مأساة نساء تعرَّضن للاغتصاب على يد محاربين في أفريقيا الوسطى

فتاة تبلغ 15 سنة تضع يدها على بطنها المنتفخة للدلالة على حملها بعد تعرضها لاعتداء جنسي نفذه متمردون -كما قالت- في أفريقيا الوسطى (أ.ف.ب)
فتاة تبلغ 15 سنة تضع يدها على بطنها المنتفخة للدلالة على حملها بعد تعرضها لاعتداء جنسي نفذه متمردون -كما قالت- في أفريقيا الوسطى (أ.ف.ب)
TT

مأساة نساء تعرَّضن للاغتصاب على يد محاربين في أفريقيا الوسطى

فتاة تبلغ 15 سنة تضع يدها على بطنها المنتفخة للدلالة على حملها بعد تعرضها لاعتداء جنسي نفذه متمردون -كما قالت- في أفريقيا الوسطى (أ.ف.ب)
فتاة تبلغ 15 سنة تضع يدها على بطنها المنتفخة للدلالة على حملها بعد تعرضها لاعتداء جنسي نفذه متمردون -كما قالت- في أفريقيا الوسطى (أ.ف.ب)

تُلقي مايا (15 عاماً) نظرة إلى بطنها المنتفخ، والدموع تملأ عينيها. فلقد اغتصبها رجل مسلح منذ 4 أشهر، بينما كانت تحصد جذور نبات الكسافا في شمال غربي جمهورية أفريقيا الوسطى، حسبما ذكرت وكالة «الصحافة الفرنسية» في تحقيق من بلدة باوا الواقعة على بعد 500 كيلومتر شمال غربي بانغي، عاصمة أفريقيا الوسطى.
وأشارت وكالة «الصحافة الفرنسية» إلى ازدياد العنف الجنسي بحق النساء والمراهقات وحتى الفتيات، في هذه المنطقة النائية من بلاد تُعدّ من بين الأكثر فقراً في العالم، وتعاني من حرب أهلية. وتؤكد الأمم المتحدة أن متمردين وميليشيات وقوات أمنية تمارس هذا العنف.
ويستقبل مركز في باوا الضحايا ويستمع إلى قصصهن. وقد نُصِبت خيمة من القش في آخر ساحة تظللها أشجار المانغو، ولا يوجد في الخيمة سوى مكتب بسيط، فلا لافتات ولا لوحات تشير إلى هوية المكان، حفاظاً على السرية والأمن. وتستمع يومياً اختصاصيتان في علم النفس الاجتماعي من المجلس الدنماركي للاجئين، إلى أكثر من 10 ضحايا، بينهن مايا.
منهكة، لا تتمكن المراهقة من إيجاد الكلمات للتعبير عن شعورها، ولكنها تقبل التحدث عن الصدمة التي تعتريها. وتقول بصوت منخفض وخجول: «كنت وحدي في الحقل عندما أمسك بي رجل مسلح يعتمر قبعة». ويصعب على مايا قول كلمة «اغتصاب»، حسبما جاء في تحقيق الوكالة الفرنسية. وتضيف: «قلت له إنني عذراء، وتوسَّلت إليه ألا يلحق بي الأذى».
توسلات مايا لم تجدِ نفعاً، وهي اليوم حامل بطفل جلادها.
على غرار مايا، كانت ماري تبحث عن جذور الكسافا لإطعام عائلتها، عندما هاجمها رجلان مسلحان. هرب زوجها، ولكنها لم تتمكن من اللحاق به. وتقول الشابة البالغة 23 عاماً: «كبّلا يديَّ ومزّقا ثيابي، وتناوبا على اغتصابي».
تتكرر القصص نفسها خلال المقابلات. معظمهن تعرضن للاغتصاب في الحقول على أيدي متمردين من ميليشيا نافذة.
وتقول المساعِدة النفسية «لولا» (اسم مستعار): «هنا، النساء –غالباً- هن المسؤولات عن إطعام عائلاتهن، ويعملن في الزراعة». وتضيف: «وحدهن ودون حماية في الحقول يشكلن فريسة سهلة للمتمردين».
وتم اعتماد اسم مستعار للولا ومايا وماري، حفاظاً على أمنهن.
واندلعت الحرب الأهلية عام 2013 بين دولة شبه منهارة وعدد من المجموعات المسلحة، وبعدما انخفضت حدتها منذ 3 سنوات، شهدت منعطفاً مفاجئاً منذ عام، عندما أطلق المتمردون هجوماً للإطاحة بالرئيس فوستان آركانج تواديرا.
كانت هذه المجموعات تسيطر على ثلثي مساحة أفريقيا الوسطى. ولكن قادت القوات العسكرية مدعومة من مئات المرتزقة الروس هجوماً مضاداً، أجبر المتمردين على التراجع. واستعادت السلطات الحاكمة في بانغي السيطرة على معظم أراضيها. وغيَّرت الميليشيات من تكتيكاتها في الأرياف، فضاعفت حرب العصابات المتخفية ومضايقة المدنيين.
وأحصى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة 6336 عملية عنف قائم على النوع الاجتماعي، بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) 2021، في كل أرجاء البلاد، ربع هذه الحالات عنف جنسي، في زيادة بنسبة 58 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020.
وينشط المتمردون والميليشيات المسلحة على نحو أكبر في منطقة باوا. وفي تقارير حديثة، اتهمت الأمم المتحدة -أو خبراء يعملون لصالحها- جيش البلاد، والمرتزقة الروس، بالقيام أيضاً بجرائم اغتصاب.
وترتفع لافتات في مستشفى باوا مطالبة بمنع حمل السلاح. ويدير الطبيب فابريس كلافير أسانا عيادة مخصصة لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي. ويتحدث عن «معطيات مقلقة».
تنتظر حوالى 10 نساء وفتيات أمام بوابة طُليت حديثاً باللون الزهري. ويقول الطبيب: «بعد مرحلة من الاستماع وإحاطتها بجو من الثقة، يجب إجراء الفحص النسائي، وتقديم العلاج الطارئ».
ويعبِّر أسانا عن أسفه؛ لأن حبوب منع الحمل، واللقاح ضد التهاب الكبد «ب»، والعلاج ضد الأمراض المنقولة جنسياً، أو فيروس نقص المناعة البشرية، لا تأتي بالنتائج المرجوة إلا إذا تم تناولها خلال مهلة 72 ساعة: «ونادراً ما يحصل ذلك».
ومشت ماري بعد تعرضها للاعتداء مباشرة مسافة 50 كيلومتراً وهي «تصلي» لكي لا تقع في حفرة، أو تلتقي بمتحاربين. وتقول للوكالة الفرنسية: «كنت مضطربة وشعرت بالخجل. قصدت أولاً منزل أهل زوجي بثيابي الممزقة، ولكنهم لم يتمكنوا من دفع أجرة انتقالي إلى باوا». وتضيف وهي تخفي وجهها بيديها: «هذه المشاهد لا تفارق خيالي في النهار والليل، ولا أتمكن من العودة إلى الحقل». وتتابع: «زوجي هرب، وأنا وحيدة، ويجب أن أطعم ولدَيَّ دون التمكن من الزراعة».
ولم تقدم مايا وماري أي شكوى؛ لأن هذه الجرائم غالباً لا تلقى العقاب الرادع، في غياب قضاء يعمل على المحاسبة.



كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».