مسرحية مشبعة بالثقافتين الإغريقية والرومانية والتاريخ الإسلامي

«حادثة إعدام الموتى» للراحل فائز الزبيدي

فائز الزبيدي
فائز الزبيدي
TT

مسرحية مشبعة بالثقافتين الإغريقية والرومانية والتاريخ الإسلامي

فائز الزبيدي
فائز الزبيدي

يقول الشاعر الألماني هاينه: «إذا أردت أن تكون شاعراً عظيماً، فكنْ إنساناً عظيماً».
كذا عرفت فائز الزبيدي، حينما كان يربي مواهبه الغضة بحرص شديد، وصبر أكيد، مزدانين بتواضع جذر، وشجاعة برعم يتفتح. فلا انتمى منابزاً بمسقط رأس، ولا تمذهب، أو تشيع، أو تحزب. زاملته أربع سنوات جامعية. عرفته شاعراً، وما نما إلى علمي يوماً أنه رسام محترف، إلا بعد أن أقام معرضاً في كلية التربية.
من معروضاته المبتكرة، لوحة جمجمة.
كل ما رأيته من جماجم من قبل، كان معفراً ملقى على التراب بصورة عشوائية. إلا في لوحة المرحوم فائز. هي بالضبط أشبه ببورتريه.
تحدق فيها فتبادلك النظرة بالنظرة بتجويفين مظلمين ثاقبين. تبادلك الابتسامة بفم منزوع الشفتين، مع ذلك، فضحك الأسنان مجلجل.
عنوان اللوحة، أكثر إلغازاً، «الضحك»، لكنْ ممن؟ مع مَنْ؟ ضحك على مَنْ؟ كل ما رأيتُ من جماجم من قبل ميت، فاقد للوعي إلا تلك الجمجمة البورتريه حية، إذا صح التعبير. تتحاور معك بصمت مريب. صمت حاد قاصم.
بعد حوالي خمسة وثلاثين عاماً من لوحة الضحك، كتب الزبيدي عام 1982 قصيدة عارية من أي عنوان، عارية من أي مساحيق بلاغية، أو عمليات جراحية تجميلية. نابتة مثل وصفة طبية. في هذه القصيدة وكأنها امتداد للوحة الجمجمة، تكون الصدفة هي مهب الريح وما الإنسان إلا ريشة.
الزبيدي يتحدث فيها عن الصدفة كأنها القضاء والقدر، ولا محيص. وحتى تكون للصدفة فاعلية آنية قصوى، اختار الزبيدي بمكنة فنان ماهر، من بين المخلوقات، جنوداً في غمار حرب. أحياءً أمواتاً في وقت واحد:
«يكون
يعود الجنودُ من الحرب مصادفة
يعود الجنود من الحرب
بساقين من دونما ذاكرة
مصادفة
يعود الجنود من الحرب
بلا أذرعٍ
بلا أوجه،
ولا أوسمة
مصادفة»
لو فرضنا أن الجمجمة موقف فلسفي من الوجود، وإن «الصدفة» موقف آخر، من عبثية الحياة، فإن مسرحية «حادثة إعدام الموتى» موقف من التأريخ في أعمق مآسيه شعبية: أي مأساة الحسين.
بهذه المسرحية يبلغ الزبيدي قمة نبوغه، وما أخصب. وسيرى القارئ أن هذه المسرحية مشبعة بالثقافتين: الإغريقية والرومانية فنياً، وبالتأريخ الإسلامي بوجه خاص. وقد يرى فيها النقاد عملاً هو الأول من نوعه، في تاريخ المسرح العربي، لأنها لا تصف الحدث، بقدر ما تستبطن نوازع الإنسان الداخلية وبالتالي تناقضاته، ومواجده.
مثل هذا الاستبطان جديد على الذهنية العربية. لكنْ قبل ذلك، نذكر أن فائز الزبيدي، شاعر، وكاتب قصة قصيرة، وروائي، ومترجم عن الروسية، وها هو يضيف إلى مواهبه مسرحية، هي يتيمة في نوعها، إلى مواهبه الجزلة الممرعة تلك. عنوان المسرحية مثير للفضول: «حادثة إعدام الموتى».
صدر الزبيدي المسرحية بمقدمة ضافية مدهشة، تكشف عن أن مؤلفها ذو خزين معرفي مثير للعجب.
في المسرح الإغريقي والروماني، وكذا شأنه، في وقائع التاريخ الإسلامي، لا سيما تلك المتعلقة بتراجيدية الحسين، كما تكشف عن ملكة نقدية نادرة في الفن التشكيلي.
عالج الزبيدي في هذه المقدمة، وهي دراسة اجتماعية وفلسفية، ثيمتيْن في الأقل: هما الذاكرة الشعبية وكيف تصنع «من خامات تأريخية ولا تأريخية، مادة ملحمة بطولية هي صورة لالتباس البطولي بالديني، التأريخي باللا تأريخي، المحدود بالمطلق». بالإضافة، وجد الزبيدي بمهارة فائقة، تشابهات ومتوازيات بين الذاكرة الشعبية والفن التشكيلي العراقي، وضرب مثلاً بلوحتينْ شهيرتين للرسام الرائد كاظم حيدر، هما: «مصرع إنسان»، و«ملحمة الحسين».
ما كتبه الزبيدي عن تينك اللوحتين، من حيث تحليل الألوان ودلالاتها يرقى إلى مستوى لا يبلغه إلا نقاد أقلاء في النقد التشكيلي.
يقول الزبيدي عن لوحة «مصرع إنسان»: «ابتكر كاظم حيدر كل ما له علاقة بالجانب البصري من مكونات اللوحة، خصوصاً الأزياء، وبذا ابتعد بموضوع اللوحة عن أن يبدو موضوعاً تأريخياً...». ثم يحلل بعد ذلك اللون الأخضر وتدرجاته، ودلالاته بدقة ناقد، ورقة فنان. يقول الزبيدي: «يصل (كاظم حيدر) بشفافية اللون الواحد، إلى حد الاقتراب من شفافية التصوير الشرقي الإسلامي، خاصة في درجات الأخضر. وهذه السمة أعطت (لا تأريخية) صورة القمع في اللوحة شيئاً من التأريخية عبر المجازات اللونية، والعروض المسرحية الدينية لموضوع المقتل»، قلنا إن فائز الزبيدي متشبع بالمسرح الإغريقي والروماني، ولكنه أقرب إلى الكاتب اللاتيني سنيكا (SENECA) في ثلاثة وجوه في الأقل. فمن حيث التقنيات الفنية كلاهما يلجأ إلى الحوارات الطويلة، ومن حيث رسم الشخصيات. كلاهما يستبطن النفس البشرية لتحليل أبعادها وتناقضاتها ودوافعها. (قيل إن العصر الإليزابيثي وبالأخص شيكسبير، تأثر بسينكا في هذا المنحى النفساني).
التشابه الآخر أن مسرحية «حادثة إعدام الموتى»، وإن كان المرحوم الزبيدي يطمح لأن تُمثل على خشبة المسرح، إلا أنها كما يبدو، تعطي ثماراً أينع وأنضج لو اعتبرت نصاً مسرحياً كُتب للقراءة. ولا ضير في ذلك فكل مسرحيات سينكا، بلا استثناء، كُتبت للقراءة.
لم يكن من هم هذه المقالة، دراسة هذه المسرحية، وإن كانت تطمح إلى ذلك في المستقبل. إنها مجرد تعريف بالمؤلف وبالمسرحية. مع ذلك لنتعرف ولو من باب الفضول، على إحدى تقنيات الزبيدي في التأليف المسرحي. المعروف أن معظم المؤلفين المسرحيين، يلجأون في الفصل الأول إلى إثارة فضول القارئ أو المشاهد. ففي ملحمة كلكامش راح الراوية في التسبيحة (Paean) يتوسع في «كلية» وجود ذلك المجهول (omnipresent)، وكلية معارفه (omniscient)، وكذلك استهل إيسخيلوس مسرحيته «أغاممنون» بالحارس الساهر الملول، وشكسبير بالساحرات الثلاث في مسرحية «ماكبث». درج فائز الزبيدي على هذا النهج فبدأ مسرحيته بأغرب مقدمة لإثارة فضول القارئ. يعترف المرتاب من أول سطر: «في القضية كلها أمر غامض. كل هذا الجيش لذلك الحطام الذي يسمونه الداعية. كهل متيبس... يكاد يكون بلا عظام... يلقي بنفسه من فوق حطام دار. ثم...! لا تكاد تجد منه شيئاً... هشاشة لا تصدق، امحت ملامحه... كل هذا الجيش لمطاردة مخلوق مثل هذا»، ويقول المستريب: «أمر غامض، لا ريب! يروي جنودي مائة قصة عنه»، وهكذا كلما دخلت شخصية أضافت غموضاً جديداً. كذا يتصاعد الفضول والتحرق، لمعرفة كنه تلك الشخصية الغامضة.
يمكن القول إن مسرحية «حادثة إعدام الموتى» منعطف في تاريخ المسرح العراقي نهجاً وفناً، ومعالجة.



الموت يغيّب الروائي كمال رحيم «مُنصف» يهود مصر

رحيم (حسابه على فيسبوك)
رحيم (حسابه على فيسبوك)
TT

الموت يغيّب الروائي كمال رحيم «مُنصف» يهود مصر

رحيم (حسابه على فيسبوك)
رحيم (حسابه على فيسبوك)

غيّب الموت الأديب المصري كمال رحيم عن عمر ناهز 76 عاماً بعد صراع مع المرض، وقبل أن يتسلم النسخ الأولى من أحدث إصداراته الروائية التي حملت عنوان «وكسة الشاويش» وطرحت «دار الشروق» غلافها قبل أيام. وتعد «ثلاثية اليهود» أشهر مؤلفات الكاتب الراحل، وتتكون من «المسلم اليهودي»، و«أيام الشتات» و«أحلام العودة»، وهي ترصد بعض ملامح حياة اليهود المصريين اجتماعياً ونفسياً ووطنياً في القرن العشرين، كما تلقي الضوء على ثراء وتعدد النسيج الاجتماعي للبلاد في حقب تاريخية سابقة.

ونعت الناشرة د. فاطمة البودي، مدير عام دار «العين»، الراحل الذي وصفته بـ«الرجل الفاضل والأب الحنون والمبدع الكبير والصديق القيم»، مضيفة على صفحتها بموقع «فيسبوك»: «أعزي نفسه وأسرته وقراءه على امتداد خريطة الوطن العربي».

وحصل رحيم على العديد من الجوائز مثل جائزة «نادي القصة» أربع مرات؛ عن مجمل تجربته في القصة القصيرة، وجائزة الدولة «التشجيعية» في الأدب عام 2005، وجائزة «اتحاد الكُتاب» في الرواية سنة 2021، ثم جائزة الدولة «التقديرية» في الآداب 2022 عن مُجمل أعماله.

الأديب المصري الراحل كمال رحيم (حسابه على فيسبوك)

ومن بين الألقاب التي اشتهر بها الراحل «صوت القرية»، و«أديب بدرجة لواء شرطة»، حيث عمل بسلك الشرطة منذ تخرجه وتدرج في مناصبه حتى بلغ رتبة لواء وعمل مديراً لـ«الإنتربول» المصري بباريس.

وقال الناقد الأدبي سيد محمود لـ«الشرق الأوسط»، إن «خصوصية تجربة كمال رحيم تكمن في تركيزه على الكتابة المنتظمة في سن متأخرة نسبياً، وبعد تقاعده، حيث امتلك شجاعة نادرة في تناول شأن بالغ الحساسية، وهو الملابسات التي رافقت خروج اليهود من مصر بعد حرب 1956 وقيام دولة إسرائيل والمد القومي الذي رافق وصول الضباط الأحرار إلى سدة الحكم».

وأضاف: «أعماله تميزت بأنها أنصفت يهود مصر، ورفضت التشكيك المجاني في دوافعهم الوطنية، ونقلت القضية إلى فضاء إنساني بالغ الرهافة وبلغة بسيطة خالية من أي ادعاءات فنية وعبر سردية ناعمة».

غلاف «أيام الشتات» (حساب الراحل على فيسبوك)

ويؤكد الناقد الأدبي د. محمد سليم شوشة، أن أعمال كمال رحيم «تعبر عن صوت المهمشين والبسطاء، وتتميز بتركيزها على الدراما الإنسانية في حياة البشر، كما في روايتيّ (قهوة حبشي) و(دكاكين تغلق أبوابها)»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الراحل «واحد من أهم الروائيين المصريين وصاحب مشروع إبداعي ضخم وكان غزير الإنتاج وله مساحته الخاصة في السرد، ونقّب في حقب تاريخية ثرية وطبقات اجتماعية كان هو الوحيد القادر على كشف أبعادها».


رحيل إبراهيم غلوم... الناقد والأكاديمي «النزيه»

الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
TT

رحيل إبراهيم غلوم... الناقد والأكاديمي «النزيه»

الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم
الناقد والأكاديمي البحريني الراحل الدكتور إبراهيم غلوم

فقدت الساحة الثقافية في البحرين، والخليج عموماً، الناقد والكاتب والأديب والأكاديمي البحريني الدكتور إبراهيم غلوم، الذي رحل بعد معاناة طويلة مع المرض، عن عمرٍ يناهز 71 سنة.

اشتغل إبراهيم غلوم بالكتابة منذ مرحلة مبكرة من حياته، ونشر منذ سبعينات القرن الماضي عدداً من الدراسات في نقد القصة القصيرة والمسرح والرواية والتراث والدراسات الثقافية والفكرية. وهو حاصل على دكتوراه دولية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة التونسية سنة 1983، وكان عميداً لكلية الآداب بجامعة البحرين سابقاً، ورئيس ومؤسس قسم اللغة العربية بالجامعة، وعمل أستاذ النقد الحديث في جامعة البحرين، وأستاذاً زائراً لأدب الخليج والجزيرة العربية، بجامعة الكويت، 1986، وهو عضو أسرة الأدباء والكُتاب، ورأَس مجلس إدارتها لعدة دورات، وعضو «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، بالبحرين، وعضو مجلس أمناء مجلس «جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري».

وأسّس الفقيد عدداً من المسارح وجمعيات ثقافية واتحادات محلية وعربية، ورأس تحرير عدد من المجلات الفكرية والثقافية، وحصل على وسام الكفاءة من الدرجة الأولى 2012 من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وعلى قلادة تكريم المبدعين في دول «مجلس التعاون» في العام نفسه، كما حصل على «جائزة البحرين للكتاب» في النقد الحديث.

ونعت «هيئة البحرين للثقافة والآثار»، في البحرين، الفقيد الدكتور إبراهيم غلوم، حيث أكدت أن الحراك الأدبي في البحرين «فقَد برحيل الدكتور غلوم قامة أدبية»، مؤكدة أن الدكتور إبراهيم غلوم «ترك إسهامات ونتاجات أغْنت المكتبة العربية بكثير من الدراسات والقصص والكتابات التي ستبقى مرجعاً لكل الباحثين والكُتّاب والأدباء».

وقد نعاه الوسط الثقافي الخليجي، فكتب الدكتور طالب الرفاعي، عبر منصة «إكس»: «عظّم الله أجر البحرين بوفاة ولدها البارّ الدكتور إبراهيم غلوم... (وهو) مفكر خليجي اتخذ من الأدب طريقاً لحياته، وكان من أوائل من كتب عن فن القصة القصيرة والقصاصين في منطقة الخليج».

كذلك نعاه الدكتور عبد الله الغذامي، عبر «إكس»، قائلاً: «تغمّد الله الصديق الدكتور إبراهيم غلوم، والتعازي لزوجته العزيزة وعائلته الكريمة وللثقافة والمثقفين في البحرين، وللثقافة العربية والمؤسسة الأكاديمية، ولأجيال من تلاميذه والناهلين من علمه، عانى من المرض وصبر وصابر، جعله (الله) في كنف رضاه ورضوانه».

كما وصفه الشاعر العماني سيف الرحبي قائلاً: «الدكتور إبراهيم غلوم كان من الأصدقاء الطليعيين الأكثر نزاهةً وبُعداً عن الطائفية والشللية، كما كان يتّسم بعمقه الثقافي والفكري الشاسع والبعيد النظر».

وكتب الروائي والأكاديمي القطري، الدكتور أحمد عبد الملك: «فقدَت الساحةُ الثقافيةُ والفنيةُ العربيةُ والخليجية قامةً سامقةً برحيل الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم... رائد من رواد الثقافة والمسرح والتعليم الجامعي بالبحرين».


أمين معلوف أديب «بين بلدَين» كرّس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

 أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

أمين معلوف أديب «بين بلدَين» كرّس مسيرته لمد الجسور بين الحضارات

 أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)
أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

يُعدّ الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف، الذي انتخب الخميس أميناً دائماً جديداً للأكاديمية الفرنسية، أحد رموز الرواية التاريخية المستلهمة من الشرق، وقد كرّس إنتاجه الأدبي طوال عقود للتقارب بين الحضارات.

وإثر انضمامه إلى الأكاديمية عام 2012، نقش معلوف على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة العريقة رمز «ماريان» (شعار الجمهورية الفرنسية) وأرزة لبنان.

ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، توجه جان كريستوف روفان، صديق معلوف وزميله في الأكاديمية ومنافسه في انتخابات الخميس على رئاسة المؤسسة العريقة، إلى معلوف تحت قبة الأكاديمية قائلاً: «كل أعمالك، كل أفكارك، كل شخصيتك، هي جسر بين عالمين... يحمل كل منهما نصيبه من الجرائم، ولكن أيضاً من القيم. هذه القيم هي التي تريد توحيدها».

وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك تحيي الكاتب أمين معلوف بانتخابه أميناً دائماً للأكاديمية الفرنسية في باريس (إ.ب.أ)

وكان أمين معلوف، الصحافي السابق المقيم في فرنسا منذ عام 1976، قد فاز بجائزة غونكور الأدبية المرموقة عام 1993 عن رواية «Le Rocher de Tanios» (صخرة طانيوس) التي تدور أحداثها في الجبال اللبنانية خلال طفولته.

ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحاً كبيراً، بينها «Leon l'Africain» (ليون الأفريقي) عام 1986، و«Samarcande» (سمرقند) عام 1988، و«رحلة بالداسار» عام 2000، و«Nos freres inattendus» (إخوتنا الغرباء) سنة 2020.

أمين معلوف (74 عاماً) يعقد مؤتمراً صحافياً بعد انتخابه سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية في باريس (إ.ب.أ)

ومن مؤلفات معلوف «Les Croisades vues par les Arabes» (الحروب الصليبية كما رآها العرب) عام 1983، و«Les Echelles du Levant» (موانئ المشرق) سنة 1996، و«Les Identités meurtrières» (الهويات القاتلة) سنة 1998، و«Le Dérèglement du monde» (اختلال العالم) عام 2009، و«Un fauteuil sur la Seine» (مقعد على ضفاف السين) عام 2016، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي التاسع والعشرين (رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية) منذ عام 1635.

أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

كما كتب معلوف نصوصاً للأوبرا، خصوصاً للمؤلفة الفنلندية كايا سارياهو. وقد أُنجزت إحدى هذه القصص الأوبرالية، بعنوان «L'Amour de loin» (الحب عن بعد) في مهرجان سالزبورغ سنة 2000.

وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية، موقعاً مركزياً في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.

ففي كتاب «Origines» (بدايات) سنة 2004، تحدّث معلوف عن شعوره بالالتزام تجاه أسلافه. وكتب أن المرء في بلده الأم يولد محباً للترحال ومتعدد اللغات. والعائلة هي التي تؤسس «الهوية الشتاتية» لأبناء جلدته الذين يتركون مثله لبنان ليشقوا طريقهم حول العالم.

الكاتب الفرنسي اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف في منزله في بورت جوانفيل غرب فرنسا في 1 أكتوبر 2021 (أ.ف.ب)

الحنين إلى «المشرق»

ولد أمين معلوف في بيروت في 25 فبراير (شباط) 1949، وهو ابن رشدي المعلوف، الصحافي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر والشخصية اللامعة في العاصمة اللبنانية بين أربعينات القرن العشرين وثمانيناته.

وعلى خطى والده، خاض أمين معلوف غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع. ولمدة اثني عشر عاماً، عمل مراسلاً رئيسياً، وغطّى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة (في حرب فيتنام)، وتولى بعدها إدارة «النهار العربي والدولي».

وفي عام 1975، شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر هذا المثقف الإنساني السفر إلى فرنسا.وقال أمين معلوف: «لقد غادرتُ لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه، في مرحلة معينة، كان علي اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي».

وفي باريس، انضم إلى مجلة «Jeune Afrique» («جون أفريك» أي «أفريقيا الشابة») الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها.

أمين معلوف في 14 يونيو 2012 عندما أصبح عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية (أ.ف.ب)

على خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية من أمثال شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية، يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية. لكنه يقول: «إذا وجدوني في الغرب شرقياً، فإنهم في الشرق سيجدونني غربياً جداً!».

انتظر هذا الرجل المتحفظ المبتسم حتى عام 1993 ليستحضر لبنان في كتاب «صخرة طانيوس»، موضحاً: «لم أبتعد يوماً عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني».

وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر عشر سنوات: «لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة، اللبنانية والفرنسية، بطريقة متناغمة».

في كتاب «Les Désorientés» (التائهون) سنة 2012، استرجع معلوف بحنين سنوات دراسته الجامعية، مستذكراً مناخ التعايش في أرضه الأمّ «المشرق» قبل الحرب.

وبحسب قوله، فقد «اختفت نوعية التعايش التي كانت موجودة بين المجتمعات المختلفة وما كان ينبغي أن تختفي أبداً، بل كان يجب أن تكون نذيراً للمستقبل، وهي اليوم تنتمي إلى الماضي».

ويوزع أمين معلوف، وهو أب لثلاثة أبناء، إقامته بين باريس وجزيرة يو في منطقة فانديه الفرنسية. وهو عمّ عازف الترومبيت إبراهيم معلوف.


الكاتب والروائي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية

الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
TT

الكاتب والروائي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية

الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)
الكاتب الفرنسي - اللبناني وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف بمنزله في بورت جوانفيل بغرب فرنسا عام 2021 (أ.ف.ب)

انتُخب الكاتب الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف سكرتيراً دائماً للأكاديمية الفرنسية، الخميس 28 سبتمبر (أيلول)، ليخلف هيلين كارير دانكوس التي توفيت في 5 أغسطس (آب)، وذلك في اقتراع جرى بعد ظهر الخميس، حسبما أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية.

وأمين معلوف (74 عاماً) كاتب فرنسي من أصل لبناني، حائز جائزة غونكور عام 1993 عن روايته «Le Rocher de Tanios» (صخرة طانيوس)، وكان مرشحاً معلناً منذ فترة. وهو أحد وجوه الروايات التاريخية المُستلهمة من الشرق، وركز في أعماله على مسألة تقارب الحضارات، وفق قناة «فرنس 24».

وكان معلوف الوحيد في السباق لتولي المنصب حتى أعلن «صديقه» جان كريستوف روفين، ترشحه يوم الاثنين 25 سبتمبر. ومع ذلك، ظل هو الأوفر حظاً في التصويت، إذ فاز به بأغلبية 24 صوتاً مقابل 8.

الكاتب الفرنسي - اللبناني أمين معلوف عندما انتُخب عضواً جديداً في الأكاديمية الفرنسية في 14 يونيو 2012 بـ«معهد فرنسا» (أ.ف.ب)

وكتبت «لوموند» أن قصة أمين معلوف، مثل أعماله، تجعل منه رجلاً عابراً للحدود. مصمِّم على «تقويض» و«هدم» ما سمّاه، في خطاب الاستقبال الذي ألقاه في الأكاديمية الفرنسية عام 2011، «جدار الكراهية: بين الأوروبيين والأفارقة... بين الغرب والإسلام... بين اليهود والعرب». أول لبناني في هذا المنصب، أسَّس نفسه منذ نشر مقالته الأولى «الحروب الصليبية التي يراها العرب» عام 1983 حيث ظهر كاتباً قادراً على بناء الجسور بين الثقافات والانتماءات. وهو لا يكره شيئاً بقدر ما يكره «توترات الهوية» والنزعة الطائفية.

وُلد معلوف في لبنان عام 1949 لأم كاثوليكية من الأقلية الملكية اليونانية وأب بروتستانتي، حفيد تركي متزوج من مصرية مارونية، نشأ باللغة العربية، وتحدث الإنجليزية في المنزل، وتلقى تعليمه في المدرسة اليسوعية الفرنسية. وفي سن الثانية والعشرين، أصبح صحافياً مثل والده، وقام بتغطية الأيام الأخيرة من حرب فيتنام، وسقوط النظام الملكي الإثيوبي، والثورة الإيرانية. شغوف بـ«الطريقة التي يسير بها العالم»، ولم يكن يرغب في العيش في بلد في حالة حرب أو المشاركة بنشاط في الدفاع عن طرف في النزاع، فانتقل إلى فرنسا عام 1976 بعد اندلاع الحرب الأهلية في بيروت عام 1975.


الثقافة والتراث و«الحلوى» العمانية في معرض الرياض للكتاب

سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)
سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)
TT

الثقافة والتراث و«الحلوى» العمانية في معرض الرياض للكتاب

سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)
سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني يتفقد جناح السلطنة (الشرق الأوسط)

تحلّ سلطنة عُمان ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث يحتفي المعرض بالفكر والثقافة والأدب والفنّ والتراث العماني، عبر مجموعة كبيرة من الفعاليات والندوات الفكرية والثقافية والأمسيات الشعرية والفنية، يشارك فيها عدد كبير من الأدباء والمثقفين العمانيين.

ويشتمل الجناح العُماني على معرض للمخطوطات العُمانية النادرة، ومعرض الفنون التشكيلية، والعروض الفنية والموسيقية. إلى جانب شاشة عرض لبث أفلام ترويجية وسياحية قصيرة عن سلطنة عُمان، ومجلس لتقديم الضيافة العُمانية، التي تقدم أصناف الحلوى، مع عرض لصناعة الحلوى العمانية في الساحات الخارجية للمعرض.

ويضم البرنامج الثقافي الذي يمتد طيلة أيام انعقاد معرض الرياض للكتاب، عدداً من الفعاليات الثقافية؛ بينها محاضرات فكرية وتاريخية، وأمسيات شعرية وموسيقية وفنون شعبية، وندوات وحلقات عمل وجلسات حوارية ونقاشات في مواضيع اجتماعية وأدبية مثل: الرواية وأدب الطفل وفنون المعمار وغيرها.

سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة في الجناح العماني (الشرق الأوسط)

وأكد سعيد بن سلطان بن يعرب البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة، أن مشاركة سلطنة عُمان ضيفَ شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام «تكتسب أهمية بالغة، نظراً لأهمية معرض الرياض بين المعارض الإقليمية والعربية، ولكونها تأتي في ظل الحراك المتنامي والتقارب الوطيد بين البلدين الشقيقين على مختلف الأصعدة».

وأشار البوسعيدي إلى أن «لدى البلدين الكثير مما يمكن استثماره في سياق تفعيل العمل المشترك، نظراً لِما يتميّز به البلدان من عمق تاريخي وتراث حضاري وفنون عريقة وطاقات إبداعية كبيرة وتجارب ريادية في الفكر والثقافة والأدب، أثبتت حضورها على المستويات الإقليمية والعربية والعالمية».

وأوضح أن وزارة الثقافة العمانية حرصت على نجاح هذه التجربة في تقديم الصورة المثلى للثقافة العُمانية في مختلف مجالاتها وتجلياتها.

وأشار إلى أن هناك عدة جهات حكومية وأهلية عمانية تشارك في هذه الفعاليات، وهي: وزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وجامعة السلطان قابوس، والنادي الثقافي، والجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء، ومركز ذاكرة عُمان.

مبيّناً أن الجناح العُماني الموحد سيشتمل على عدة مفردات تتمثل في معرض المخطوطات العُمانية النادرة، ومعرض الفنون التشكيلية، والعروض الفنية والموسيقية. إلى جانب شاشة عرض لبث أفلام ترويجية وسياحية قصيرة عن سلطنة عُمان، ومجلس لتقديم الضيافة العُمانية.

الثقافة العمانية

ويشمل البرنامج الثقافي العماني في معرض الرياض الدولي للكتاب، عدة جلسات حوارية، منها جلسة مشتركة تسلّط الضوء على «مجلس التنسيق السعودي - العُماني وتفعيل التعاون الثقافي»، يتحدث فيها كل من السفير الشيخ أحمد بن هاشل المسكري، والدكتور عبد الله بن رفود السفياني.

وجلسة مشتركة عن «الرواية الخليجية وسؤال ما بعد العالمية»، يشارك فيها كل من: الروائي والشاعر زهران القاسمي، والروائية بشرى خلفان، والباحثة الدكتورة عزيزة بنت عبد الله الطائية، والروائي عبده خال، وتدير الجلسة الدكتورة منى بنت حبراس السليمية.

كما يشتمل البرنامج على جلسة تناقش «واقع المرأة العمانية: المنجز والمكانة»، بمشاركة الدكتورة ريا المنذرية، والدكتورة عائشة الدرمكية، وتديرها الدكتورة أحلام الجهورية. وجلسة «في رحاب التاريخ العُماني منذ قبل الإسلام إلى النهضة الحديثة»، ترصد أبرز التحولات والملامح، ويتحدث فيها الدكتور سعيد الهاشمي، إلى جانب الدكتور إبراهيم البوسعيدي، وتديرها الدكتورة هدى الزدجالية.

ويشمل البرنامج كذلك جلسة عن الشخصيات العمانية المدرجة في قائمة «اليونيسكو»، وهم: العلّامة الخليل بن أحمد الفراهيدي، والملاح أحمد بن ماجد السعدي، والطبيب ابن عميرة، والفيزيائي ابن الذهبي، والشاعر أبو مسلم البهلاني، والشيخ نور الدين السالمي.

يشتمل الجناح العُماني على معرض للمخطوطات العُمانية النادرة (الشرق الأوسط)

كما يتضمن البرنامج أمسيتين شعريتين مشتركتين، إحداهما للشعر الفصيح ويشارك فيها الشعراء: عبد الله العريمي، وبدرية البدري، ويوسف الكمالي، ومحمد قراطاس، ومحمد إبراهيم يعقوب، وحوراء الهميلي، ويديرها الشاعر خميس بن قلم الهاني.

والأمسية الأخرى للشعر الشعبي، ويشارك فيها: فهد السعدي، وصقر المزروعي، والدكتور ناصر الشادي، وسليمان المانع، وتديرها الشاعرة نورة البادية.

ويحفل البرنامج بعدد من المحاضرات الفكرية يقدمها نخبة من المتخصصين، من بينها محاضرة تسلط الضوء على «تجربة التعايش المجتمعي في عُمان»، وترصد أسسها وضماناتها، يقدمها الشيخ أحمد بن سعود السيابي، ويديرها الباحث خميس بن راشد العدوي. ومحاضرة تتناول «عُمان في مدونة التراث العربي»، يتحدث فيها الدكتور هلال بن سعيد الحجري، ويديرها الدكتور يونس بن جميل النعماني.

ومحاضرة عن «فنون المعمار العماني: القلاع والحصون أنموذجاً»، يقدمها المهندس سعيد بن محمد الصقلاوي، ويديرها الباحث فهد الرحبي.

كما يتضمن البرنامج محاضرة أخرى عن «التراث المخطوط المشترك بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية»، يقدمها الباحث محمد العيسري.

وفي مجال أدب الطفل، تقدم الدكتورة وفاء الشامسية «ورشة متخصصة في الكتابة الإبداعية للأطفال».

وفي الجانب الفني، يشتمل البرنامج على مشاركة فرقتين عمانيتين هما: فرقة «البلد» الموسيقية التي ستقدم عدة حفلات غنائية للجمهور السعودي، وفرقة «التراث» للفنون الشعبية.


رحيل الممثل البريطاني المخضرم مايكل جامبون عن 82 عاماً

الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)
الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)
TT

رحيل الممثل البريطاني المخضرم مايكل جامبون عن 82 عاماً

الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)
الممثل البريطاني مايكل جامبون (أرشيفية - أ.ب)

توفي اليوم (الخميس)، الممثل البريطاني - الآيرلندي المخضرم مايكل جامبون، الذي اشتهر حول العالم بدور البروفسور الحكيم ألباس دمبلدور في سلسلة أفلام «هاري بوتر».

وجامبون، الذي رحل عن عمر ناهز 82 عاماً، بدأ مسيرته المهنية على يد معلمه لورانس أوليفييه. وذكرت وكالة «بي إيه»، نقلاً عن بيان صادر عن عائلته، أنه توفي في المستشفى.

وحسب «رويترز»، بدأ جامبون التمثيل على المسرح في أوائل الستينات، وانتقل بعد ذلك إلى التلفزيون والسينما. لكن دوره الأكثر شهرةً كان دور «دمبلدور» في سلسلة أفلام «هاري بوتر»، وهو الدور الذي بدأه من الجزء الثالث من السلسلة المكونة من 8 أفلام بعد أن حلّ محل الراحل ريتشارد هاريس في عام 2004.

وعلق جامبون على الثناء الذي تلقاه على أداء الدور بالقول إنه ببساطة كان يظهر بشخصيته الحقيقية لكن «بلحية ملتصقة ورداء طويل».

وُلد مايكل جون جامبون في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 1940 في دبلن. انتقلت العائلة إلى لندن عندما كان في السادسة من عمره، حيث كان والده يبحث عن عمل في إعادة بناء المدينة بعد الحرب.

ترك جامبون المدرسة عندما بلغ 15 عاماً، ليبدأ التدريب المهني الهندسي. لكنه قال لصحيفة «هيرالد» في 2004 إنه كان عضواً في مجموعة مسرحية للهواة، وكان يعلم دائماً أنه سيمثل.

وقد تأثر كثيراً بالممثلَين الأميركيَين مارلون براندو وجيمس دين، اللذين كان يعتقد بأنهما يعكسان هموم الشباب في تلك الفترة.


انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب: صناع الأدب والنشر والترجمة يصافحون القراء

معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي
معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي
TT

انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب: صناع الأدب والنشر والترجمة يصافحون القراء

معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي
معرض الرياض الدولي للكتاب يبدأ باستقبال زواره / تصوير عبد العزيز العريفي

انطلق، اليوم (الخميس)، «معرض الرياض الدولي للكتاب 2023»، الذي تحتضنه هذا العام جامعة الملك سعود، ويُقام تحت شعار «وجهة ملهمة»، ويستمر حتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

 

ويجمع المعرض أحدث الإصدارات والعناوين في مختلف صنوف الآداب والفنون والمعارف، بمشاركة أكثر من 1800 دار نشر على امتداد 800 جناح، إضافة إلى دور بالوكالة، كما يشارك أيضاً ما يزيد على 70 دار نشر فرنسية عبر مبادرة «الرياض تقرأ الفرنسية». وعرض خاص لمخطوطات ومقتنيات نادرة يفوق عددها 25 قطعة، ولوحات فنية.

 

ويشكل المعرض الحدث الثقافي الأبرز في المملكة وخارجها، بوصفه أحد أهم معارض الكتب العربية، كما يُعدّ نافذة ثقافية تجمع صُنّاع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع القراء والمهتمين، إضافة إلى برنامجه المتضمن عدداً من الفعاليات الثقافية النوعية، والمنصات الحوارية، والمحاضرات التفاعلية، والأمسيات الشعرية، والندوات الثقافية والفنية، وورش العمل التي تغطي مجالات الفن، والقراءة، والكتابة والنشر، وصناعة الكتاب، والترجمة، والأنشطة المخصصة للأطفال، والبرامج الأخرى المصاحبة.

 

وتحل سلطنة عُمان ضيف شرف في الدورة الحالية في إطار الروابط التاريخية والعلاقات الأخوية المتينة التي تجمع الشعبين، وتعكس التبادل والتعاون الثقافي بين المملكة وسلطنة عُمان، حيث تتضمن مشاركتها بجناح في قلب المعرض يحتضن كُتباً ومخطوطات، وتمثيلاً لمكنونات ثقافتها الوطنية، إضافة إلى حضور عدد من رموز الثقافة العمانية، ومشاركة المواهب والمبدعين العُمانيين، وحضور دُوْرِ نشرٍ عُمانية تستعرض آخر نتاجها أمام أكثر من مليون زائر للمعرض.

 

 

 

مؤتمر الناشرين

 

 

 

ويُعقد على هامش المعرض «مؤتمر الناشرين الدولي»، يوم 4 أكتوبر المقبل، حيث تبحث هذه الدورة مستقبل نمو صناعة الكتاب، والتحديات التي تواجه سوق النشر، وحددت «جمعية النشر السعودية»، برعاية هيئة الأدب والنشر والترجمة، ومشاركة نخبة من المتحدثين المحليين والدوليين من قادة صناعة النشر، والناشرين الأفراد، والمؤلفين، وصنّاع المحتوى، والمتخصصين.

 

ويمثل مؤتمر الناشرين الدولي في نسخته الجديدة، فرصة دولية مهمة للناشرين تضمها مدينة الرياض كل عام على هامش معرض الكتاب، بمشاركة دُوْر نشر لناشرين سعوديين وعرب وعالميين، فيما ستُخصَص المنصة للقاءات الفردية بين الحضور والمتحدثين والمهتمين، لإقامة الأعمال والتواصل بينهم وتداول الحقوق بصناعة النشر.

 

 

 

200 فعالية ثقافية

 

 

 

ويحفل البرنامج الثقافي لمعرض الكتاب هذا العام بعشرات الفعاليات المتنوعة التي تستمر على مدى 10 أيام، ويضم البرنامج الثقافي أكثر من 200 فعالية، منها: ندوات حوارية، وأمسيات شعرية يُحييها نخبة من شُعراء الفصحى والنبطي، وورش عمل في شتى ميادين المعرفة، إلى جانب الرواة، ومسرحيات سعودية وعالمية، وحفلات موسيقية وغنائية، وورش عمل في شتى ميادين المعرفة.

 

إضافة لعروضٍ مسرحية سعودية ودولية، وحفلات موسيقية وغنائية، إلى جانب فعالية «حديث الكتاب» التي تستضيف نخبة من المفكرين والمؤلفين المؤثرين، في فعاليات تعكس جميع عناصر الثقافة ومكوناتها.

 

كما يشهد المعرض مشاركة واسعة من هيئاتٍ ومؤسساتٍ ثقافية، ودُورٍ عالمية تعرض المقتنيات النادرة والثمينة من الكُتب والمخطوطات النفيسة واللوحات الفنية، ويخصّص في جنباته منصّاتٍ لتوقيع الكُتب، وركناً مخصصاً للمؤلف السعودي من خيار النشر الذاتي، كما يواصل المعرض تقديم جائزته السنوية لدُور النشر المتميزة، من خلال 5 فئات.

 

كما تحتضن أروقة المعرض منصات لتوقيع الكتب، باستضافة مجموعة من الكُتّاب لتوقيع أحدث إصدارتهم، ومنطقة واسعة للطفل، وعدداً من الأجنحة الداعمة، بالإضافة إلى تخصيص ركن للمؤلف السعودي للنشر الذاتي، متيحاً بذلك الفرصة لعرض أكثر من 400 عنوان للمؤلفين السعوديين، حيث يتولى المعرض إدارة الركن، وتسلم الكتب، وبيعها، والتحصيل والمخالصات المالية وغيرها.

 

إلى جانب استمرار جائزة المعرض التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة المخصصة لدور النشر، وتغطي 5 فئاتٍ للتميز في النشر، وهي: الأطفال، والترجمة، والمنصات الرقمية، والمحتوى السعودي، وفئة عامة؛ لتأصيل دَوْرِ الناشرين في إثراء المحتوى الثقافي، حيث يُمنح الفائزون منحة ترجمة يقدمها شريك المعرض المجتمعي، شركة «روشن» للتطوير العقاري، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.

 

وينظم معرض الرياض الدولي للكتاب لأول مرة هذا العام مسابقة للإلقاء الشعري مخصصة للأطفال تمكّن الطفل من خلالها من تجربة تعلم مهارات الكتابة الشعرية، وتقنيات الإلقاء، مما يعزز المهارات اللغوية والشخصية للطفل، مع توفير منطقة مخصصة للطفل، لزيادة الوعي بالقراءة وتعزيز مهاراته، وفعاليات متنوعة لتثقيف الطفل، وإثراء قدراته، وصقل مهاراته المعرفية.

 

 

 

ندوات ثقافية وأمسيات فنية

 

 

 

ويشهد اليوم الأول من المعرض عدداً من الفعاليات الثقافية والفنية المتنوعة، بينها ندوة حوارية عن الأديب الراحل محمد علوان تقديراً لمسيرته الثقافية والعملية، وندوة حوارية أخرى بعنوان: «حكاية اقرأ - تجربة تُعاش لتروى»، وورشة عمل عن «برمجة الأفلام والمهرجانات السينمائية»، وندوة حوارية بعنوان «حول العالم... عبر الثقافات»، وندوة حوارية بعنوان: «علامات في الجسر الثقافي العربي الصيني» يشارك فيها باحثان صينيان، هما: الدكتور شوي تينغ قوه (بسام) وهو أكاديمي صيني، ورئيس تحرير «الصين اليوم» العربية، والناشرة والمترجمة الصينية شية يانغ. وكذلك ندوة حوارية بعنوان «حياة في الدبلوماسية» يتحدث فيها السفير عبد الله بن يحيى المعلمي، ويحاوره هادي الفقيه.

 

وضمن فعاليات «معرض الرياض الدولي للكتاب»، تقام مساء الخميس أمسية وحفل غنائي تجمع الفنانة أصالة، والفنانين راشد الفارس وفؤاد عبد الواحد وعايض وناصر نايف.


إطلاق «معجم الرياض» بـ120 ألف مدخل

يوظف المعجم تقنية خاصة للتحديث المستمر للمحتوى برصد المصطلحات والمفردات الحديثة (مجمع الملك سلمان)
يوظف المعجم تقنية خاصة للتحديث المستمر للمحتوى برصد المصطلحات والمفردات الحديثة (مجمع الملك سلمان)
TT

إطلاق «معجم الرياض» بـ120 ألف مدخل

يوظف المعجم تقنية خاصة للتحديث المستمر للمحتوى برصد المصطلحات والمفردات الحديثة (مجمع الملك سلمان)
يوظف المعجم تقنية خاصة للتحديث المستمر للمحتوى برصد المصطلحات والمفردات الحديثة (مجمع الملك سلمان)

أطلق مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربية، الأربعاء، «معجم الرياض» الأغنى بالمفردات المعاصرة، وذلك برعاية الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، رئيس مجلس أمناء المجمع.

وقال الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان عبر حسابه على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «من عمق الحضارة العربية، وأرض الضاد، يأتي (معجم الرياض) بأكثر من 120 ألف مدخل معجمي، و145 ألف معنى، و35 ألف مترادف ومتضاد».

وأشاد الدكتور عبد الله الوشمي الأمين العام المُكلّف للمجمع، بجهود القيادة السعودية في دعم اللغة العربية ونشرها في العالم، وقال، إن «المعجم يُعد مُنجزاً نوعيّاً من حيث التوقيت والدلالة؛ إذ شهد خلال مراحل إعداده تناغماً فريداً بين التقنية الحاسوبية وفريق العمل المُعجمي، بالاعتماد على التقنيات الحديثة، وقواعد بياناتها ومدوّناتها اللُّغوية؛ لتحقيق سرعة الإنجاز، ودقة مُخرَجاته»، مبيناً أنه يستهدف عموم مُستخدمي اللُّغة العربية من المثقفين والكُتّاب والأدباء والباحثين والطلاب، من أبنائها وغيرهم.

أشاد الوشمي بجهود القيادة السعودية في دعم اللغة العربية ونشرها عالمياً (مجمع الملك سلمان)

ونوّه الدكتور الوشمي بالدعم الدائم الذي يقدمه وزير الثقافة لإخراج المشروع لعموم المستفيدين، حيث يثبت إصدار المعجم دوره في قيادة زمام التحول الرقمي في مجال خدمة العربية، ببناء التقنيات التي تخدمها استعمالاً وتحليلاً وفهماً وإنتاجاً وتطويرها، ومساندة المبتكرين والمبدعين في المجالات التقنية اللغوية؛ وهو ما يعزز قدرة السعودية على الابتكار والبقاء في طليعة التقدم الرقمي.

ويوظف المعجم تقنية خاصة للتحديث المستمر للمحتوى عن طريق رصد المصطلحات والمفردات الحديثة المستخدمة، كما توفر منصاته وسائل تمكّن الجمهور من الإسهام في إثراء المعجم على المستويين الدلالي والسياقي. ويمكّن محرّك البحث فيه المبرمجين والمطورين من بناء تقنياتهم وتطبيقاتهم وألعابهم الخاصة المعتمدة على المعجم، مع المحافظة على حداثة المحتوى.

ويهدف المعجم إلى توفير المادة اللغوية الحديثة، وإهمال القديم الذي هُجِرَ في الاستعمال اللغوي، وإيجاز الشرح والتفسير، والنأي عن الإيجاز المخل، إضافة إلى توظيف إمكانات الحاسوب في سعة التخزين، ودقة التنظيم، وجمال العرض، وبدائل البحث، وتنمية الملكة اللغوية لدى المستخدم، فضلاً عن تطوير تطبيق له لاستخدامه في الأجهزة الذكية.

ويتألّف المعجم من أكثر من 120 ألف مدخل رئيسي، وقد قُرِنت مداخله بمقابلاتها الإنجليزية، ورُصِدَ لكل مدخل معناه أو معانيه مزوَّداً بمثال توضيحي أو أكثر، كما أورد لكل مدخل ما يندرج تحته من مداخل فرعية؛ سواءٌ أكانت من قبيل المسكوكات أم المتلازمات. ولمزيد من إثراء المحتوى المعجمي للمدخل الواحد رُبط بينه وبين المداخل المرادفة أو المضادة. ومن مميزاته احتواؤه على ناطق صوتي لقراءة المحتوى النصي، مع إمكانية البحث عن الكلمات المستخدمة في كل مناطق الوطن العربي.

يمثّل المعجم نقلة نوعية بما يحمله من تقنيات حديثة لخدمة اللغة (مجمع الملك سلمان)

ولتحسين المعاجم العربية وتطويرها؛ أطلق المجمع مؤخراً مسار «بناء المعاجم الرقمية»، الذي يهدف إلى تمكين صناع المعاجم ومحرريها من التقنيات الحديثة المستعملة في البناء، وترجمة المحتوى الرقمي للعربية، وتدريبهم على استعمال المعايير الحديثة المتبعة في الصناعة المعجمية، وهو يتكون من أربعة مجالات رئيسية، هي معاجم «المفردات، والتراكيب، والمصطلحات، والاستعمالات والدلالات».

ومن المقرر أن يُطلق المجمع لاحقاً - بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) - النسخة الأولى لمنصة «معجم المصطلحات العربية الموحدة» بصيغة رقمية؛ لتسهيل وصول المستفيدين إليها، وتطويرها، وتحديث بياناتها بما يستجد من مصطلحات.

يتميز المعجم باحتوائه على ناطق صوتي لقراءة المحتوى النصي (واس)

ويُعَدّ إصدار «معجم الرياض» رسالة تأكيد لدور السعودية الاستراتيجي في دعم جميع القضايا المتعلقة باللغة العربية، وتعزيز رسالة المجمع في استثمار فرص خدمتها، والمحافظة على سلامتها ودعمها نطقاً وكتابة، والسعي للوصول إلى شرائح المجتمع بالعمل اللغوي الحيوي المرتبط بمجالات الحياة والثقافة.


فاريا الأوكرانية وميخائيل نعيمة: علاقة عاطفية معقدة من ثلاثة أطراف

فاريا الأوكرانية وميخائيل نعيمة: علاقة عاطفية معقدة من ثلاثة أطراف
TT

فاريا الأوكرانية وميخائيل نعيمة: علاقة عاطفية معقدة من ثلاثة أطراف

فاريا الأوكرانية وميخائيل نعيمة: علاقة عاطفية معقدة من ثلاثة أطراف

لم أجد ضمن هذه السلسلة من المقالات التي تتناول الجانب العاطفي من حياة المبدعين، شخصية مثيرة للحيرة والالتباس كما هي حال الكاتب اللبناني ميخائيل نعيمة. وهي حيرة لا تولدها علاقة «ناسك الشخروب» بالمرأة والحب فحسب، بل تنسحب على مواقفه من الجسد والروح، الأثرة والإيثار، الأنانية والغيرية، وغير ذلك من الثنائيات المتعارضة. لا بل أي تأمل عميق في سيرة الكاتب الحياتية، والعاطفية على وجه الخصوص، لا بد من أن يدفعنا إلى الاستنتاج أننا إزاء شخصية «مأزقية» ومشرعة على نوع من المفارقات، شبيهة بتلك التي جعلها سورين كيركغارد أحد المحاور الرئيسية لفلسفته وأعماله.

قد لا يجد قارئ نعيمة أي غضاضة في إشارة الكاتب، المولود في بسكنتا عام 1889، إلى تفوقه الدراسي الذي أوصله، وهو المسيحي الأورثوذكسي، إلى المدرسة الروسية في حيفا، ثم إلى بولتافا الأوكرانية ليكمل دراساته العليا في أحد معاهدها. وإذا كان بالأمر الطبيعي أن يؤكد نعيمة سعيه إلى التفوق عبر قوله: «لقد كانت تسعفني على التحصيل نزعة عنيفة إلى التفوق، فما كنت أطيق أن يكون في صفي من هم أكثر حظوة مني في عين المعلم»، إلا إن ما تتعذر استساغته هو نزوعه اللاحق إلى التباهي والاعتداد النرجسي بالذات. فهو يسرد في كتابه «سبعون» شهادات متنوعة بعث بها إليه قراء كثر مفتونون به وبكتاباته، كقول أحدهم إن «حبي لك يفوق حبي لأي كائن مهما كان»، وقول إحداهن: «وددت لو طويت الأرض تحت قدمي فأكون في حضرتك»، ووصف مؤسسة نشر هندية لكتاب «مرداد» بأنه «كتاب الساعة، بل كتاب الجيل، بل كتاب الأبدية».

كما يستشهد نعيمة لإثبات تفوقه بقول مواطنه رشيد أيوب: «أشهد من على السطوح بأن ميخائيل نعيمة هو الذي علمنا الشعر». ولا يتوانى عن الاستعانة بالعقاد لإثبات تفوقه على صاحب «العواصف»، حيث يسر له صديق له: «أريد أن أقول لك بالسر، إن العقاد قال لي إنه يرى فيك نبوغاً على جميع إخوانك، وعلى جبران أيضاً»، دون أن يأخذ في الاعتبار أن ما قاله العقاد قد يكون متصلاً بالتنافس الحاد بينه وبين جبران على قلب مي زيادة.

أما في الجانب العاطفي، فالواضح أن نزوع نعيمة الطهراني وخوفه من فكرة الخطيئة، قد غذتهما في داخله نشأته الريفية المحافظة، ثم رسختهما المؤسسات التعليمية المختلفة التي أولت اهتمامها الجمّ للتنشئة الأخلاقية والتعاليم اللاهوتية الأرثوذكسية. فنعيمة الذي التحق بالمدرسة الروسية في حيفا يصف حياته هناك بأنها كانت أشبه «بحياة الرهبان في الدير»، مشيراً إلى أن كثيراً من الطلبة قد طردوا من المدرسة بسبب تورطهم في علاقات مشبوهة. وهو إذ يرى في الزواج، رغم نأيه اللاحق عنه، الحل الأفضل لردع الخطيئة وإطفاء نار الغرائز الشهوانية، فهو لا يؤثر العفة المفروضة من قبل المجتمع وقوانينه وأعرافه، بل العفة الطوعية التي يفرضها الفرد على نفسه، مضيفاً: «لقد عانيت في كبح عاطفتي الجنسية الشيء الكثير، ولم أستسلم لها إلا في فترات من حياتي سأذكرها في حينها».

وإذ تأخرت معرفة نعيمة بالنساء بسبب مكابداته النفسية والروحية المرهقة، فإن احتكاكه الفعلي بالنساء قد حدث من خلال المرأة الأوكرانية المتزوجة «فاريا»، التي عرفه بها عام 1908 شقيقها إليوشا. وإذ يلح الكاتب على أنه حاول ما بوسعه الإشاحة بسمعه عن نداء المعصية، إلا إن البورتريه الذي قدمه لفاريا، ذات العينين الزرقاوين الواسعتين والبشرة الناعمة والشعر الكستنائي، فضلاً عن وضعنا نحن القراء في صورة محاولاتها المضنية لإغوائه، أظهرا حرصه الشديد على تقديم ما حدث بين الطرفين بوصفه نسخة جديدة عما حدث بين يوسف وزليخة، مع فارق أساسي تمثل في أن النبي قد حظي ببرهان ربه الذي نجاه من المعصية، فيما صاحب «الغربال» لم يحظ بمثل هذا البرهان.

من حقنا أن نتساءل عن الأسباب التي جعلت نعيمة يسوّغ لنفسه ما حرّمه على جبران... وهو الذي نعت صاحب «النبي» بأنه نهش لحم النساء اللاتي تعلقن به

ومع أن نعيمة لم يرفع راية استسلامه بسرعة للمرأة المتزوجة من رجل ضعيف الشخصية وبسيط إلى حد السذاجة، إلا إنه لا يلبث أن يشير في يومياته إلى الصراع الناشب في داخله بين الوحش الشهواني الذي استيقظ للتو، وبين صورته في عين نفسه وعيون زملائه الطلبة، الذين علقوا على لوحة المعهد رسماً يمثله وهو يقف أمام مومس مشهورة ليرشدها إلى طريق التوبة والعفة، ثم كتبوا تحت اللوحة العبارة التالية: «لقد أضعنا رفيقاً، ولكننا وجدنا نبياً». إلا إن ما ضاعف من وضعه المأزقي، هو ملاحقة فاريا له في حركاته وسكناته، واعترافها الصريح بأنها منذ التقت به لم يعرف قلبها الهدوء. وهي إذ تدرك حجم الصراع الذي يدور في داخله بين العفة والإثم، تحاول أن تكسب وده عن طريق إشعاره بأنها تشاطره المعاناة نفسها، بما جعلها تسقط فريسة المرض والآلام المبرحة، دون أن تنسى اتهامه بقسوة القلب، وبالانشغال عنها بأمور أخرى لا قبل لها بمعرفتها.

وكما يظهر من سياق السيرة، فإن دفاعات الشاب المتمنع لم تلبث أن سقطت أخيراً أمام إصرار فاريا على التشبث به، وصولاً إلى استعدادها الحاسم للذهاب معه إلى لبنان كما إلى نهاية العالم. وحين تأكد له أن إليوشا، شقيق فاريا، وزوجها كوتيا، كانا مطلعين على طبيعة العلاقة وتفاصيلها، كتب نعيمة يقول: «وهكذا استسلمت. أو قل هكذا خدّرت ضميري الحي لأهوّن عليه الاستسلام للبهيمة في داخلي. والغريب أن تنبت لي في أميركا بعد سنين، حالتان مماثلتان فأخرج منهما بعين النتيجة».

ورغم التوطد التدريجي للعلاقة بين نعيمة وفاريا، فإنه ظل متردداً في الاستجابة لإلحاحها اليومي على فكرة الزواج، بسبب شعوره الممض بالذنب اتجاه كوتيا المسكين. ومع قيامها المفاجئ بمحاولة الانتحار، رضي بالزواج منها شرط التحاق زوجها بأحد الأديرة المعروفة. إلا إن رفض الكنيسة هذا الأمر، حرر نعيمة من مأزقه الصعب، ليعود وحيداً إلى لبنان. أما آخر فصول هذه العلاقة المعقدة فقد تمثلت في الرسالة المؤثرة التي بعثت بها فاريا إلى الحبيب اللبناني، الذي لم تتح له قراءة الرسالة إلا بعد مغادرته الوطن الأم باتجاه المهجر الأميركي.

وإذا كانت علاقات نعيمة بالنساء لم تقتصر على فاريا وحدها، فإن اللافت في هذا السياق هو إلحاحه المستمر على إظهار نفسه بمظهر الساحر الصدود لكل من شاءت الظروف أن يلتقي بهن. لذلك فهو لا يجد غضاضة في القول: «لقد هامت بي أكثر من فتاة ذلك الصيف. إلا أنني لم أفتح قلبي ولا استسلمت لإغراء أية واحدة منهن. ولو شئت أن أمثل دور دون جوان لمثلته بسهولة». ثم يتابع متسائلاً: «ماذا أصنع بقلبي الذي ترتمي عليه القلوب وهو لم يجد بعد قلباً يرتمي عليه؟ إنه يريد أن يحب، أن يذوب في الحب، ولكنه لم يجد ضالته، وسيجدها يوماً ما». ويتحدث نعيمة خلال إقامته في فرنسا عن الفتاة الأرستقراطية مادلين التي ظلت تتحين الفرص لاصطياده في حديقة الجامعة، والتي قاوم إغواءها حتى اللحظة الأخيرة. كما يتحدث خلال إقامته الأميركية عن علاقة عاطفية بامرأة متزوجة دعاها بيلّا، معترفاً بأنه أحبها من صميم قلبه، وملقياً عن كاهله عقد الذنب، باعتبار أنها لم تحمل لزوجها السكير سوى مشاعر الكراهية والاشمئزاز.

ثم لا يلبث نعيمة أن يحدثنا عن غرام جديد مع «العاصفة الهوجاء» التي دعاها «نيونيا»، صديقة أحد الرسامين الطليان، والباحثة عن قوت من اللحم والدم والكلمات والنظرات، لا قبل لأحد سواه بتوفيره لها، على حد قوله الحرفي. وهي علاقة استمرت بين عامي 1929 و1932، إضافة إلى علاقات سريعة أخرى، كعلاقته بهيلدا التي طلبت أن يمضي سهرة معها، ليضيف قائلاً: «ولم أشأ أن أكسر خاطرها فقبلتها قبلة عفيفة على جبينها»، وعلاقته المماثلة برئيسة تحرير مجلة أميركية، وبرسامة معروفة التقى بها ليلة وفاة جبران، وأخريات غيرهن.

وإذا لم يكن لنا أخيراً أن نأخذ على نعيمة قراره النهائي بالعزوف عن الزواج، وهو الذي يعترف بوضوح تام: «تبين لي من علاقاتي مع النساء أنني لم أولد لأكون بعلاً لامرأة، وأباً لعدد من البنات والبنين، فعملي في حياتي هو أكثر من تحديد النسل، وهذا العمل لا يطيق لصاحبه أن يتزوج ضرة عليه»، إلا إن من حقنا أن نتساءل في المقابل عن الأسباب التي جعلت نعيمة يسوغ لنفسه ما حرّمه على جبران، وهو الذي نعت صاحب «النبي» بأنه نهش لحم النساء اللاتي تعلقن به، وبأنه كان يدعو النساء إلى فراشه لا إلى قلبه، ومن حقنا أن نتساءل في الوقت ذاته عما إذا كانت الصدف وحدها هي التي جعلت علاقاته العاطفية محصورة بنساء متزوجات، أم إن الأمر متصل بدوافع سيكولوجية عميقة، من بينها إثبات تفوقه على الآخرين، ومنازلتهم فوق ساحاتهم الخاصة وفي عقر أسرّتهم الزوجية؟


هاني نقشبندي... لم يكتب روايته الثامنة

غلاف الخطيب
غلاف الخطيب
TT

هاني نقشبندي... لم يكتب روايته الثامنة

غلاف الخطيب
غلاف الخطيب

ذكر الصديق والإعلامي والروائي الراحل هاني نقشبندي، أنه يريد أن يرحل عن عالمنا خاوياً، أي أن لا تبقى في جعبته أي مشروعات يزمع كتابتها لكنه تحدث لنا بأنه ينوي كتابة رواية تدور أحداثها في المقبرة، عن شاب يزور قبر أبيه، ليجد هناك ثلاثة أشخاص يقولون له: أنت ترانا ولكن لا أحد غيرك يرانا، إلا أن القدر شاء أن تبقى هذه الفكرة جنيناً في رأسه ولم تولد رواية مكتوبة على أساس ستكون روايته الثامنة.

رغم دراسته وعمله في ميدان الإعلام، كان يسعى إلى إبداع عمل روائي يجعله أقرب إلى الحقيقة، إيماناً منه بأن الوصول إلى الحقيقة يتم عن طريق الخيال، أي من خلال الغوص في عالم الشخصيات الحائرة والقلقة عبر لغة يقرأها الجميع، ولم يتوان عن طرق الموضوعات الساخنة والمتلهبة في عالمنا العربي، منتقداً المحرمات التي يفرضها المجتمع من دون وعي في كثير من الأحيان.

قارئ رواياته يجد المتعة والحبكة والجدل والثراء الفلسفي، بلغة خاصة به، أسلوب اجترحه من خلال سعيه وراء التميّز والجديد، إذ بقي لصيقاً بقضايا مجتمعه وعالج أخطرها وأكثرها حرارةً والتهاباً مثل التطرف والانفتاح والحرية والتشتت والحروب والخطباء وغيرها من الثيمات التي تنتشر في ثنايا رواياته. اختار الكاتب لغة السهل الممتنع لكي يحملنا إلى عوالمه الروائية، غير المطروقة، بحيث لا تنتهي من قراءة رواية له إلا وتقطف منها ثمرة فلسفية عبر لسان شخصياته، جامعاً بين المتعة والحبكة المبتكرة والخيال، كتب رواياته في أماكن مألوفة إلى روحه: جدة، ودبي، وغرناطة، ومدينة الشاون. استطاع هاني نقشبندي أن يتفاعل مع كل من المجتمع السعودي والخليجي والعربي من أوسع الأبواب: الخيال. وصدرت رواياته في ظروف انتقالات وتحولات في بنية مجتمعاتنا، إلا أنها أثبتت أن مصيرها هو الانفتاح والحرية. صدرت لوحاته في طبعات عديدة ومختلفة، واستحقت معظمها أن تترجم إلى اللغات العالمية منها الإنجليزية والإيطالية.

تميّز الكاتب بجرأة طرحه لموضوعات ما تُسمى بـ«التابو»، أي المحرمات أو الممنوعات: التاريخ، المواطن، التراث، والإرهاب. ومن أجل ذلك طرح خطاباً جديداً في رواياته، فقد كان يكافح ضد النمطية والقوالب الجاهزة، ساعياً إلى إثارة الحراك التنويري الحديث، حاملاً مضامين اجتماعية وسياسية توزعت على رواياته السبع، جميعها نُشرت في «دار الساقي»، وتم توزيعها في بلده وفي العالم العربي، فاستطاعت أن تتجاوز القيود والحدود المحلية.

كان الكاتب الراحل دؤوباً على الإنتاج، إذ ما إن ينتهي من كتابة رواية حتى يبدأ بكتابة أخرى. كان يؤكد أن نهاية كل رواية من رواياته هي بداية لكتابة رواية أخرى، كما أنها تتميز بنهايات مفتوحة غير خاضعة لمنطلق أو عقلانية معينة، فهو يعطي القارئ حريته في التخييل والرؤية.

هكذا ينتقل من هذا الموضوع ليطرح موضوعاً ملتهباً، وهو التطرف الديني الذي عالجه روائياً بكل حكمة وعقلانية، فهو في الرواية يبحث عن أسباب هذا التطرف والظروف التي أدت إلى استفحاله في المجتمع العربي.

في رواية «اختلاس» يغوص في عالم المكبوتات التي يعاني منها المجتمع، عاداً الموروث حافزاً لاستعادة التاريخ لا لتشويهه وفرض سطوته، ويقيم تضاداً بين هاجس المرأة وجموح الرجل.

وفي روايتي «طبطاب الجنة»، و«الخطيب»، عمد إلى رصد تأثير الخطاب الديني في الشارع العربي؛ الرواية الأولى تدور أحداثها في مدينة جدة في مقبرة «أمنا حواء»، حيث يلازم الشاب سلومي القبر أمام قبر سلمى حبيبته، وهو لا يتناول سوى الحلوى الشهيرة في السعودية «طبطاب الجنة»، مبدياً منها رمزية عالية. وفي الجهة الأخرى، ثمة فتاة تدعى «غرسط» تراقبه من نافذتها. إنه جنون الحب يطرحه الكاتب بطريقته الرمزية، وهي يتحدث عن ظلم المرأة. ومن خلال هذه الحبكة يدخلنا الكاتب إلى عالم القبور الحزين، ويجيب على الأسئلة الوجودية في الحياة والموت والحب والعشق والوله كأنه يتحدث عن قيس وليلى، لكن بطريقة عصرية، حيث تتقاطع مصائر بطليها، مع مصائر بطلي هذه الرواية. من خلال أحداث هذه الرواية، يسعى الكاتب إلى تجسيد سوداوية الواقع من خلال حبكة روايته الممتعة. أما في رواية «الخطيب»، فهو يمزج الواقع بالخيال، متناولاً قصة خطيب تقليدي يؤدي عمله حرفياً وبانتظام. لكن ما وقع فيه الخطيب أنه ألقى خطبة واحدة جاءت مختلفة عن خطبه السابقة، كررها عن طريق الخطأ. من هذه النقطة، بدأ الخطيب والمؤذن، الذي هو مساعده، يفكران في أمرين: الأول، كيف لم ينتبه أحد من المصلين إلى أن الخطبة الأخيرة جاءت مكررة، ما يعني أن أحداً لم يستمع من قبل لها؟ والأمر الثاني، ومن أجل ذلك، يقترح المؤذن على الخطيب أن يجعل خطبته أكثر التصاقاً بحياة الناس، ومعالجة همومهم اليومية. رواية «الخطيب» عمل أدبي ضد الغلو والتطرف والتعصّب والتكفير، يسعى الكاتب من خلالها إلى إحداث هزة في علاقة الخطيب بالجمهور، وعلى الاثنين أن يفكرا بإيجاد علاقة أخرى بينهما قائمة على فهم مشترك للحياة العصرية، كما يعيشها الملايين حالياً، وأولى هذه الرسائل هي: التعايش السلمي بين جميع الأطياف في المجتمع، وتجديد الخطاب الديني، وعدم إقصاء الآخرين، والانفتاح على الحياة المعاصرة. تميزت الرواية بجرأة الطرح لموضوع جوهري لم تتطرق إليها الرواية العربية.

في رواية «سلّام» ينتقل الروائي إلى التاريخ، لكن ليس بطريقة كتابة الرواية التاريخية، بل من خلال رواية التخييل التاريخي، عبر فكرة عن التاريخ الأندلسي، واحتلال إسبانيا لها، جاعلاً منها رواية مستقبلية عن فكرة الاحتلال وتوثيق ما يدور بالذهن العربي. وهو كسر الفكر السائد من أن الأندلس كانت جنتنا الموعودة، لأننا كنا نصنع أوهاماً حولها، حسب رؤية الروائي. ولا يزال تاريخنا مليئاً بالحروب والغزوات والموت. هكذا لا يستسلم الروائي إلى الواقع والتاريخ المكتوب، بل ينطلق من الخيال لكي يصل إلى جوهره، ولا يؤمن الكاتب بما نطلق عليه الحقيقة المطلقة لأنه يؤمن بأن الروائي له رؤيته عن هذه الحقيقة. وبطل روايته «سلاّم» رجل يرفض بناء قصر حمراء آخر، بل ويبدأ بالظن في كل التاريخ الذي ورثه بل ويعده أسطورة من الأساطير عبر تقنية المونولوغ؛ أي الحوار الداخلي للشخصيات.

غلاف سلام

ثم ينتقل الروائي نقشبندي إلى العوالم الغرائبية، كما في رواية «نصف مواطن محترم»، وينقلنا إلى حبكة تدور حول موظّف بسيط يرافق زوجته إلى المستشفى، لإجراء عملية جراحية طارئة، فيكتشف أن البلاد كلّها في حالة حداد عام على أحد أقرباء الزعيم مما يؤدي إلى تأجيل موعد العملية لأسبوع فيفقد أعصابه وينتفض ضد هذه الإجراءات. وعلى أثر ذلك، يتم سجن الرجل بتهمة تحريض الشعب على الثورة. لذلك يستعين محفل الوطن به لتهدئة الانتفاضة، فيُنصّب عضواً في المحفل نفسه، ويُعلَن بطلاً يقود البلاد للخروج من الأزمة. عبر هذه الحبكة استطاع أن ينقلنا الكاتب إلى عالم اللامعقول عبر أحداث عادية مألوفة.

وبما أنه عاش فترة طويلة في دبي، فقد كتب عنها روايته «ليلة واحدة في دبي»، وهي قصة متخيلة يستيقظ فيها البطل على معجزة بناء عمارة بسرعة خارقة، ترتفع إلى السماء. وفي ليلة واحدة أصبحت مائة طابق وما زالت تشقّ طريقها في السماء. لقد حجبت العمارة ضوء الشمس عن حجرة نومها. أحست بالخوف وأخذت تسأل: أين أنا؟ ثم ما لبث أن ضاع اسمها، نسيته وراحت تبحث عمن يعرفها كي يذكّرها به من دون أن توحي أنها نسيته. قدمت إلى دبي لتبدأ حياة جديدة بعد زواج دام شهرين، إذ تتوظّف في شركة كبيرة لكنّها لم تشعر بالاستقرار والطمأنينة مع العزلة التي أخذت تكبر في أعماقها كل يوم. فذكرى حبيبها الذي التقته بعد الطلاق وتخلّيه عنها، لا تزال تطاردها، لكنها في النهاية تفتح قلبها إلى الحارس الهندي في البناية لتبوح له بما يشغل بالها. رغم أن أحداث الرواية تدور حول دبي لكنها في حقيقة الأمر ليست دبي الواقعية، بل دبي الذي تخيلها الكاتب شأنها شأن العواصم المتروبوليتية كنيويورك وباريس والقاهرة وغيرها. من خلال فكرة بسيطة، تمكن الكاتب من خلق أجواء كابوسية يعاني منها الإنسان العصري في كل مكان، خصوصاً في المدن الكبيرة المزدحمة.

أما روايته السابعة فهي «قصة حلم» التي تم إخراجها مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان «صانع الأحلام» من «قناة أبوظبي». يطرح الكاتب موضوع الحلم باعتباره رؤية فانتازية ذات أبعاد مستقبلية. لذلك نجده يمزج بين ابن سيرين، أهم مفسري الأحلام في التاريخ العربي، وبين بطل روايته إسماعيل عمران، أستاذ جامعي فيزيائي يعيش في مصر. ورث عن أبيه علم تفسير الأحلام، إضافة إلى مهارته في الفيزياء. يطرح البطل أحلامه في مؤتمر، ويفاجئ الجميع بأن الإنسان إنما يصنع أحلامه بنفسه.