المصريون في «حُزن بلا خذلان» بعد خسارة «كأس أفريقيا»

احتفاء رسمي وشعبي بالأداء... وتعويل على المونديال

مشجعون مصريون على أحد مقاهي القاهرة مساء أول من أمس يتابعون مباراة منتخبهم الوطني لكرة القدم في نهائي كأس الأمم الأفريقية (أ.ف.ب)
مشجعون مصريون على أحد مقاهي القاهرة مساء أول من أمس يتابعون مباراة منتخبهم الوطني لكرة القدم في نهائي كأس الأمم الأفريقية (أ.ف.ب)
TT

المصريون في «حُزن بلا خذلان» بعد خسارة «كأس أفريقيا»

مشجعون مصريون على أحد مقاهي القاهرة مساء أول من أمس يتابعون مباراة منتخبهم الوطني لكرة القدم في نهائي كأس الأمم الأفريقية (أ.ف.ب)
مشجعون مصريون على أحد مقاهي القاهرة مساء أول من أمس يتابعون مباراة منتخبهم الوطني لكرة القدم في نهائي كأس الأمم الأفريقية (أ.ف.ب)

واجه المصريون ليلة، أول من أمس، شعوراً أرهف من الحزن لخسارة... وأعمق من التفاخر بأداء... لم تكن على الأغلب كرة القدم وألاعيبها هي التي تُدير رؤوسهم... ثمة شعور مركب سيطر عليهم بعد خسارة فريقهم الوطني لنهائي كأس الأمم الأفريقية أمام نظيره السنغالي.
بالنسبة للملايين الذي زُرعوا أمام الشاشات في المقاهي والمنازل، مساء الأحد فإن الأمل في البطولة الثامنة لمصر كان على بُعد 90 دقيقة استطالت لتصبح 120 وأكثر، غير أن خسارة النهائي انعكست حزناً ليس على ضياع الكأس التي كانت ستجاور سابقيها، ولكن - في تقدير الكثيرين - ضيق من عدم اكتمال مشوار الطموح الذي تصاعد منذ مطلع البطولة التي خاضها فريق لم يكن أصلاً من بين المصنفين للفوز باللقب». ظهرت إذن مقومات المستوى المتدرج المترقي، فانتعشت الآمال لدي المشجعين قبل اللاعبين، ناهيك عن اكتشاف نجوم جدد كانوا يشاركون للمرة الأولى دولياً فأظهروا خبرة وحنكة نادرة لدى أقرانهم... وهكذا دبج الطرفان (مشجعون ولاعبون) قصة كلاسيكية للاجتهاد والمثابرة التي ستُختتم - كما بعض الأفلام - بنهاية سعيدة حيث يفرح الجميع... لكن يد - أو بالأحرى قدم - السنغاليين تدخلت فعطلت تلك السردية».
ولطالما كان يحلو لمثقفين مصريين - اتُهموا بالشوفينية أحياناً - أن ينعتوا مواطنيهم بأنهم «شعب لا يمكن توقع ردود أفعاله»؛ لكن يبدو أن هذا حقاً ما جرى... فالفريق الخاسر، والذي جرت العادة أن يتلقى سهام الانتقاد وأحياناً التجريح، صار لاعبوه نجوماً للسوشيال ميديا و«ترند» حتى أثناء سير المباراة؛ على ما جرى مع حارس مرمى المنتخب محمد أبو جبل، بعد أداءٍ «مذهل» في رأي المحللين والمشجعين، إذ باتت إطلالته ووسامته وحتى قصة شعره مادة لحديث بعض المراهقات اللاتي تداولن «الكوميكسات (الصورة المصنوعة) المشيدة بمستواه». ولم تكن تلك المقاربة بين «الحزن من دون خذلان» حكراً على التعليقات الشعبية أو الإفادات التحليلية، إذ جاء تعليق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في ذات السياق، فكتب عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك: «أود أن أتوجه بكل التحية والتقدير للاعبي منتخبنا الوطني لكرة القدم على ما قدموه من أداء عالٍ في بطولة كأس الأمم الأفريقية». وزاد: «لقد أديتم ما عليكم، وكسبتم احترام الجميع، وكنتم على قدر الثقة، وشرفتم بلدكم، وإننا جميعاً على ثقة بأنكم ستعوضون هذا اللقب وتسعدون المصريين بالصعود إلى المونديال... ثقتنا بكم وبقيادتكم الفنية لم تهتز، فما قدمتموه يثبت أنكم قادرون على تحقيق الأفضل إن شاء الله».
وكذلك فإن تعبيرات «الرجولة، والتصدي، والصمود» يقدرها أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، بأنه «تبدو مفسرة إلى حد كبير لتعاطي المصريين مع منتخبهم الوطني رغم هزيمته»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إحساس بأن الاستمرار حتى نهاية المباراة وأن الهزيمة لم تكن نكراء... وبالتالي أصبح هناك تقبل، حتى مع وجود انتقادات للأداء فنياً».
وبحسب صادق: «المزاج الشعبي المصري يقدر فكرة الجَلَد، وبسبب إظهار اللاعبين لقدرتهم على التحمل حتى الوصول لضربات الترجيح تفهم كثيرون فكرة أن الفريق هُزم بضربات ترجيح وهو أمر أقرب للحظ ولم يكن معرباً عن خذلان لآمال لمشجعين... وبالتالي أصبحت هناك دعوات لاستقبال الفريق رغم خسارته».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.