منافسو الدبيبة في السباق الرئاسي يسعون لإزاحته من الحكومة

البعض رأى أن تغيير «الوحدة الوطنية» يمهد لإجراء الانتخابات

صورة متداولة للقاء سابق يجمع بين خليفة حفتر وأحمد معيتيق وفتحي باشاغا
صورة متداولة للقاء سابق يجمع بين خليفة حفتر وأحمد معيتيق وفتحي باشاغا
TT

منافسو الدبيبة في السباق الرئاسي يسعون لإزاحته من الحكومة

صورة متداولة للقاء سابق يجمع بين خليفة حفتر وأحمد معيتيق وفتحي باشاغا
صورة متداولة للقاء سابق يجمع بين خليفة حفتر وأحمد معيتيق وفتحي باشاغا

لا تتوقف التساؤلات في الأوساط الليبية عن الدافع وراء إقدام بعض الشخصيات السياسية التي سبق أن تقدمت رسمياً لخوض السباق الرئاسي، بإعادة منافستها على رئاسة الحكومة التي يدعو مجلس النواب إلى تشكيلها خلفاً لعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية.
وفي ظل اشتراط المجلس على المرشحين تقديم تعهد مكتوب بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، عدّ عضو مجلس النواب الليبي على التكبالي، المتنافسين على رئاسة الحكومة الجديدة «باحثين عن أي سلطة»، و«ليست لديهم ثقة في إجراء انتخابات مستقبلاً».
ورأى التكبالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المرشحين للحكومة الجديدة يرون أنه من الأفضل اغتنام الفرصة الراهنة كونهم يدركون أن سفينة الوطن قد يكون أمامها كثير من الوقت لتستقر، بما يسمح بإجراء الاستحقاق الرئاسي»، متابعاً: «حتى إذا أجريت فمعظم هذه الأسماء لا تثق أنها تملك رصيداً كافياً من الشعبية في المناطق المختلفة، بما يدعم حظوظهم في رئاسة البلاد».
وذهب إلى أنهم يتدافعون على الترشح لرئاسة الحكومة، «لمصالحهم الشخصية وليس لخدمة الوطن»، بحسب قوله.
وأعلن مقربون من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، ونائب رئيس المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، تقديم ملفات ترشحهما لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى رجل الأعمال محمد المنتصر.
وتوقع التكبالي أن تواجه الشخصية التي ستكلف بتشكيل الحكومة بتحديات جمّة على الصعيد الداخلي، بجانب رفض الدبيبة تسليم مهامه إلا لسلطة منتخبة، وقال: «سيكون على الشخص الفائز بهذا المنصب التعاطي مع بعض شاغلي المناصب السيادية الذين يتعاونون بشكل وثيق مع الدبيبة، وربما يؤيدون بقاء حكومته، مثل محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير».
بالمقابل، يرى عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء أن بعض الشخصيات المترشحة لرئاسة الدولة أدركت مبكراً أن الانتخابات لن تجري بموعدها الذي كان محدداً قبل نهاية العام الماضي، وأن بقاء حكومة الدبيبة قد يعيق إمكانية إجرائها مستقبلاً، لذا جرى التوافق بينهم على أن يتولى أحدهم رئاسة الحكومة البديلة.
ووصف الزرقاء في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إقدام هذه الشخصيات على الترشح لرئاسة الحكومة لكونه «الطريق الوحيد لتمكين الليبيين من تحقيق حلمهم بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، وبالتـــــــالي لا يمكن وصف هؤلاء سوى بالرجال الوطنيين والشجعان، لا بالمرشحين الجاهزين دائمــــــــاً لأي موقع، كما يــــــــــردد البعض».
وأشار إلى أن «هناك تعهداً من قبل مجلس النواب بتغيير شاغلي المناصب السيادية، ليكفل للحكومة الجديدة الاضطلاع بمهمتها في التمهيد للانتخابات»، موضحاً: «هناك توافق بين البرلمان والشارع على ذلك، وهذا سيدعم قدرة الحكومة الجديدة على إجبار هؤلاء على التوقف عن التشبث بكراسيهم، بل التصدي لرفض بعض الدول الغربية لهذا التغيير».
من جانبه، أرجع رئيس لجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني «المنتهية ولايته» عبد المنعم اليسير، تقدم هذه الشخصيات للترشح لرئاسة الحكومة لإدراكهم أن رئاسة الحكومة قد تكون الموقع الأثقل من حيث الصلاحيات المالية، مقارنة بالرئاسة، فضلاً عن توافق غالبية الأطراف والقوى السياسية على عدم التعجيل بإجراء الانتخابات.
وأشار اليسر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أغلب المرشحين الذين نجحوا في التقارب مع مجلس النواب ينتمون إلى مدينة مصراتة، مثل الدبيبة، وأنهم يتمتعون بدعم مباشر من بعض الميليشيات هناك، وقادرون على التنسيق معها؛ وهو ما يعني استمرار الأوضاع كما هي في البلاد مجرد صراع بين الأقوياء للفوز بغنائم السلطة».
وتوقع تحالف ما سماهم بـ«الفاسدين» من أصحاب المصالح، وتنظيم «الإخوان»، واعتبرهم الكتلة المرجحة لكفة الصراع المتوقع بين الشخصية التي سيتم تكليفها من البرلمان والدبيبة، متابعاً: «(الإخوان) لن يتوقفوا عن دعم الدبيبة لبقائه في السلطة، إلا إذا قدمت لهم مزايا أكثر».
ويتوسط المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي الآراء السابقة، معتبراً أن «بحث هذه الشخصيات عن الوجود بالسلطة، سواء انتقالية أو رئاسة، لا يتعارض مع حقيقة استشعار البعض بالساحة السياسية أن استمرار الحكومة الراهنة سيعرقل إمكانية تحديد موعد جديد للاستحقاق الانتخابي».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «باشاغا بحكم تمتعه بنفوذ سياسي وقوة على الأرض من خلال دعم تشكيلات قوية بمصراتة ومدن بالغرب الليبي، وأيضاً بحكم علاقاته الدولية، فقد يكون الشخصية القادرة على قيادة الحكومة الجديدة وإنهاء الحديث عن معوقات العملية الانتخابية».
ولمح إلى أن الفترة الانتقالية المقبلة ربما لن تقل عن عامين، كي يتم إزالة جميع معوقات الاستحقاق، وقال إن اجتماع بنغازي الذي ضمّ مرشحين للرئاسة من المنطقتين الشرقية والغربية، والذي احتضنته المدينة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ربما مثّل البداية لرسم ملامح تلك الفترة الانتقالية، عبر توافق أطرافه، وهم باشاغا ومعيتيق وقائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، ومرشحون آخرون على ضرورة استبدال حكومة الدبيبة.
وانتهى المهدوي إلى أنه ربما «شهد الاجتماع أيضاً التوافق على احتفاظ كل منهم بموقعه الراهن، واستبعاد أن يحظى سيف الإسلام القذافي بأي دور في المرحلة المقبلة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.