مساعٍ لإعداد «لائحة شرف سُنية» للانتخابات البرلمانية المقبلة

توفيق سلطان: الأزمة ليست في الطائفة فقط... فلبنان كله مأزوم

TT

مساعٍ لإعداد «لائحة شرف سُنية» للانتخابات البرلمانية المقبلة

يرفض السياسي الطرابلسي اللبناني توفيق سلطان، الحديث عن أزمة أو مشكلة تعاني منها الطائفة السنية في لبنان إثر إعلان رئيس الحكومة السابق، رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، تعليق عمله السياسي، معتبراً أن البلد كلّه يعيش في وضع سيئ وليست فقط الطائفة السنية، ويقول: «لا شك غياب الحريري خسارة كبيرة إنما القيادات الأخرى موجودة وفاعلة».
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول سلطان: «من الأمور المقلقة التي تضع الإنسان أمام التشاؤم هي موجة الضخ الإعلامي حول غياب الدور السنّي في الحياة السياسية كأنه يراد به شيء آخر وربما تحميل المكون السني مسؤولية تعطيل الانتخابات وبالتالي هذا الأمر مشبوه ومرذول». ويضع سلطان زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون، لدار الفتوى للقاء المفتي عبد اللطيف دريان، محاولاً إعطاء الزيارة عنوان دعوة المكون السني ليكون حاضراً رغم أن هذا الأمر سبق أن أُعلن علناً إثر اللقاء الذي جمع المفتي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، قبل أقل من 24 ساعة من زيارة عون إلى دار الفتوى.
من هنا يرفض سلطان القول إن وضع الطائفة السنية في لبنان سيئ، بالقول: «وضع البلد كلّه سيئ والمكون السني ليس استثناءً»، مضيفاً: «لا شكّ أن غياب الحريري وتيار المستقبل خسارة كبيرة لكن الباقي ليس قليلاً. هناك عدد من القيادات والشخصيات ورؤساء الحكومة إضافة إلى دار الفتوى وجمعيات ومؤسسات كبيرة تقوم جميعها بدور فاعل في البلد»، مؤكدا أنه «إذا اضطر الحريري إلى الانكفاء فإنه ليس مسموحاً لغيره ألا يعطي ما يملك».
ويلفت هنا إلى حراك تقوم به هذه الشخصيات ولا يزال حتى اليوم يطغى عليه الطابع السري، كي لا يشعر الشارع السني بأنه تم التخلّي عنه، إنما سيعلن عنه في الوقت المناسب، وقد ينتج عنه مثلاً إعلان لائحة شرف لمرشحين بالتزكية للانتخابات النيابية من الطائفة السنية.
وفي حديثه عن وضع الطائفة السنية في لبنان يقول سلطان: «منذ الاستقلال كان يقال لرئيس الحكومة (صاحب الدولة)، وكان يُنظر إلى الحكم من خلال رئاسة الحكومة وليس مثلاً من خلال العهد»، مضيفاً: «هناك تحريف للدستور وإنشاء أعراف على حساب النصوص الدستورية، وهذا كلّه أوصلنا إلى هذا الوضع السيئ».
في المقابل، يشدد سلطان على أن المكون السني أثبت مراراً، رغم محاولات إضفاء صبغة التطرف عليه ولا سيما في طرابلس، أن خياره دائماً هو الدولة ومؤسساتها، وأبناء الطائفة على العكس من ذلك لم يجنحوا يوماً نحو التطرف بل كانوا مستعدين للتضحية بالكثير من أجل الدولة ومؤسساتها، كما أن طرابلس لم تكن يوماً إلا حاضنة للجيش اللبناني والدولة وهي عصيّة على التطرف. ويضيف: «لكن الدولة في المقابل لم تردّ علينا إلا بأسوأ صيغة كتعيين محافظ هو الأسوأ، محسوب على رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، سيشرف على الانتخابات النيابية».
ويؤكد من جهة أخرى «أن الحديث في الفترة الأخيرة عن ذهاب عدد من الشبان الطرابلسيين إلى العراق للقتال مع (داعش) ٌمبالَغ فيه كثيراً ويهدف لتشويه صورة المدينة، وقيام هؤلاء بعددهم الصغير بهذه الخطوة لم يكن إلا نتيجة الفقر والعوز علماً بأن الأمر نفسه حصل مع شبان وشابات في بلدان غربية أتوا من أقاصي الأرض للالتحاق بالتنظيم المتشدد وبأعداد أكبر بكثير من اللبنانيين الطرابلسيين». وأشار إلى أن طرابلس مدينة حضارية تتجه إليها أنظار العالم، وينشط فيها الآن حراك ثقافي وفكري وفني لافت على الرغم من الأزمة المالية والفقر.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.