في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأميركي جو بايدن تعزيز موقفه على الجبهتين الخارجية والداخلية، وبناء «حيثية قوية» في مواجهة المخاوف من اجتياح روسي لأوكرانيا، برزت تساؤلات عدة عن الأهداف الحقيقية والمبيتة لهذا «التهويل» الكلامي الذي أجبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على التعبير علناً عن خلافه مع بايدن، حول تقدير التهديد «الوشيك».
ورغم أن البعض يرى أن واشنطن تشن مع حلفائها «حملة حرب علاقات عامة»، بسبب مخاوف حقيقية من اندلاع صراع كبير في أوكرانيا، فإن دلائل كثيرة تشير إلى أن إدارة بايدن تبني استراتيجية مصممة أيضاً لتكثيف الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لزيادة التكلفة على حساباته الاستراتيجية، وإجبار حلفاء واشنطن الأوروبيين على اتخاذ موقف أكثر صرامة منه.
وشبَّه البعض ما يجري اليوم بسيناريوهات طُبقت في بداية التسعينات من القرن الماضي، دفعت الرئيس العراقي صدام حسين إلى غزو الكويت، مع فارق كبير بين نتائج تورطه، وما يمكن أن يسفر عنه تورط بوتين في أوكرانيا.
- بايدن «القوي»
بايدن الذي واصل الحديث عن الهجوم الروسي «الوشيك»، أعلن أنه سيرسل «قريباً»، عدداً صغيراً من الجنود الأميركيين إلى أوروبا الشرقية، للانتشار في دول حلف شمال الأطلسي، وليس في أوكرانيا. إصراره على التمسك بخطابه المتشدد، يراه البعض أنه قد يوفر له غطاء سياسياً يظهره قوياً، وبأنه «لم يفاجَأ» بقيام روسيا بالغزو، لتفادي تكرار سيناريو أفغانستان المحرج. ومن ناحية أخرى قد يكون وسيلة لتعزيز موقفه الداخلي في ظل الهجمات التي يتعرض لها من الجمهوريين الذين يحاولون إظهاره رئيساً ضعيفاً، قبل انتخابات التجديد النصفي في الخريف المقبل.
بيد أن الخلافات الذي ظهرت بين بايدن ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على الرغم من المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما قبل يومين، قد تسبب ضغوطاً إضافية على بايدن، من منتقديه من الجناحين الأكثر راديكالية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، جراء «موقفه المتشدد» من بوتين أولاً، ومن «قلقه الزائد» على أمن أوكرانيا، أكثر من قادتها أنفسهم.
واللافت في جبهة الجمهوريين أن انشقاقاً ظهر في الموقف من روسيا ورئيسها ومن التحالف مع أوكرانيا، بين المؤسسة الحزبية التقليدية، والجناح المؤيد لترمب الذي أعلن صراحة أنه يميل إلى بوتين «القوي»، و«بأن لا مصلحة لنا في دعم دولة لا تستأهل هذا النوع من التضحيات والتورط من أجلها»، في إشارة لأوكرانيا.
ومع تصاعد التوتر وازدياد المعلومات عن حشد القوات الروسية، برز تساؤل عن أسباب عدم مطالبة بايدن وإدارته، الرئيس الروسي بعدم الغزو؛ بل قالوا مراراً وتكراراً إنهم يعتقدون أنه سيفعل ذلك، مستخدمين كلمة «وشيك»، وآخرها تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن. كما يفسر البعض هذا بأن التشدد الأميركي قد يكون حقيقياً من تجاه قيام القوات الروسية بتنفيذ الغزو، وتداعياته التي وصفها بايدن بأنها ستغير «وجه العالم».
ويرى آخرون أن الهدف أيضاً قد يكون حرمان الرئيس الروسي من عنصر المفاجأة، وإعفاء بايدن من تحميله المسؤولية عن عدم توقع خطوة بوتين، وبأنه اتخذ موقف قوياً منه. وهو ما قد يتعزز إذا قام بوتين بالتراجع في النهاية؛ حيث يمكن لبايدن عندها «تسجيل انتصار»، لاستخدامه على الجبهتين الخارجية والداخلية، رغم أن تراجع بوتين لا يزال مستبعداً، في ظل الخشية من تغليب حفاظه على صورته كرجل قوي، على مصلحة بلاده العليا.
- الوحدة مع الحلفاء
وبدا أن هدف بايدن في توحيد موقف بلاده مع حلفائه الأوروبيين في طريقه إلى التحقق، ليس فقط من ناحية الكشف عن العقوبات التي تستعد إدارته لفرضها؛ بل وعلى بدء الحصول على موافقة «المترددين» الأوروبيين. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الخميس، إن «لا شيء غير مطروح على الطاولة» بما في ذلك قتل مشروع خط أنابيب «نورد ستريم 2»، وإخراج روسيا من نظام «سويفت» للتحويلات المالية.
وأعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك، أن برلين تعمل على فرض عقوبات صارمة إذا غزت روسيا أوكرانيا، بما في ذلك «نورد ستريم»، وهو تحول في الموقف الألماني. وأعلن بايدن أن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز سيزوره في البيت الأبيض الشهر المقبل، في مؤشر آخر على موقف متقارب.
وأعلنت الخارجية الأميركية، في بيان أول من أمس، أن ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية، تحدثت مع نظرائها الفرنسي والألماني والإيطالي والبريطاني، وناقشوا ردَّي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) المكتوبين على روسيا، واجتماع صيغة نورماندي الذي عقد في باريس قبل أيام. وأضاف البيان أن الفرقاء جددوا «الالتزام بالدبلوماسية»، واتفقوا على «أهمية استمرار التنسيق الوثيق والوحدة» في مواجهة التعزيز العسكري الروسي غير المبرر على حدود أوكرانيا. وأعادوا التأكيد على أن أي توغل عسكري إضافي في أوكرانيا سيواجه «بعواقب سريعة وخطيرة ومنسقة».
- عقوبات غير مسبوقة
وكشف تقرير نشرته صحيفة أميركية، أن إدارة بايدن تضع «اللمسات الأخيرة» على حزمة عقوبات قد تفرضها على روسيا، تستهدف البنوك الروسية والشركات الحكومية وواردت أساسية للبلاد. ويؤكد مسؤولون في إدارة بايدن أن «الإجراءات التي يتم بحثها لم يسبق لها مثيل في العقود الأخيرة ضد روسيا». وبدا أن واشنطن تستخدم سلاح الغموض والتأثير النفسي على موسكو، عبر إعلانات تبدو متناقضة في العلن، بأن العقوبات لن تستهدف المواطنين الروس؛ بل «شخصيات مهمة» ستواجه «عقوبات واسعة»، وستركز على استهداف القطاعات الصناعية. لكن التقرير يضيف أن من بين الأهداف المحتملة، العديد من كبرى البنوك الروسية، وإجراءات تستهدف الديون السيادية الروسية، وتطبيق ضوابط أكبر على الواردات الروسية من قطع «الإلكترونيات الدقيقة المتطورة».
وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن العقوبات على «صادرات النفط والغاز، أو عزل النظام المالي لروسيا» غير مطروحة على الطاولة في الوقت الحالي، ولكن الأمور قد تتغير اعتماداً على سلوك روسيا؛ لكن الجديد هو تأكيدهم على أن الولايات المتحدة لن تقوم بفرض تلك العقوبات تدريجياً على روسيا؛ بل سيتم استهداف مجموعة واسعة من النشاطات الاقتصادية دفعة واحدة بشكل مباشر.
وبينما أكدت إميلي هورن، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، أن «واشنطن وحلفاءها لديهم مجموعة كاملة من العقوبات شديدة التأثير وجاهزة للانطلاق، في حال الغزو الروسي لأوكرانيا»، قال مسؤولون إن الحلفاء الأوروبيين أكثر انسجاماً مع الولايات المتحدة مقارنة بعام 2014؛ لأن مطالب الرئيس الروسي تتجاوز أوكرانيا هذه المرة، ويطالب بإعادة صياغة الترتيبات الأمنية لفترة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا.
بايدن يسعى إلى تعزيز صورته داخلياً وخارجياً
بايدن يسعى إلى تعزيز صورته داخلياً وخارجياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة