شهد مجلس الأمن أمس الاثنين مواجهة نادرة بين الولايات المتحدة وروسيا وسط اتهامات متبادلة بعدما أخفقت الأخيرة في منع عقد اجتماع علني مفتوح في الأمم المتحدة حول الوضع على الحدود مع أوكرانيا في ظل مخاوف دولية متزايدة من تعرضها لغزو روسي وشيك، وفي مشهد أعلنت واشنطن أنها تريده باباً إضافياً للحوار والمزيد من الدبلوماسية ويضع روسيا في موقف دفاعي، لكنه تحول منصة استخدمتها موسكو ليس فقط لاتهام الغرب بالقيام بـ«حملة هيستيرية» ضدها، بل أيضاً لنفي حشودها العسكرية الضخمة مع الجمهورية السوفياتية السابقة.
وبعد أخذ ورد في كواليس المنظمة الدولية حول الجدوى من عقد هذا الاجتماع، تمكنت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلافاً لنظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا، من إقناع عدد كافٍ من الأعضاء الـ15 لعقد الاجتماع تحت بند «التهديدات للأمن والسلم الدوليين». ونظراً للأهمية الاستثنائية التي أولاها البيت الأبيض لهذا الاجتماع، أكد الرئيس جو بايدن في بيان خلال انعقاد الجلسة في نيويورك أن الاجتماع «خطوة حاسمة في حشد العالم للتحدث بصوت واحد» رفضاً لاستخدام القوة والسعي لوقف التصعيد العسكري ودعم الدبلوماسية والمطالبة بالمساءلة من كل عضو «من أجل الامتناع عن العدوان العسكري على جيرانها». وأضاف: «إذا كانت روسيا صادقة في شأن معالجة مخاوفنا الأمنية عبر الحوار، فستواصل الولايات المتحدة وحلفاؤنا وشركاؤنا الانخراط بحسن نية». أما إذا اختارت روسيا مهاجمة أوكرانيا «فستواجه عواقب سريعة ووخيمة».
وقبيل بدء اجتماع مجلس الأمن، طالب المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير بمواصلة الجهود الدبلوماسية لحل هذه الأزمة سلمياً، مؤكداً أن بلاده تؤيد عرض المشكلة على أعضاء مجلس الأمن.
- التصويت الإجرائي
وفي مستهل الاجتماع طلب المندوب الروسي أعضاء المجلس إلى عدم التجاوب مع الخطوة «الاستفزازية» من الولايات المتحدة لعقد الاجتماع، معتبراً أن هذه الدعوة «تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية لدولتنا»، فضلاً عن أن الادعاءات الأميركية في شأن أوكرانيا «لا أساس لها».
وردت المندوبة الأميركية بعرض لسلة وقائع في شأن الحشود الروسية والاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، مذكرة بأن مئات الاجتماعات عقدت في الأسابيع الأخيرة مع المسؤولين الروس والأوروبيين والأوكرانيين حيال الموقف الراهن. وأضافت أن الوقت حان الآن لعقد اجتماع علني لمجلس الأمن حول هذه الأزمة لأن المشكلة ليست بين روسيا والولايات المتحدة وليست بين روسيا وأوكرانيا حصراً بل هي «حول السلم والأمن واحترام ميثاق الأمم المتحدة».
وبالنظر إلى الخلاف على جدول الأعمال، وضعت رئيسة مجلس الأمن لشهر يناير (كانون الثاني) المندوبة النرويجية الدائمة منى يول الطلب الأميركي لعقد على التصويت الإجرائي، فحصل على عشرة أصوات من كل من ألبانيا والبرازيل وبريطانيا وغانا وفرنسا وإيرلندا والمكسيك والنرويج والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، مع اعتراض صوتين (روسيا والصين) وامتناع ثلاثة عن التصويت (الهند والغابون وكينيا).
- الدبلوماسية واتفاق مينسك
ومع إخفاق الجانب الروسي في تعطيل عقد الجلسة إجرائياً، أعلنت رئيسة مجلس الأمن المضي في عقد الجلسة، فأعطت الكلام أولاً لوكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو التي ذكرت بتأكيد الأمين العام أنطونيو غوتيريش أنه «لا بديل للدبلوماسية والحوار للتعامل مع المخاوف الأمنية وتصورات التهديد التي أثيرت» بين أوكرانيا وروسيا، ناقلة «اعتقاده القوي» أنه «لا ينبغي لأي جيش أن تدخل في هذا السياق، وأن الدبلوماسية ينبغي أن تسود». وحضت كل الجهات الفاعلة على «الامتناع عن الخطاب الاستفزازي وتعظيم إجراءات نجاح الدبلوماسية». وأكدت دعم جهود صيغة نورماندي الرباعية ومجموعة الاتصال الثلاثية التي تقودها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لضمان تنفيذ اتفاقات مينسك التي أقرها هذا المجلس في قراره 2202.
- الحقائق الأميركية والنكران الروسي
أما المندوبة الأميركية التي قالت إن «العدوان الروسي لا يهدد أوكرانيا فقط. بل يهدد أوروبا، ويهدد النظام الدولي» القائم على «مبدأ أن دولة لا يمكنها ببساطة إعادة ترسيم حدود دولة أخرى بالقوة أو جعل شعب بلد آخر يعيش في ظل حكومة لم يخترها». وإذ أشارت إلى حشد روسيا قوة عسكرية ضخمة قوامها أكثر من 100 ألف جندي على طول الحدود الأوكرانية، أوضحت أن روسيا استخدمت أكثر من 2000 عربة سكة حديدية لنقل القوات والأسلحة من كل أنحاء روسيا إلى الحدود الأوكرانية. كما نقلت نحو 5000 جندي إلى بيلاروسيا مع صواريخ باليستية قصيرة المدى وقوات خاصة وبطاريات مضادة للطائرات، محذرة من أنه «إذا غزت روسيا أوكرانيا أكثر، فلن يتمكن أي منا من القول إننا لم نتوقع ذلك». وقالت: «لا نريد المواجهة، لكننا سنكون حازمين وسريعين ومتحدين إذا غزت روسيا أوكرانيا أكثر».
ولفت نظيرها الصيني زانغ جون إلى نفي روسيا للاتهامات التي تواجهها من الولايات المتحدة والدول الغربية في شأن الوضع على الحدود مع أوكرانيا ونفي موسكو المتكرر لأي نية بمهاجمة هذا البلد، مشدداً على أن «الوقت الآن للدبلوماسية الصامتة لا لدبلوماسية الميكروفونات». وقال: «تعارض الصين عقد مجلس الأمن لهذه الجلسة المفتوحة بناءً على طلب الولايات المتحدة». وإذ أقر بـ«توترات في شأن قضية أوكرانيا»، أضاف: «ادعت بعض الدول بقيادة الولايات المتحدة أن هناك حرباً تلوح في الأفق في أوكرانيا»، لكن «روسيا صرحت مراراً وتكراراً بأنه ليست لديها خطط لشن أي عمل عسكري».
وأكد نائب المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة جيمس كاريوكي أن حشد أكثر من مائة ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا «ليس نشراً روتينياً. هذا أكبر حشد عسكري في أوروبا منذ عقود»، مذكراً بأنه «في عام 2008، أبلغت روسيا هذا المجلس أنها سترسل قوات حفظ سلام إلى جورجيا. في الواقع كانت تغزو دولة ديمقراطية مستقلة. وفي عام 2014، نفت روسيا أمام هذا المجلس وجود قواتها في القرم. في الواقع، كان جنودها يضمون جزءاً من أوكرانيا المستقلة والديمقراطية». وأوضح أن «روسيا تنفي اليوم أن قواتها تشكل تهديداً لأوكرانيا، لكننا نرى مرة أخرى معلومات مضللة وهجمات إلكترونية ومخططات مزعزعة للاستقرار موجهة ضد دولة مستقلة وديمقراطية».
وفي المقابل، حمل المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا على «الروايات المزيفة حول أن روسيا تعتزم مهاجمة أوكرانيا»، مضيفاً أن كلام نظيرته الأميركية يتضمن «خليطاً كبيراً من الاتهامات بأعمال عدوانية من روسيا، ولكن من دون أن تقدم حقيقة محددة». وتساءل: «من أين حصلتم على رقم مائة ألف جندي جرى نشرهم على الحدود الروسية – الأوكرانية؟»، مؤكداً أن «هذا ليس هو الحال». ثم ذكر بما قام به وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول «في هذه القاعة حين لوح بقنينة تتضمن مواد مجهولة كدليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق». واتهم الدول الغربية بأنها «مستعدة بالتضحية بأوكرانيا من أجل مصالحهم الخاصة». وأشار إلى إرسال الأسلحة للحكومة الأوكرانية «التي يمكن أن تستخدمها بسهولة ضد المدنيين في شرق بلدها»، موضحاً أن «هذا يتم في انتهاك لاتفاقيات مينسك التي وافق عليها مجلس الأمن، كأساس وحيد للتسوية السلمية للنزاع الأوكراني الداخلي». وكشف أن روسيا التي تتولى رئاسة مجلس الأمن خلال الشهر الجاري ستنظم جلسة في 17 فبراير (شباط) الحالي حول تنفيذ القرار 2202.
وردت المندوبة الأميركية على كلام نظيرها الروسي، معبرة عن «دهشتها وخيبة أملها». ورفضت اتهام نيبينزيا بأن واشنطن كانت تحاول «إثارة الهستيريا» واستخدام «دبلوماسية مكبر الصوت» من خلال الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن في شأن الأزمة. وقالت: «تخيلوا مدى شعوركم بعدم الارتياح إذا كان هناك مائة ألف جندي على حدودكم»، موضحة أنه «لا توجد خطط لإضعاف روسيا، كما يدعي زملاؤنا الروس». وقالت: «نرحب بروسيا كعضو مسؤول في المجتمع الدول، لكن أفعالها على حدود أوكرانيا غير مسؤولة»، مضيفة أن «الدبلوماسية المشجعة ليست استفزازات».
ورد نيبينزيا: «لم أخطط للدخول في حوار بين روسيا والولايات المتحدة في هذا الاجتماع»، متسائلاً: «ما هي التهديدات والاستفزازات والتصعيد» الذي تتحدث عنه واشنطن؟
- تحركات في الكونغرس
في غضون ذلك، اقتربت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي من استكمال مشروع قانون يستهدف المصارف الروسية الكبرى ويضر بمدخرات الروس ومعاشات التقاعد ويحد من سوق الديون السيادية لروسيا، من بين عناصر أخرى.
وقال رئيس اللجنة السيناتور بوب مينينديز: «أعتقد أن إعطاء الرئيس ترسانة كاملة من الأدوات، والعقوبات، والتسليم السريع للأسلحة الفتاكة، والتعامل مع المعلومات المضللة التي تولدها روسيا، والهجمات الإلكترونية - كل ذلك منصوص عليه في تشريعاتنا»، مضيفاً أن هذا «نهج شامل وقوي يقول لبوتين: لديك خيار: الدبلوماسية أو النزاع».