«بانيبال»: ملف عن الرواية العربية الجديدة

غلاف المجلة
غلاف المجلة
TT

«بانيبال»: ملف عن الرواية العربية الجديدة

غلاف المجلة
غلاف المجلة

تفتتح مجلة «بانيبال» عددها الجديد بأربع حكايات من كتاب «غفوة عند الذئاب» للكاتب الإماراتي محمد عبيد غباش (ترجمة روزي ماكستون)، تليها قصائد للشاعر المصري محمد متولي بعنوان «قصائد إزمير» (ترجمة غريتشن مكّولوك مع الشاعر). وفي ملفها الرئيس الذي خصصته عن الرواية العربية الجديدة نشرت المجلة فصولا من الروايات الآتية: «رحلة الضباع»، للكاتبة المصرية سهير المصادفة (ترجمة رافائيل كوهين)، «ابنة سوسلوف» للكاتب اليمني حبيب عبد الرب سروري (ترجمة روث أحمدزاي كيمب)، «صنعائي» للكاتبة اليمنية نادية الكوكباني (ترجمة سونيلا موبائي)، «باب الليل» للكاتب المصري وحيد الطويلة (ترجمة جوليا إهناتوفيتش)، وفصلا من رواية قيد الإنجاز للكاتبة العُمانية جوخة الحارثي بعنوان «الأرملة تتزوج» (ترجمة روبن موجير).
ونشرت المجلة بالاتفاق مع إدارة الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، مقاطع من الروايات الست الفائزة بالقائمة القصيرة لعام 2015. وهي «ممر الصفصاف» للكاتب المغربي أحمد المديني (ترجمة بول ستاركي)، «طابق 99» للكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن (ترجمة روبن موجير)، «حياة معلقة» للكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف (ترجمة ويليام هيتشينز)، «ألماس ونساء» للكاتبة السورية لينا هويان الحسن (ترجمة صوفيا فاسالو)، «شوق الدرويش» للكاتب السوداني حمّور زيادة (ترجمة جوناثان رايت)، «الطلياني» للكاتب التونسي شكري المبخوت (ترجمة رافائيل كوهين). واستكمالا لملفها السابق عن «الكاتب والسجن» نشرت بانيبال شهادتين للكاتب المغربي عبد القادر الشاوي بعنوان «من السجن إلى الحياة» (ترجمة مبارك صريفي)، والشاعر اليمني منصور راجح بعنوان «خارج السجن، داخل السجن» (ترجمة سميرة قعوار).
ونقرأ في المجلة أيضا دراسة للباحثة والمترجمة اليابانية كاورو ياماموتو عن «ترجمة الأدب العربي في اليابان».
وفي زاوية مراجعات الكتب، كتبت سوزانا طربوش عن ثلاث روايات «ساق البامبو» لسعود السنعوسي، و«خمارة المعبد» لبهاء عبد المجيد، و«تيتانيكات أفريقية» للكاتب أبو بكر كهال. وكتب روبن أوستل عن كتاب خالد مطاوع المعنون «محمود درويش: فن الشاعر وقضايا أمته»، فيما كتبت مارغريت أوبانك عن رواية يوسف رخا «التماسيح»، وعن كتاب جديد للكاتب والباحث العراقي محسن جاسم الموسوي المعنون «جمهرة الآداب في العصر الإسلامي الوسيط: البناء العربي للمعرفة». بول بليزارد كتب عن رواية «حراقة» لبوعلام صنصال، أندرو يونغ كتب عن أول رواية عربية كتبت بالإنجليزية في عام 1911 وهي رواية «كتاب خالد» لأمين الريحاني، بمناسبة إعادة طباعتها من جديد في نيويورك. وتناول الكاتب الألماني فولكر كأمينسكي رواية نجم والي «بغداد –مارلبورو»، بينما نشرت زوي ديكستر مقالا عن رواية «يوسف المحيميد «الحمام لا يطير في بريدة»، وكتبت كلير روبرتس عن رواية محسن الرملي «تمر الأصابع». وخصصت المجلة مقالين، أحدهما كتبته مارغريت أوبانك تحية للكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور، والآخر لبيير جوريس عن المفكر التونسي الراحل عبد الوهاب المؤدب.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.