تركيا تنفتح دبلوماسياً على الشرق الليبي

سفيرها زار بنغازي وأكد «شرعية» الوجود العسكري لبلاده

اجتماع رئيس مجلس النواب الليبي مع السفير التركي أمس للمرة الأولى (مجلس النواب الليبي)
اجتماع رئيس مجلس النواب الليبي مع السفير التركي أمس للمرة الأولى (مجلس النواب الليبي)
TT

تركيا تنفتح دبلوماسياً على الشرق الليبي

اجتماع رئيس مجلس النواب الليبي مع السفير التركي أمس للمرة الأولى (مجلس النواب الليبي)
اجتماع رئيس مجلس النواب الليبي مع السفير التركي أمس للمرة الأولى (مجلس النواب الليبي)

أنقرة: سعيد عبد الرازق

جددت تركيا تمسّكها بالبقاء العسكري في ليبيا معتبرةً أن وجودها شرعي بغضّ النظر عن عدم اعتماد مجلس النواب الليبي مذكرة التفاهم في مجال التعاون العسكري والأمني الموقّعة مع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج في عام 2019.
وقال السفير التركي في ليبيا، كنعان يلماظ، إن الوجود العسكري التركي يأتي انطلاقاً من مذكرة التفاهم العسكري الموقّعة في إسطنبول بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والسراج في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وأضاف يلماظ، خلال مؤتمر صحافي في بنغازي عقب لقائه مسؤولين في بلديتها، حسبما نقلت وسائل إعلام تركية، أمس (الأحد): «قواتنا تقدم الاستشارات والتدريب للعناصر الليبية، وعدم اعتماد مجلس النواب لهذه المذكرة يعد شأناً تشريعياً داخلياً في ليبيا».
وبدأ يلماظ زيارة لبنغازي، أول من أمس، على رأس وفد يضم دبلوماسيين ومجموعة من رجال الأعمال الأتراك برئاسة مجلس الأعمال التركي الليبي مراد قرنفيل، والتقى عدداً من أعضاء مجلس النواب ومسؤولين ببلدية المدينة.
وقال يلماظ إن زيارته لبنغازي جاءت تلبيةً لدعوة عميد بلدية المدينة صقر عمران بوجواري، مشيراً إلى أنه تفقّد مبنى القنصلية العامة التركية في بنغازي خلال زيارته، وأنه أكد للجانب الليبي رغبة بلاده في إعادة فتح القنصلية، المغلقة منذ عام 2014 عندما تتوفر الظروف المناسبة.
وعن استئناف الرحلات الجوية إلى مطار بنغازي الدولي، قال يلماظ إن فريقاً فنياً من شركة الخطوط الجوية التركية سيزور المطار قريباً، وسيعدّ تقريراً بخصوص جاهزيته لاستئناف الرحلات، مشدداً على عزم بلاده على إعادة الرحلات الجوية متى كان المطار جاهزاً.
وأشار يلماظ إلى أنه عقد اجتماعات مثمرة مع بوجواري، وأعضاء من مجلس النواب ومجلس مدينة بنغازي، وبحثوا فرص التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم والثقافة والصحة والنقل والتوأمة بين المدن.
وقال السفير التركي إن بلاده تنظر إلى ليبيا كبلد موحَّد، ولا تفرِّق بين منطقة وأخرى، وتولي أهمية كبيرة لتعزيز علاقاتها مع مختلف شرائح الشعب الليبي، لافتاً إلى أنه ناقش ممثلي غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بنغازي، ورجال الأعمال الليبيين الخطوات التي يجب اتخاذها لتحسين العلاقات في مجالي الاقتصاد والتجارة.
وأضاف أن رجال الأعمال الأتراك أكدوا خلال المباحثات استعدادهم لاستكمال مشاريعهم غير المكتملة، ولعب دور في إعادة إعمار ليبيا وتنميتها بمشاريع جديدة.
وتابع يلماظ: «تذكرون أنه كان لنا لقاء إيجابي وصادق للغاية مع رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، في مدينة القبة (شرق ليبيا) منذ فترة وجيزة». وعبّر عن أمله في استمرار الزيارات المتبادلة بشكل متزايد في الفترة المقبلة من أجل اتخاذ خطوات ملموسة بشأن القضايا التي المتفق عليها خلال زيارته إلى بنغازي».
وجاءت زيارة يلماظ إلى بنغازي بعد ثمانية أيام من زيارته مدينة القبة، التي التقى فيها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، حيث بحثا «مستجدات الوضع السياسي، والعلاقات الثنائية بين البلدين بما يخدم الشعبين الليبي والتركي»، حسب المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب.
وتعد زيارة السفير التركي إلى القبة وبنغازي الأولى له للمنطقة بعد سنوات من القطيعة بين أنقرة وشرق ليبيا. وجاءت هذه الزيارة بعد إعلان مجلس النواب رفض المصادقة على مذكرتي التفاهم في مجال التعاون العسكري والأمني، وتحديد مناطق الصلاحية وترسيم الحدود في البحر المتوسط، الموقّعتين بين إردوغان والسراج في 2019.
وزار وفد برلماني ليبي برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، تركيا، منتصف الشهر الماضي، والتقى عدداً من المسؤولين، في مقدمتهم إردوغان ورئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو.
ورافق النويري في زيارته لتركيا أعضاء من مجلس النواب عن شرق ليبيا، من بينهم عيسى العريبي وبدر النجيب المعروفان بشدة ولائهما لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش الوطني الليبي خليفة حفتر.
وتم خلال زيارة الوفد البرلماني الليبي تشكيل لجنة الصداقة بين البرلمانين، وبحث تخفيف معاناة الليبيين من خلال تخفيف القيود الإجرائية على الجالية الليبية، بالإضافة لفتح المجالين الجوي والبحري بين بنغازي وتركيا.
وأكدت زيارتا السفير التركي إلى شرق ليبيا ولقاءاته المسؤولين الكبار هناك، مؤشرات الرغبة في التقارب بين أنقرة وقادة شرق ليبيا. وكشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عن دعوة بلاده صالح وحفتر لزيارتها، مشيراً إلى أن صالح «أراد القدوم إلى تركيا مرات عدة، وتم تحديد المواعيد ثم تراجع عن إتمام الزيارة». كما أن حفتر أراد زيارة تركيا أيضاً، لكنه «اشترط» مقابلة إردوغان، إلا أن الأخير رفض باعتبار أن حفتر «ليس مخاطباً له، وليس مفوضاً في ليبيا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».