقة «غير شرعية»، حسبما ثبت في «تحقيق إداري» أجرته الحكومة، وفق ما أعلن الناطق باسمها الوزير المختار ولد داهي.
وقال وزير الإسكان والعمران، سيد أحمد ولد محمد، خلال مؤتمر صحافي، مساء الأربعاء الماضي، إن ما أصبحت تُعرف بأزمة العقارات «ستكون لها ارتدادات خلال الأيام القليلة القادمة»؛ مشيراً إلى أن إعفاء المسؤولين من مهامهم «كان أبلغ رد على عمليات مشبوهة وقعت في ملف العقارات». لكن الوزير أكد في حديثه أمام الصحافيين أن «العقوبات ستطال جميع المشاركين في الملف».
وتحضر محاربة الفساد بقوة في النقاش العام الموريتاني، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو داخل البرلمان، أو حتى في أحاديث الحكومة، إلا أن هناك مخاوف من أن تتحول الحرب على الفساد إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية؛ خصوصاً أن معارضي الحكومة والحزب الحاكم ينتقدون وجود شخصيات بارزة في النظام تحوم حولها شبهات فساد، ويضربون المثال بقيادات في المكتب التنفيذي للحزب الحاكم، أغلبهم وزراء سابقون، خضعوا للتحقيق بسبب شبهات فساد، ووردت أسماء بعضهم في تقرير صادر عن لجنة تحقيق برلمانية منتصف عام 2020، يتحدث عن أكبر عملية فساد في تاريخ البلد.
لكن الحزب رد على هذه الانتقادات، بالقول إن الأمر مجرد شبهات، والقضاء لم يقل كلمته في الملف، بينما يعتقد منتقدوه أن الحزب يخشى نفوذ هذه الشخصيات وتأثيرها السياسي؛ خصوصاً داخل البلاد؛ حيث يوجد خزان انتخابي هو الذي يحسم كثيراً من المعادلات السياسية في البلد.
وكانت لجنة تحقيق برلمانية قد أصدرت منتصف عام 2020 تقريراً، بعد 6 أشهر من التحقيق حول شبهات فساد في نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009– 2019)، ووصل إلى أن عمليات فساد واسعة وقعت خلال حكم الرجل، وأحيل التقرير إلى القضاء الذي باشر التحقيق في الملف المستمر منذ أكثر عامين، دون أن يحدد أي موعد للمحاكمة فيه.
لكن ولد عبد العزيز الذي وُجِّهت له تهم من أخطرها الفساد، وغسل الأموال، والإثراء غير المشروع، واستغلال النفوذ، ينفي كل ما نسب إليه، ويؤكد أنه يتعرض لتصفية حسابات سياسية بسبب تمسكه بحقه في ممارسة السياسة، رغم مغادرته السلطة قبل أكثر من عامين.
من جانبها، تنفي السلطات الموريتانية أن تكون هنالك أي تصفية للحسابات مع الرجل، أو أي من المتهمين الآخرين البالغ عددهم 17 شخصاً، أغلبهم وزراء ورجال أعمال.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.