معركة «الثلث المعطِّل» تحتدم في العراق قبل يومين من انتخاب رئيس للجمهورية

الحكيم يناشد الكرد والسنة «ألا يجرحوا مشاعر الشيعة برسائل خاطئة»

أنصار مقتدى الصدر يؤدون صلاة الجمعة في مدينة الصدر ببغداد أمس (إ.ب.أ)
أنصار مقتدى الصدر يؤدون صلاة الجمعة في مدينة الصدر ببغداد أمس (إ.ب.أ)
TT

معركة «الثلث المعطِّل» تحتدم في العراق قبل يومين من انتخاب رئيس للجمهورية

أنصار مقتدى الصدر يؤدون صلاة الجمعة في مدينة الصدر ببغداد أمس (إ.ب.أ)
أنصار مقتدى الصدر يؤدون صلاة الجمعة في مدينة الصدر ببغداد أمس (إ.ب.أ)

في وقت تحتدم معركة (الثلث المعطِّل) في العراق قبل يومين من جلسة التصويت على منصب رئيس الجمهورية من البرلمان العراقي قال زعيم تيار الحكمة وأحد قادة الإطار التنسيقي عمار الحكيم، إنه لا يمكن تحقيق الوحدة إذا كان المكون الأكبر (في إشارة إلى الشيعة) متفرقاً متصارعاً مشتتاً. وحذّر الحكيم في كلمة له أمس، بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لمقتل عمه محمد باقر الحكيم بعد ثلاثة شهور من سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بسيارة مفخخة في مدينة النجف قرب ضريح الإمام علي بن أبي طالب، من «تبعثر» المكون الشيعي في المرحلة السياسية المقبلة، داعياً القوى الكردية والسنية (في إشارة إلى تحالف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني) إلى «عدم إرسال رسائل خاطئة إلى الشيعة»، مضيفاً أن «الدم الشيعي حرام».
وأكد الحكيم، مخاطباً قادة البيت الشيعي، أن «وحدة كلمتنا وتوحيد صفوفنا وتحقيق طموحاتنا وأهدافنا يجب أن تبدأ من هنا، ومن المكون الاجتماعي الأكبر في البلاد، تمهيداً لوحدتنا على صعيد الوطن كله، فلا يمكن أن نتوقع تحقيق الوحدة الوطنية إذا كان المكون الأكبر مبعثراً، متفرقاً، مشتتاً، متصارعاً، متراشقاً، لا سمح الله». ومضى قائلاً: «أخاطب الأحزاب السياسية الكردية والسنية الكريمة في العراق، وأناشدهم أن يعملوا على ما عملنا به معاً لإنقاذ البلاد من براثن الفتنة والفُرقة والتقاطع نحو الاستقرار والأمن والازدهار، وألا يبعثوا برسائل خاطئة تجرح مشاعر شركائهم في البلاد من أبناء المكون الاجتماعي الأكبر، وأوكد أنْ لا معنى لأغلبية وطنية ضيقة أو واسعة من دون أن تُنتج حكومة خدمية ناجحة... تضع على عاتقها أولويات واقعية محددة بأسقف زمنية واضحة».
وفي إشارة إلى ما قيل عن توحيد البيت السني بإرادة دول إقليمية، دعا الحكيم «الأشقاء والأصدقاء كافة إلى اتخاذ موقف الحياد والتفهم لمسار الحوار الداخلي ومآلاته وعدم التلاعب باستراتيجية العراق الواحد الموحد القوي على حساب تكتيكات مكشوفة وآنية وغير مجدية».
ويعدّ هذا الخطاب هو الأعنف بالنسبة إلى الحكيم لا سيما أنه يأتي قبل يومين من المعركة الحاسمة التي يخوضها الحزبان الكرديان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) للظفر بمنصب رئيس الجمهورية. كما تأتي في وقت تحتدم فيه معركة (الثلث المعطِّل) التي باتت أكثر وضوحاً بعد قرار المحكمة الاتحادية أول من أمس (الخميس)، ألا يتحقق نصاب انتخاب رئيس الجمهورية إلا بأغلبية الثلثين حتى في الجولة الثانية من انتخاب الرئيس التي كانت تتطلب الأغلبية المطلقة من عدد الحضور. وفي الوقت الذي كان فيه التحالف الثلاثي (الصدر وبارزاني والحلبوسي) قد ضَمِن في جلسة البرلمان الأولى التي تم فيها انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، أغلبية الثلثين وكان يسعى إلى الإبقاء عليها في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فإن الجولة الثانية من الانتخاب حيث لا يمكن انتخاب الرئيس في الجولة الأولى، يمكن أن تتعطل بمجرد انسحاب قوى الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني والمستقلين مما يعرقل انتخاب مرشح التحالف الثلاثي هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهورية.
وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه الممارسة ديمقراطية في ظاهرها لكنّ ولادة (الثلث المعطِّل) في العراق، وطبقاً لما يراه المراقبون والسياسيون المستورد من النموذج اللبناني، من شأنه شلّ الحياة الديمقراطية والسياسية معاً. ففي حال لم يجرِ بعد غد (الاثنين)، انتخاب رئيس للجمهورية من بين كلا المرشحين (هوشيار زيباري عن الحزب الديمقراطي، أو برهم صالح عن الاتحاد الوطني) فإن البلاد وبسبب «الثلث المعطِّل» سوف تدخل في فراغ دستوري. فطبقاً للمسار الدستوري فإنه في الوقت الذي جرى فيه انتخاب رئيس البرلمان في جلسة البرلمان يوم 9-1-2022 فإن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية حُددت يوم 7-2-2022 كأقصى موعد دستوري. وعلى أثر انتخاب رئيس جمهورية فإنه يملك وفق الدستور مهلة 15 يوماً لتكليف مرشح الكتلة الكبرى لتشكيل الحكومة. لكنّ «الثلث المعطِّل» الذي من شأنه عرقلة انتخاب أيٍّ من المرشحين بسبب عدم قدرة أي طرف على جمع ثلثي الأصوات، يعني الزحف على باقي المواعيد الدستورية.
وفي محاولة من كلا طرفي النزاع: التحالف الثلاثي الذي يضم (التيار الصدري وتحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني)، والتحالف المقابل الذي يضم (قوى الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وجماعات من المستقلين)، لتحشيد أكبر عدد من النواب لضمان التصويت لأحد المرشحين في الجولة الثانية. وبينما لا يزال موقف الصدر وخصومه مثلما هو رغم تجديد الزعيم الكردي مسعود بارزاني مبادرته الهادفة إلى تقليص الفجوة بين الصدر وبعض قوى الإطار، فإن الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني يحاول استمالة قوى الإطار التنسيقي لجهة دعم مرشحه برهم صالح من جهة، ومن جهة أخرى إفشال نِصاب جلسة التصويت بسبب قرار المحكمة الاتحادية الذي دفع باتجاه إمكانية تعطيل جلسة التصويت ما لم يتم التوافق على حل المشكلات العالقة بين الأطراف السياسية.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.