قدرات عملاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر

الصين تقود العالم مجدداً في «تقنية مناخية» أخرى

قدرات عملاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر
TT

قدرات عملاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر

قدرات عملاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر

في يوليو (تموز) الماضي، حققت شركة «شل» النفطية ومقرها المملكة المتحدة، قفزة نوعية عندما حولت مصنعاً بقدرة 10 ميغاواط، وهو الأكبر في أوروبا، لإنتاج الهيدروجين من الطاقة المتجددة. ويُعد الهيدروجين «الأخضر» مادة نادرة اليوم، ولكنه سيصبح ضرورياً جداً في الاقتصاد الصديق للبيئة مستقبلاً لأنه سيحل محل الوقود الأحفوري في الزراعة والشحن والصناعات الثقيلة.
الهيدروجين الأخضر
ووضعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة خططاً كبيرة لبناء المزيد من أجهزة التحليل الكهربائي، أي الآلات التي تَستخدم الكهرباء لفصل وسحب ذرات الهيدروجين من الماء. ولكن كما حصل في سائر التقنيات المناخية كالألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات، سبقت الصين الجميع في السيطرة على مشهد الصناعة ونشر أجهزة التحليل الكهربائي.
في ديسمبر (كانون الأول) الفائت، حققت شركة «سينوبيك» النفطية المملوكة للحكومة الصينية اختراقاً بارزاً بالإعلان عن بناء جهاز تحليل كهربائي للهيدروجين الأخضر بقدرة 300 ميغاواط، سيكون الأكبر في العالم عند إطلاقه العام المقبل. وكانت شركة الإنتاج الكيميائي الصينية «باوفينغ» قد بدأت بتشغيل مصنع للهيدروجين الأخضر بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ميغاواط، بالإضافة إلى انتشار الكثير من المشاريع الصغيرة المشابهة في جميع أنحاء الصين.
لا يعد الهيدروجين الأخضر اليوم منافساً على صعيد الكلفة للهيدروجين المصنوع من الغاز الطبيعي، ويتوقع الخبراء أن يحتاج الأول إلى عشر سنواتٍ على الأقل من الإعانات الحكومية ليشهد انخفاضاً في الكلفة وينجح في اكتساب حصة سوقية. ولكن في الصين، يُعد عددٌ كبيرٌ من منتجي الهيدروجين الأخضر، لا سيما الشركات المملوكة من الدولة، من أهم زبائن صانعي أجهزة التحليل الكهربائي المحليين، الأمر الذي يسهم في تصاعد سريع لمبيعات هذه الأجهزة وتجاوزها بأشواط لتلك التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة.
وفي تقريرٍ نشرته في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، توقعت شركة «بلومبرغ إن إي إف». المتخصصة في استخبارات سوق الطاقة، ارتفاع مبيعات أجهزة التحليل الكهربائي بمعدل أربعة أضعاف في 2022 مقارنةً بالعام الماضي، مع سيطرة الصين على ثلثي الطلب العالمي.
من جهته، لفت مارتن تنغلر، محلل بارز متخصص بصناعة الهيدروجين في شركة «بلومبرغ»، إلى أن «الشركات الصينية المملوكة للدولة حريصة على إظهار مواكبتها للأهداف التي وضعتها الحكومة والمتمثلة بـ(صفر انبعاثات). ولهذا السبب، أخذت هذه الشركات زمام المبادرة وبدأت ببناء مشاريع أكبر من تلك التي نشهدها في مناطق أخرى من العالم».
تفوق الصين
إن تفوّق الصين في صناعة الهيدروجين الأخضر مدفوع بمهاراتها الشمسية. وكانت سيرة الصين في السيطرة على سوق الطاقة الشمسية العالمي قد بدأت، بعد أن سبقتها شركات رائدة مدعومة حكومياً في الولايات المتحدة وألمانيا بوضع أسس مصانع لإنتاج الألواح الشمسية على نطاق تجاري واسع. ولكن وضع الهيدروجين مختلف لأن الصين تسيطر على إنتاج أجهزة التحليل الكهربائي منذ البداية.
وهنا لا بد من الحديث عن الترابط بين المجالين. ففي السنوات العشر الماضية، تصدرت شركات الطاقة الشمسية لائحة زبائن منتجي أجهزة التحليل الكهربائي، كونها تعتمد على الهيدروجين لإنتاج البوليسيليكون الضروري للخلايا الشمسية. وكما الألواح الشمسية، تتسم أجهزة التحليل الكهربائي بانخفاض الكلفة وسهولة إنتاجها بكميات كبيرة في الصين، حيث تباع بربع سعرها في أي بلدٍ منتجٍ آخر بسبب انخفاض كلفة اليد العاملة والمواد الخام. ومع ازدياد الطلب عليها اليوم، يشهد إنتاج أجهزة التحليل الكهربائي في الصين طفرة لافتة –تبدأ من الزبائن المحليين وتتوسع لتستهدف التصدير.
ويرى تنغلر أن «الكثير من العوامل التي مكّنت الشركات الصينية من السيطرة على سوق الطاقة الشمسية يمكن تطبيقها في حالة أجهزة التحليل الكهربائي، خصوصاً أن الكثير من الداخلين الجدد إلى عالم إنتاج هذه الأجهزة من المسيطرين في صناعة الطاقة الشمسية، وأبرزهم (لونجي) صانعة الألواح الشمسية، و(سان غرو) صانعة عواكس الطاقة».
من ناحية أخرى، لا تزال أوروبا والولايات المتحدة قادرتين على اللحاق بالتفوق الصيني. ففي ديسمبر الفائت، كشفت مجموعة «ثيسينكراب» الألمانية أنها تعتزم إنشاء أول جهاز تحليل كهربائي فردي بقدرة واحد غيغاواط في عام 2026 في المملكة العربية السعودية. كما تعمل مصانع في الولايات المتحدة وأوروبا على بناء عددٍ من «المصانع الهائلة الحجم» التي ستتعاون لإنتاج أجهزة تحليل كهربائي عظيمة القوة في السنوات القليلة المقبلة.
ولكن بانتظار عزم شركات أخرى في أوروبا والولايات المتحدة على التحول لاستخدام الهيدروجين الأخضر –أو إجبارها من حكوماتها على الالتزام بقوانين تخفيف انبعاثات الكربون– يرى تنغلر أن مصانع إنتاج أجهزة التحليل الكهربائي هناك ستواجه صعوبة في الحصول على زبائن.
ويختم المحلل قائلاً إن «الكثير من هذه الإمكانات سيظل خاملاً. قد تستطيع هذه الشركات إنتاج أجهزة تحليل كهربائي أكثر من الصين، ولكن الطلب لديها لا يزال متواضعاً».
* «كوارتز»،
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية
TT

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

«طلاء شمسي» لشحن السيارات الكهربائية

في المستقبل، يمكن تغطية سيارتك الكهربائية بألواح شمسية -ليس فقط على السطح، ولكن في جميع أنحاء الجزء الخارجي من السيارة- بفضل طلاء خاص.

وسواء كنت تقود السيارة أو كانت متوقفة، يمكن لهذا الطلاء الشمسي حصاد الطاقة من الشمس، وتغذيتها مباشرة في بطارية السيارة الكهربائية. وربما يبدو الأمر وكأنه شيء من كتاب خيال علمي، إلا أن الباحثين في شركة «مرسيدس بنز» يعملون بالفعل على جعله حقيقة واقعة.

عجينة لطلاء شمسي

يقول يوشين شميد، المدير الأول لشركة «مستقبل القيادة الكهربائية» Future Electric Drive، للبحث والتطوير في «مرسيدس بنز» الذي يستكشف تقنيات السيارات الكهربائية في مرحلة مبكرة: «نحن ننتج مئات السيارات يومياً، وسطح السيارة مساحة كبيرة جداً. فلماذا لا نستخدمها لحصاد طاقة الشمس؟».

إن المادة الكهروضوئية التي تبحثها شركة مرسيدس تشبه العجينة التي يمكن وضعها على الجزء الخارجي للسيارة. يبلغ سمك الطلاء 5 ميكرومترات فقط (يبلغ متوسط ​​سمك شعرة الإنسان نحو 100 ميكرومتر)، ويزن 50 غراماً لكل متر مربع.

وقود شمسي لآلاف الكيلومترات

في سيارة رياضية متعددة الأغراض SUV متوسطة الحجم، ستشغل العجينة، التي تطلق عليها مرسيدس أيضاً طلاءً شمسياً، نحو 118 قدماً مربعة، ما ينتج طاقة كافية للسفر لمسافة تصل إلى 7456 ميلاً (12000 كم) في السنة. ويشير صانع السيارة إلى أن هذا يمكن أن يتحقق في «ظروف مثالية»؛ وتعتمد كمية الطاقة التي ستحصدها هذه العجينة بالفعل على قوة الشمس وكمية الظل الموجودة.

طلاء مرن لصبغ المنحنيات

ولأن الطلاء الشمسي مرن، فيمكنه أن يتناسب مع المنحنيات، ما يوفر فرصاً أكبر للطاقة الشمسية مقارنة بالألواح الشمسية الزجاجية التي لا يمكن ثنيها، وبالتالي لا يمكن تثبيتها إلا على سقف السيارة أو غطاء المحرك. يُعدّ الطلاء الشمسي جزءاً من طلاء متعدد الخطوات يتضمن المادة الموصلة والعزل والمادة النشطة للطاقة الشمسية ثم الطلاء العلوي لتوفير اللون (يشكل كل ذلك معاً عمق بـ5 ميكرونات).

لن تكون هذه الطبقة العلوية طلاءً قياسياً للسيارات لأنها لا تحتوي على صبغة. بدلاً من ذلك، ستبدو هذه الطبقة أشبه بجناح الفراشة، كما يقول شميد، وستكون مادة شديدة الشفافية مليئة بجسيمات نانوية تعكس الأطوال الموجية من ضوء الشمس. كما يمكن تصميمها لتعكس أطوال موجية محددة، ما يعني أن السيارات الكهربائية يمكن أن تأتي بألوان أخرى.

وسيتم توصيل الطلاء الشمسي أيضاً عن طريق الأسلاك بمحول طاقة يقع بجوار البطارية، الذي سيغذي مباشرة تلك البطارية ذات الجهد العالي.

تأمين أكثر من نصف الوقود

ووفقاً للشركة فإن متوسط سير ​​السائق هو 32 ميلاً (51.5 كم) في اليوم؛ هناك، يمكن تغطية نحو 62 في المائة من هذه الحاجة بالطاقة الشمسية من خلال هذه التكنولوجيا. بالنسبة للسائقين في أماكن مثل لوس أنجليس، يمكن أن يغطي الطلاء الشمسي 100 في المائة من احتياجات القيادة الخاصة بهم. يمكن بعد ذلك استخدام أي طاقة إضافية عبر الشحن ثنائي الاتجاه لتشغيل منزل شخص ما.

على عكس الألواح الشمسية النموذجية، لا يحتوي هذا الطلاء الشمسي على أي معادن أرضية نادرة أو سيليكون أو مواد سامة أخرى. وهذا يجعل إعادة التدوير أسهل. وتبحث «مرسيدس» بالفعل عن كيفية جعل إصلاحه سهلاً وبأسعار معقولة.

يقول شميد: «قد تكون هناك مخاوف من أن سيارتي بها خدش، فمن المحتمل أن لوحة الباب معطلة»، وتابع: «لذا اتخذنا احتياطاتنا، ويمكننا بسهولة القول إن لدينا تدابير مضادة لذلك».

ومع تغطية المركبات الكهربائية بالطلاء الشمسي، لن يكون هناك الكثير من القلق بشأن شبكات الشحن، أو الحاجة إلى قيام الناس بتثبيت أجهزة الشحن في منازلهم. ويقول شميد : «إذا كان من الممكن توليد 50 في المائة أو حتى أكثر من قيادتك السنوية من الشمس مجاناً، فهذه ميزة ضخمة ويمكن أن تساعد في اختراق السوق».

ومع ذلك، فإن حقيقة طلاء سيارتك الكهربائية بالطاقة الشمسية لا تزال على بعد سنوات، ولا تستطيع مرسيدس أن تقول متى قد يتم طرح هذا على طرازاتها، لكنها شركة واثقة من تحقيقها.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».

اقرأ أيضاً