فيلمان ياباني وروسي عن أزمات العالم في {روتردام الدولي}

ضيوف المهرجان رأوا أن عليه أن ينفتح أكثر على السينما الشابّة وسينما المؤلف عموماً

Yamabuki: «يامابوكي»
Yamabuki: «يامابوكي»
TT

فيلمان ياباني وروسي عن أزمات العالم في {روتردام الدولي}

Yamabuki: «يامابوكي»
Yamabuki: «يامابوكي»

‫هناك نقاش واسع هذه الأيام، وعلى منصّة مهرجان روتردام في مناسبته الـ51 الحالية، حول مستقبل السينما عموماً ومستقبل المهرجانات السينمائية على وجه التحديد. المعضلة هنا هي كالتالي:‬
> إذا تغير جوهر الصناعة السينمائية لتصبح منزلية أكثر مما هي عليه، كيف سيكون تأثير ذلك على سينما المؤلف والسينما المستقلة عموماً؟
> هل السينما يمكن لها أن تعيش من دون شراكة المشاهدين في قاعات مخصصة؟
> وما تأثير ذلك على المهرجانات السينمائية من وزن روتردام أو سواه؟ هل من المحتمل لها أن تعيش؟ ما هو تأثير الحاصل عليها وعلى السينما المستقلة؟
هي أسئلة جوهرية بلا ريب، لكن النقاش بين عدد من صانعي الأفلام (مخرجين وموزعين) وبين المهرجان تم قبل يومين على النت، ركّز أكثر على السؤال الثالث كونه يختصر الوضع والأزمة التي اشرأبت بعنقها منذ أن وطأ الوباء المستشري هذه الأرض.
كانت هناك آراء متعددة، لكن العديد من الذين استضافهم المهرجان في نقاشه، رأوا أن مهرجان روتردام عليه أن يسبق التوقعات، وأن ينفتح أكثر على السينما الشابّة وسينما المؤلف عموماً. «أكثر من ذلك؟» سألت في النقاش وأضفت «مهرجان روتردام أدّى دوره على خير وجه خلال العقود الماضية، هو وسواه. المشكلة هي فيما إذا كانت صناعات السينما حول العالم تستطيع أن تتجاوز أزماتها وبعض هذه الأزمات، كحرية الإبداع في بعض الدول والإمكانيات المحدودة لبعض الدول أو الراغبين في تحقيق أفلام خارج السائد فيها، موجودة قبل (كورونا) وستبقى لما بعده».
في هذا النطاق، ما تواجهه السينما المستقلة ليس استعداد المهرجانات لاستقبالها، بل هي الثقافة السائدة التي تتجه أكثر وأكثر صوب السينمات التجارية الكبرى. «لكن هذا كان سائداً منذ البداية»، قالت متحدّثة فصححت «كانت دوماً سائدة، لكن السينما الجادة والمختلفة تمتّعت في الستينات والسبعينات بقاعدة كبيرة من المشاهدين. لم تعد موجودة».
أيام كان الفيلم العربي أو الأفريقي أو الآسيوي، أو حتى أي فيلم لمخرج يعمل ضمن أسلوب ذاتي وفني كان يشهد إقبالاً كبيراً في عواصم الغرب الكبرى مثل برلين وباريس ولندن، وينتشر في سواها ويستمر عرضه أسابيع عديدة انتهت مع انتشار معالم حديثة وعصرية تقنية واقتصادية قبل أن يُصيب الوباء الغرب أساساً، والعالم لاحقاً، بالذهول وقدر من اللاثقة بالمستقبل. هذا المستقبل يبدو الآن مثل كرة أفلتت من قبضة صاحبها وها هي تقفز أمامه.

البحث عن وطن
النظرة لا يمكن أن تكون سوداوية لسببين: المهرجانات وأفلامها. كلاهما ملتزم بالآخر. هما في حاضنة واحدة وكل يحتاج إلى الآخر لكي يستمر. إلى ذلك سبب ثالث نجده في تلك الأفلام التي تفاجئنا بقدرة أصحابها على الإبداع والإتيان بجديد.
أفلام مثل «الفائض سينقذنا» للفرنسية مرجان دزيريلا - بيتيت، الذي عرضناه هنا سابقاً، ومثل «يامابوكي» (Yamabuki) للياباني جوسيرو يامازاكي الذي نعرضه اليوم.
قصّة إنسانية مؤلمة مُعالجة برهافة ورقّة، خصوصاً بعد نصف ساعتها الأولى، حول عامل من كوريا الجنوبية اسمه تشان (كانغ يون - سو) كان بطلاً رياضياً في الأولمبياد، لكن أحواله تعثرت بعد أن فقد والده فنزح إلى اليابان ويعيش الآن مع امرأة (ميسا وادا) وابنتها الصغيرة.
تشان سعيد، في البداية، بما في حوزته: عمل دائم في مقالع الحجر وبيت يأوي إليه ويحاول أن يجعله بديلاً لوطنه. لكن كل شيء يتغير عندما يتعرّض لحادثة ينتج منها كسر في ساقه. الشركة ستصرف له معاشاً متواضعاً، لكنها قد تتوقف عن التعامل معه في القريب العاجل. يخرج من المستشفى عوض البقاء في السرير ويحاول البرهنة على أنه ما زال قادراً على قيادة الجرافات، لكن هذا لا ينفع طويلاً. إثر ذلك يجد الفتاة الصغيرة قد استبدلت كلمة «بابا» بكلمة «تشان» حين تناديه، وها هي الآن تخبره بأنها لم تعد تحبّه.
في محاولة منه للحفاظ على هذا البيت والعائلة يسرق مالاً ليشتري به فستاناً (مرتفع الثمن) للفتاة الصغيرة. لكن الأم تعود مع ابنتها لزوجها السابق تاركة له رسالة وداع قصيرة.
الفيلم ليس عن تشان وحده، بل هناك خط يمتد بجانب الحكاية الأولى قبل أن يلتقي في النهايات ولفترة وجيزة. إنه عن الفتاة يامابوكي (كيلالا إينوري) التي تنضم إلى مجموعة صغيرة الحجم والشأن من المتظاهرين ضد ارتفاع الأسعار ووضع البلاد عموماً. والدها تحرٍ في الشرطة (يوتا كاواسي) يحاول ردعها عن المشاركة في هذه التجمّعات، لكن الفتاة تنطلق من مفهوم مغاير وستستمر.
يامابوكي ليس اسم الفتاة ولا عنوان الفيلم فقط. يكشف الفيلم عن بعض المعاني الأخرى: يامابوكي هو اسم زهرة صفراء ذهبية وتسمية مجازية للذهب الذي كان البعض يقدمه كرشوة في عصور مضت. بذلك هي كلمة تحمل رموزاً خصوصاً بالنسبة لفتاة تنظر، في أحد المشاهد، بعيداً صوب تلك الزهور وتقول «.... يامابوكي»، كما لو كانت تنادي نفسها.

بلدة للمهمّشين
هناك مشهدان رائعان في الفيلم يعتمدان على الذاكرة: تشان وهو يسرد أمام والد الفتاة لماذا سرق المال. يقول له خلال التحقيق إنه رغب في إهداء الفتاة شيئاً لكي يحافظ على وحدة العائلة. لكي تحبّه وترضى به بعدما أدركت أنه ليس والدها. دافعه الخفي إلى ذلك هو هجرته من كوريا، وعلى نحو مقنع يتساءل «لماذا هناك كوريّتان. كنا بلداً واحداً».
المشهد الآخر هو للفتاة وهي تتذكر أمها الصحافية التي قضت على الحدود التركية - السورية. المشهد لا يعكس افتقاد يامابوكي لوالدتها، بل صلتها بالمهنة التي قامت بها ورسالتها التي حاولت تأديتها. تقول الأم في مشهد فلاشباك «... لعلي أستطيع عبر عملي تأدية خدمة لهذا العالم».
نصف الساعة الأولى فيه بعض الفوضى. أحياناً مشاهد كان يمكن أن تُصوّر على نحو مختلف. تلك الفوضى من نوع تجاوز مشاهد لصالح أخرى ثم العودة للمشاهد المختزلة ووضعها في غير مكانها. لكن الفيلم يستوي بعد ذلك حين يتخلى المخرج يامازاكي عن تشتت بدايته ويركّز منتقلاً بين الشخصيتين وأحداثهما على نحو متساوٍ.
يامازاكي ابن الريف والأحداث تقع في بلدة مانيوا الصغيرة (نواحي الغرب) حيث عاش يامازاكي مزارعاً ثم باع أرضه وبدأ في تحقيق الأفلام المستقلة (هذا ثالث فيلم له وصوّره بكاميرا 16 مم). حين يقوم تشان بزيارة المدينة لشراء الهدية، يحسن المخرج تقديم البيئة التي يتلقفها تشان والمُشاهد معاً: الجسور، الشوارع العريضة، القطارات، المباني العالية، الأنوار الليلية، وكل ذلك قبل العودة إلى رحى واحدة من البلدات التي لا يؤمها سوى المهمّشين.

حالة عبور
فيلم آخر حول أزمة الإنسان ضد العالم، ولو في زمن مضى، هو الروسي «عبور» (Akrome). العنوان كلمة ذات أصل فرنسي (Croix) انتقلت (وبالإنجليزية Across) والمعنى في الفيلم الذي أخرجته ماريا إغناتنكو قد يكون رمزياً لوضع ما مثل عبور بطل الفيلم ماريس (جيورجي برغال) من البراءة إلى حالة الاكتشاف الصادمة لما هو عليه.
تقع الأحداث في قرية في إحدى مناطق البلطيق خلال الحرب العالمية الأولى. يعيش ماريس مع أخيه الأكبر يانيس (أندريه كرفنوك) وزوجته، وفي يوم يأخذه شقيقه إلى المعسكر لكي يتطوّع في الجيش الألماني. يتركه هناك ويبدأ ماريس حياته الجديدة. لقد أقسم أن يكون مخلصاً لجيش هتلر من دون توقعات أو أسئلة شأنه في ذلك شأن جميع المتطوّعين. لكن خلافاً لهم يكتشف أن ممارسات الجيش النازي والمتطوّعين الآخرين غير إنسانية.
يدلف الفيلم هنا لخاصرة موضوع الهولوكست. يواجه ماريس اعتداء الجنود على اليهود (معظمهم هنا نساء) بصمت المكتشف الذي تبدأ دواخله باعتراض صامت، ثم واضح عندما ينقذ إمرأة من تعنيف رفيق سلاح آخر رفضت الاستجابة لغرائزه. الآن نحن أمام حكايتين تداخلتا: حكاية ماريس الذي لم يكن يتوقع أن يكون شريكاً في الجريمة المنظّمة والفتاة (كلاڤديا كورشونوڤا) التي تمثّل ما حدث لسواها من ضحايا النازية.
لكن الفيلم غارق في محاولات المخرجة دفعنا لتبني أسلوبها في العمل. الصمت جيد في العموم، لكن ليس إلى الحد الذي نبدأ فيه البحث عن أصوات تعبّر عما يقع. الصورة هنا تحاول أن تلعب دور الكلمة، لكن تكرار ذلك طوال مدّة العرض (ساعة ونصف الساعة وبضع دقائق) يُغيّب وضوح الدوافع. لا شيء يؤهل بطل الفيلم لكي يتصرّف على هذا النحو سوى أن السيناريو يطلب منه ذلك في محاولة المخرجة لطرح حالة الرجل المسيحي والضحية اليهودية.
نستطيع أن نتابع براءة رجل انفرد بقراره عن باقي المتطوّعين، لكن لكي نفهم دوافعه علينا أن نلمّ بشيء آخر يمنحه السبب. أحياناً ما تنطق الشخصيات ببدايات كلمات قبل أن تفتقد باقي ما تريد قوله. الصورة هنا كان عليها أن تكمل الخانات الفارغة، لكنها منشغلة في مواصلة أسلوب عمل فيه الكثير من الرغبة في تأمل مصنوع لذاته وتكرار مفاد واحد ندركه منذ البداية ونتابعه برتابة بعد ذلك.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».