إذا كنت تعتقد بأن الكرواسان دسمة جربها بالكنافة

باتسيري «موريس» في بيروت أول من ابتكرها

الكرواسان بالكنافة
الكرواسان بالكنافة
TT

إذا كنت تعتقد بأن الكرواسان دسمة جربها بالكنافة

الكرواسان بالكنافة
الكرواسان بالكنافة

تلاقي الـ«كرواسان بالكنافة» حاليا شهرة واسعة، فهي تجمع ما بين الشرق والغرب بشكلها وطعمها، صارت بمثابة ماركة مسجلة باسم لبنان بعد أن تولت محلات بيع الحلوى فيه كـ«سي سويت» والـ«جرالدويهي» والـ«بابا» و«الحلاب» وغيرها، بيعها لزبائنها الذين يفضّلون استبدال كعكة الكنافة العادية المغطاة بالسمسم بقطعة الكرواسان المقرمشة.
ولعل شهرة هذه الحلوى التي أصبحت ذائعة الصيت، يمكن إدراجها في لائحة أصناف أخرى من حلوى الباتسيري المبتكرة، والتي اتخذت من كعكة الكرواسان الفرنسية ركيزة أساسية لصنعها كـ«الكرونات» والـ«كرافين» الأميركيتي المنشأ.
فابتكار حلوى الـ«كرونات» التي وقّعها الفرنسي دومينيك أنسيل في عام 2013 في مخبزه الواقع في مدينة نيويورك الأميركية، جمع فيها ما بين الكرواسان الفرنسية والـ«دونات» الأميركية. فحققت سبقا في عالم الحلوى ما زالت أصداؤه تتردد حتى اليوم في أرجاء الصالونات والمهرجانات الخاصتين بالطعام والطهي. وقد تمكّن مبتكرها من جني ثروة كبيرة منها بعد أن وقف المئات من زبائنه أمام محله في الولايات المتحدة كل يوم وفي ساعات محددة (ما بين السادسة والتاسعة صباحا)، ينتظرون الحصول على قطعة طازجة منها يتلذذون بتناولها كفطور شهي. أما طريقة إعدادها فترتكز على قليها في زيت بذور العنب بعد حشوها وتشبيعها بالسكر قلبا وقالبا وتزيينها تماما كحلوى الـ«دونات» الأميركية الشهيرة، رغم أنها مؤلفة من الداخل من عجينة الفطير الخاصة بالكرواسان.
أما الـ«كرافين» والتي أطلقها مخبز «Mr Holmes bakehouse» في ولاية سان فرانسيسكو الأميركية، فتتألف من رقائق عجينة الكرواسان من الخارج، ولتكشف لك عند قضمها عن عجينة الـ«مافين» الإسفنجية اللذيذة من الداخل. وهي تأخذ عدة نكهات بينها «كريمة القهوة» أو المربيات على أنواعها.
وبالعودة إلى حلوى «الكرواسان بالكنافة» فهي تتألف إما من قطعة الكرواسان السادة المصنوعة من الزبدة، والتي يتم شطرها من الوسط لتوضع فيها الحشوة المؤلفة من الكنافة بالجبن أو القشدة الساخنة. وأما من قطعة الكرواسان مع الشوكولاته التي يتم وضع نفس الحشوة فيها لتتميز بطعم أكثر حلاوة بنكهة الشوكولاته تلبية لعشاقه.
ورغم أن هذه الحلوى تلاقي حاليا رواجا في لبنان وبلدان أخرى، تستضيفها بواسطة محلات الحلوى العربية الموجودة فيها وخصوصا اللبنانية الهوية منها، إلا أن تاريخ صنعها في لبنان ليس بالجديد بل يعود إلى سنوات خلت.
ففي عام 1988 قرر الحلواني البيروتي الزحلاوي الأصل موريس سرور، ابتكار حلوى لذيذة يضيفها إلى لائحة أصناف الحلويات الفرنسية التي يقدمها في محل الباتسيري الذي يملكه في الأشرفية تحت اسم «موريس». محل الحلويات هذا، الذي شكل لأهل المنطقة المذكورة رمزا من رموزها التاريخية، كان بمثابة محطة معروفة لذواقة الـ«كاتو» أو الباتسيري الفرنسية على أنواعها مثل الـ«إيكلير» والـ«بابا أو روم» والـ«باتاشو» والـ«ميل فوي» و«تورتة» الفريز أو التفاح وغيرها. وعندما ابتكر حلوى «الكرواسان بالكنافة»، لاقى نجاحا كبيرا، خصوصا وأنه كان بارعا في صناعة الحلويات الأجنبية كما العربية. ويؤكد الشيف اللبناني الشهير شارل عازار والاختصاصي بالباتسيري الفرنسية والعالمية معا، بأنه تعرف شخصيا إلى هذا الابتكار عندما مارس فترة تدريبية لدى محلات «باتسيري موريس» في أوائل التسعينات أثناء دراسته الجامعية في اختصاص الفندقية. ويتردد في مجالس اختصاصيي إعداد الحلوى، إن فكرة موريس سرور ما لبثت أن انتشرت بعد سنوات قليلة من ابتكاره لها، إثر الاستيلاء عليها من قبل أحد العاملين لديه، الذي انتقل للعمل لدى أحد منافسيه في المهنة والذي هو من نفس منطقة البقاع مسقط رأسه.
والمعروف أن «الكرواسان» هو نوع من المعجنات الفرنسية الشهيرة، تخبز في الفرن لتقدم ساخنة أو باردة كفطور لذيذ. ورغم أن أصوله كما يتردد تعود إلى النمسا، إذ ابتكرها الخبازون فيها احتفالا بجلاء الجيش التركي المحتلّ عن أرضها، فصمموها على شكل هلال الذي كان يزين العلم العثماني ليتم أكلها من قبل النمساويين، للدلالة على أن حقبة الاحتلال العثماني انتهت إلى غير رجعة، إلا أن شهرتها الواسعة انطلقت من فرنسا عندما تم التعديل في عجينتها وفي أصنافها.
وتعتمد شريحة من اللبنانيين تلوين مائدة الفطور في منازلها، بحلوى «الكرواسان بالكنافة». ويتم إعدادها بحجمين مختلفين (الوسط والجامبو). وعادة ما يتم تسخينها في فرن الـ«مايكرو ويف» إذا ما تم شراؤها قبل وقت من موعد تناولها، فيما يفضل البعض تناولها مباشرة في محل الحلويات حتى لا تفقد من طزاجتها، فتكون ساخنة إلى درجة ذوبان جبن الكنافة المحشوة بداخلها والمشبّعة بالقطر، كما أن عجينة «الكرواسان» ذات طبقات الرقائق المؤلفة منها تكون مقرمشة وغير لينة مما يزيد من نكهتها اللذيذة التي يسيل لها اللعاب.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.