لكل اسم من أسماء مقاهي دمشق قصة طريفة

منها «خود عليك» و«الله كريم» و«خبّيني»

من المقاهي القديمة في دمشق  -  مقهى «خبّيني» الدمشقي المتميز بهندسته التراثية
من المقاهي القديمة في دمشق - مقهى «خبّيني» الدمشقي المتميز بهندسته التراثية
TT

لكل اسم من أسماء مقاهي دمشق قصة طريفة

من المقاهي القديمة في دمشق  -  مقهى «خبّيني» الدمشقي المتميز بهندسته التراثية
من المقاهي القديمة في دمشق - مقهى «خبّيني» الدمشقي المتميز بهندسته التراثية

يؤكد الكثير من المتابعين لحركة تأسيس المقاهي في مدينة دمشق التي اشتهرت بولع سكانها بارتيادها لتمضية الوقت وللتسلية بلعب ورق الشدّة أو طاولة الزهر أو مشاهدة خيال الظل والحكواتي، وغير ذلك, أن دمشق عرفت المقاهي قبل نحو 500 عام من خلال مقهى «النوفرة» الشهير بجانب الجامع الأموي، والذي ما زال قائما في مركز المدينة القديمة، وفيما بعد انتشرت المقاهي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع تأسيس ساحة «المرجة» التي عرفت بعاصمة العاصمة وساحة المقاهي، ولتنتقل فيما بعد حركة تأسيس المقاهي في النصف الأول من القرن العشرين إلى الشوارع الرئيسية التي تم افتتاحها في دمشق كشارع بورسعيد، والمتنبي، وسعد الله الجابري، وغيرها، فكانت مقاهي الهافانا، والبرازيل، والكمال، والسياحة، وغيرها.
والشيء المثير للانتباه هنا أن بعض المقاهي أخذت تسميات طريفة، ومنها مقهى «خود عليك» في منطقة الشادروان بالربوة على طريق بيروت القديم بموقع جميل على ضفاف نهر بردى، حيث سمّي كذلك لازدحامه بالزبائن؛ إذ كان الداخل للمقهى يطلب مكانًا للجلوس فيقول للجالسين على الطاولة الذين سبقوه للمقهى عبارة «خود عليك» حتى يجد مكانًا له بين ازدحام المقهى بالزبائن, وهناك مقهى «الله كريم»، والذي كان موجودًا في ساحة المرجة قرب جامع يلبغا، وأسس في أواخر الفترة العثمانية، وتسميته الطريفة تعود لنوعية زبائنه ورواده، حيث كان معظمهم من ضباط الجيش العثماني المتقاعدين، والذين تم تسريحهم بعد خلع السلطان عبد الحميد، وكان هؤلاء كلما مرّ أمامهم ضابط شاب بزيه العسكري المهيب وشاراته وأوسمته المذهّبة يرددون مع تنهيدة عبارة «إيه.. الله كريم»، أملاً بعودتهم إلى الخدمة ورجوع أيام العز السابقة إليهم مع رجوع السلطان. وإذا كانت تغيرت تسمية المقهى الأول وتغيرت وظيفته، حيث تحول لمطعم وغاب المقهى الثاني، حيث تحول لدكاكين، فإن مقهى آخر يحمل اسمًا طريفًا ما زال موجودًا، وهو مقهى «خبّيني» في دمشق القديمة والمقابل للجامع الأموي من الجهة الشرقية في نهاية سوق القباقبية القديم.
يبتسم صاحب المقهى محمد كمال وتار (أبو سليم)، والذي ورثه عن أسرته التي اشترته قبل نحو مائة عام عندما سألناه عن اسم مقهاه الطريف والغريب، مبررًا التسمية بأن المقهى قبل الحرب العالمية الأولى وفي الفترة المعروفة باسم «سفر برلك» لم يكن اسمه هكذا، وفي تلك الفترة كان الناس، وخصوصا الشباب المطلوبين للجندية والمشاركين في هذه الحرب في فترة الاحتلال العثماني، يهربون من دورية العسكر ويحتمون في المقهى بين رواده طالبين منهم الحماية قائلين «خبّيني خبّيني»، ومن هنا جاءت تسميته، والتي ما زلنا نحافظ عليها رغم غرابتها (يضحك أبو سليم).
ومع أن شهرة مقهى «النوفرة» المجاور له قد تطغى أحيانا عليه فإن مقهى «خبّيني» الذي ما زال يحافظ على تسميته الطريفة كما يحافظ على عمارته الجميلة والمتميزة يؤكد صاحبه أبو سليم، أن مبنى مقهاه أقدم من «النوفرة»، وقد بني في مرحلة بناء الجامع الأموي، أي قبل أكثر 1300 سنة، ويدلل على ذلك بأن المؤرخين ذكروه وهم يتحدثون عن تاريخ حارة النقاشات التي تقع خلف المقهى، حيث تأسست هي الأخرى في مرحلة بناء الجامع الأموي لإسكان العاملين في بناء الجامع، وهم مجموعة من حرفيي النقش، والذين عملوا على زخرفة الجامع بالنقوش والفسيفساء والخطوط الهندسية، وقد بنيت استراحة لهم كانوا يجلسون بها في نهاية يوم عملهم الطويل والصعب، وهي نفسها مقهى «خبّيني» الحالي.
ويتميز مبنى المقهى بعراقته؛ فهو مبني من الحجر والأقواس العربية وبمساحة نحو 80 مترًا مربعًا مع وجود مصطبة واسعة أمام مدخل المقهى يجلس عليها الزبائن كمقهى رصيف، كما يتميز مبنى المقهى بوجود شرفة علوية تسمى «قطّاعة»، وهي نادرة ووظيفتها فتحة هوائية ضوئية للمبنى (منور) ولسحب الدخان المتصاعد داخل المقهى، حيث تلعب وظيفة بيئية صحية، كما هو حال الشفاطات الكهربائية الحالية والمكيفات الحديثة.
ومقهى «خبّيني» الذي كان كحال جاره مقهى «النوفرة» يقدم المشاريب الشعبية، وخاصة الشاي، بطريقة متميزة، حيث النصف العلوي من الكأس ماء، والسفلي شاي، أو بالعكس, هنا الشاي يطفو في النصف العلوي، والماء من تحته أو طبقة الشاي معلقة في منتصف الكأس، وفوقها الماء، وتحتها، وكان هناك «السماور» ذلك الوعاء التراثي الشهير الذي يوضع على الفحم المشتعل ليغلي الماء خلال عشر دقائق، وتم استبدال موقد الغاز فيما بعد بالفحم, حيث غابت هذه التقاليد مع غياب غيرها كفقرة الحكواتي التي غابت من المقهى قبل أربعين عامًا، وكذلك تقديم القهوة العربية - يتذكر أبو سليم تلك المرحلة، حيث كانت مصبّات القهوة المرة تملأ المقهى، وكان في زاوية المبنى يتوضع بيت النار لتبقى القهوة ساخنة باستمرار، وكان النادل يستقبل زبون المقهى منذ دخوله بفنجان القهوة العربية قبل أن يجلس على كرسيّه - فإن المقهى يقدّم حاليًا الشاي الذي يسمى «الخمير»، حيث تسكب في نصف الكأس بشكل مكثف ويضاف لها الماء المغلي من «السماور» الحديث! كذلك ما زال المقهى حريصًا على تقديم القهوة التركية في كأس وليس في فنجان، كما أنه يحرص على غلي كأس القهوة الواحدة في دلّة واحدة ويكررها في دلال أخرى مهما كان عدد الزبائن الطالبين لها (مثلاً ست دلال لستة زبائن على الطاولة الواحدة)، وهي طريقة يعتبرها أبو سليم متعبة، ولكنها متميزة، حيث كل زبون له دلّته وخصوصية قهوته.
وكما يعتز أبو سليم بتاريخ مقهاه العريق فإنه يعتز أيضًا بمقتنيات قديمة ما زال يحافظ عليها ويعرضها على جدران المقهى، ومنها قناديل جاز قديمة تنير المقهى قبل وصول الكهرباء إليه في الربع الأول من القرن العشرين المنصرم، كذلك يعتز أبو سليم برواد المقهى المعروفين ومنهم شعراء وفنانون كالشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي الذي كان في خمسينات وستينات القرن المنصرم مواظبًا على ارتياد مقهى «خبيني» بشكل يومي صباحًا ومساء.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.