واشنطن ترهن الاتفاق النووي بـ«قرار سياسي» من إيران

لا يتضمن قيوداً على الصواريخ الباليستية والجماعات المزعزعة للاستقرار

إيرانيون يمرون أمام صورة للخميني في طهران أمس الذي صادف الذكرى الـ43 لعودته من المنفى (إ.ب.أ)
إيرانيون يمرون أمام صورة للخميني في طهران أمس الذي صادف الذكرى الـ43 لعودته من المنفى (إ.ب.أ)
TT

واشنطن ترهن الاتفاق النووي بـ«قرار سياسي» من إيران

إيرانيون يمرون أمام صورة للخميني في طهران أمس الذي صادف الذكرى الـ43 لعودته من المنفى (إ.ب.أ)
إيرانيون يمرون أمام صورة للخميني في طهران أمس الذي صادف الذكرى الـ43 لعودته من المنفى (إ.ب.أ)

كشف مسؤولون أميركيون أن محادثات فيينا الرامية لإعادة إيران والولايات المتحدة إلى الامتثال المتبادل لموجبات الاتفاق النووي شارفت على الانتهاء، مؤكدين أنه بعد أشهر عديدة من المفاوضات، فإن هذه العودة مرهونة الآن بـ«قرار سياسي» من طهران التي يجب أن تتراجع عن انتهاكاتها مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.
وتشير هذه التصريحات من المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن إلى أن المفاوضات بين كل الأطراف الموقعة على اتفاق عام 2015، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، ضمن «مجموعة 5 + 1» للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا مع إيران، أنجزت الجانب التقني المتعلق بالخطوات التي يجب اتخاذها من واشنطن وطهران من أجل عودتهما إلى «الامتثال الكامل» للاتفاق النووي بعد أربع سنوات من قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الانسحاب منه، وما تبع ذلك من انتهاكات إيرانية، كما أنها تؤكد أن إدارة بايدن اتخذت قراراً سياسياً بهذه العودة وتنتظر قراراً مماثلاً من طهران يعتقد على نطاق واسع أنه سيكون في يد المرشد الإيراني علي خامنئي.
وأوردت صحيفة «النيويورك تايمز» أن الاتفاق الجديد، «لن يحد» من قدرة إيران على تطوير الصواريخ الباليستية وإنتاجها، أو على «وقف دعم للجماعات الإرهابية أو القوى التي تعمل بالوكالة عنها» في الشرق الأوسط، في إشارة إلى ميليشيات الحوثي في اليمن و«حزب الله» في لبنان و«عصائب أهل الحق» في العراق وغيرها من الجماعات التي تزعزع استقرار المنطقة، خلافاً لرغبة بعض الديمقراطيين وجميع الجمهوريين تقريباً. وتوقعت أن يكون أي اتفاق جديد مع إيران «قضية انتخابية في انتخابات التجديد النصفي» للكونغرس الأميركي خلال العام الجاري. وعندما خرج ترمب من «أسوأ صفقة على الإطلاق»، وعد بإجبار طهران على الدخول في مفاوضات جديدة للحصول على شروط أفضل تتضمن وقف دعم طهران للنظام السوري وتمويل الجماعات الإرهابية وتجاربها الصاروخية.
لكن بالنسبة للرئيس بايدن، فإن استعادة الاتفاق النووي، بما فيه من قيود على البرنامج الإيراني، من شأنها أن تفي بوعد أطلقته في حملته الرئيسية لنقض قرار ترمب بالانسحاب عام 2018، ما أدى أيضاً إلى خلافات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. ورغم أن العودة إلى الاتفاق تأتي أيضاً بمخاطر سياسية كبيرة على الحزب الديمقراطي فإن بايدن مستعد لـ«اتخاذ القرارات السياسية اللازمة لتحقيق هذا الهدف»، وفقاً لما قاله مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية خلال إحاطة مع عدد من الصحافيين شاركت فيها «الشرق الأوسط».
وقال المسؤول الأميركي: «أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة يتعين فيها اتخاذ بعض أهم القرارات السياسية من قبل جميع الأطراف»، مضيفاً أنه «إذا كان هدفنا هو التوصل إلى تفاهم سريعاً... فإن الطريقة المثلى للقيام بذلك، في أي مفاوضات، هي أن تلتقي الأطراف التي لديها أكبر قدر من المخاطرة بشكل مباشر». وزاد: «نحن مستعدون للقاء إيران إذا كانوا مستعدين للقائنا»، معتبراً أنه سيكون «مؤسفاً للغاية» إذا لم يجر الجانبان محادثات مباشرة «نظراً لضيق الوقت المتبقي ونظراً لمدى أهمية القرارات التي يتعين اتخاذها». وأكد أن «الكرة الآن في ملعب إيران».
وأكد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أنه «لم يتبق سوى بضعة أسابيع للتوصل إلى اتفاق، وفي حال فشل المحادثات، فإن واشنطن ستزيد الضغط الاقتصادي والدبلوماسي علی طهران». وأشار إلى أوضاع السجناء الأميركيين في إيران، قائلاً إن «إطلاقهم (…) هو إحدى أولوياتنا الرئيسية في محادثات فيينا».
ولم يقدم المسؤولون الأميركيون أي تفاصيل عن الاتفاق الجديد، غير أن استعادة الاتفاق القديم ستعني أن كل القيود المفروضة على إنتاج إيران من المواد النووية ستنتهي عام 2030، ما يعني أن وزير الخارجية أنطوني بلينكن لن يتمكن من الحصول على اتفاق «أطول وأقوى» بسبب رفض المسؤولين الإيرانيين لهذه الفكرة. وسعى المفاوضون الإيرانيون إلى الحصول على ضمانات مكتوبة بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الاتفاق مجدداً، لكن نظراءهم الأميركيين أكدوا أن بايدن لا يستطيع تقديم ضمانات كهذه.
وعلى رغم أن إيران لم تكدس الحجم ذاته من اليورانيوم المخصب الذي كان لديها قبل اتفاق عام 2015، فهي اتخذت خطوات تقنية متقدمة لرفع مستوى التخصيب إلى 60 في المائة، وهي الأقرب إلى 90 في المائة المستخدمة لإنتاج أسلحة نووية. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إن «التخصيب في أي دولة بنسبة 60 في المائة أمر خطير للغاية»، مضيفاً: «وحدها الدول التي تصنع القنابل تصل إلى هذا المستوى».
ولا يعرف ما إذا كانت طهران سترسل هذا الوقود المخصب بدرجة 60 في المائة إلى روسيا كما فعلت في السابق، أو إلى دولة أخرى.
كما لا يعرف حتى الآن كيف سترد إسرائيل على أي اتفاق جديد، علماً بأنها قامت بعمليات عدة لتخريب المنشآت الإيرانية، إذ فجرت بعضها، واغتالت العالم الذي تعتقد الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أنه مصمم مشروع إيران للقنبلة.
وفي موازاة ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة وإيران على وشك التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى لإطلاق أربعة مواطنين أميركيين مقابل إيرانيين حُكم عليهم لانتهاكهم العقوبات، وفقاً لما نقلته «النيويورك تايمز» عن شخصين مطلعين على المحادثات. وقال المسؤول الكبير في وزارة الخارجية إنه لا يمكنه تصور صفقة مع إيران إذا لم تطلق المحتجزين الأميركيين.



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».