أشجار الغاف البحري تغزو البيئة في سلطنة عُمان

قلع المسكيت بالجرافة (بلدية صحار)
قلع المسكيت بالجرافة (بلدية صحار)
TT

أشجار الغاف البحري تغزو البيئة في سلطنة عُمان

قلع المسكيت بالجرافة (بلدية صحار)
قلع المسكيت بالجرافة (بلدية صحار)

الغاف شجرة أصيلة تنمو في الأجزاء القاحلة من غرب آسيا وشبه القارة الهندية، وهي تنتشر في دول الخليج العربي كلها. وبينما تعتبر الغاف شجرة مفيدة للبيئة المحلية والماشية، فهذا لا ينطبق على «الغاف البحري»، وهي شجرة غازية استقدمت من الخارج لتسريع التشجير وكنبتة زينة، فانتشرت وتكاثرت في دول الخليج بوتيرة يصعب السيطرة عليها، مما استوجب إطلاق حملات واسعة لمكافحتها.
نبات الغاف البحري شجرة شائكة دائمة الخضرة من بين أكثر من 40 نوعاً من أشجار المسكيت. ويتراوح طول شجرة الغاف البحري من 15 إلى 18 متراً، ويصل عرض جذعها إلى 90 سنتيمتراً، وتخترق جذورها الأرض لعمق يصل إلى 80 متراً، وامتداد أفقي يصل إلى 30 متراً. وتعد المكسيك وأميركا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي الموطن الرئيسي لهذه الشجرة، لكنها انتشرت وأصبحت من الأنواع الضارة في أفريقيا وآسيا وأستراليا وأماكن أخرى. فقد أظهرت نفسها على أنها غازية شديدة العدوانية، خاصةً في الأراضي العشبية القاحلة وشبه القاحلة، سواء في نطاقها الأصلي أو حيث تم إدخالها. فعلى سبيل المثال، تم إدخال هذا النوع في المناطق القاحلة وشبه القاحلة في منطقة تاميل نادو في جنوب الهند، للتغلب على النقص في حطب النار في منطقة رامانثابورم خلال عام 1877، لكنه تسبب في مشكلة خطيرة في البيئة. وفي أستراليا تم تصنيفها كواحدة من أهم الأنواع الضارة على المستوى الوطني. وينتشر الغاف البحري على سواحل دول الخليج العربي كالسعودية والإمارات. كما توجد هذه الأشجار في حضرموت في اليمن وتسمى سيسبان.
- الغاف البحري في سلطنة عمان
يعتبر الغاف البحري أو الغويف من الأنواع الغريبة على البيئة العمانية، حيث بدأ استخدامه قبل عقود كشجرة زينة سريعة النمو في مشاريع الحدائق والمناظر الطبيعية والطرق السريعة. واليوم، تغزو هذه الشجرة مناطق شاسعة من السواحل والسهول والوديان في محافظة مسقط والمحافظات الواقعة في شرق وشمال السلطنة، بالإضافة إلى محافظتي الداخلية والظاهرة. وتنتشر بشراسة في سواحل محافظة ظفار في الجنوب، وتزحف حالياً نحو مناطقها الجبلية التي تضم أكبر تنوع نباتي في السلطنة.
ينتشر الغاف البحري على مساحات واسعة ويتوسع بسرعة في المراعي الطبيعية، ويتداخل مع النباتات المحلية ويتنافس على الماء والمغذيات، ولهذا فهو يشكل تهديداً رئيسياً للأشجار المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تسبب حبوب اللقاح حساسية للإنسان. أما الحيوانات التي تتغذى على ثمار (قرون) هذه الشجرة فعادة ما تفقد وزنها وقد تموت في معظم الحالات. وقد قدرت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه في سلطنة عمان أن هناك ما بين 20 - 22 مليون شجرة في البلاد، وتزداد سنوياً بنسبة 5 في المائة. ويمكن لكل شجرة أن تنتج آلاف البذور سنوياً، وهي تنتشر عبر الوديان ومخلفات الماشية والرياح.
ولما بات ضرورياً الحد من انتشار الغاف البحري في محافظات السلطنة، أطلقت الحكومة حملة وطنية عام 2009 لإزالته من المناطق المتضررة، وكلفت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بهذه المهمة. وفي عام 2015 أطلقت حملة أخرى في محافظة ظفار. كما أصدرت الوزارة عام 2017 قراراً بتحديد الضوابط المتبعة في شأن قلع وإزالة أشجار الغاف البحري، حددت فيه غرامة تصل إلى 1000 ريال عماني على كل من يخالف هذا القرار. وحققت هذه الإجراءات بعض النجاح، بيد أنها افتقدت لعنصر المتابعة الدورية بعد ذلك، مما جعل هذه الأشجار تنمو مجدداً بكثافة أكبر وتنتشر في شتى أنحاء البلاد.
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت مبادرات محلية لمكافحة هذه الشجرة الغازية في بعض ولايات السلطنة. ففي ولاية جعلان بني بوعلي في محافظة جنوب الشرقية يعمل فريق من المتطوعين، بدعم من القطاعين المحلي والخاص، على استئصال أشجار الغاف البحري من مسارات الأودية. وفي محافظة ظفار، يعمل عدد من الأهالي والفرق التطوعية للقضاء على أشجار الغاف البحري في جبال ظفار. كما قامت بلدية صحار في محافظة شمال الباطنة بتشكيل فريق عمل لإزالة أشجار الغاف البحري من مجاري الأودية والأراضي المفتوحة في ولاية صحار، وسخرت الموارد البشرية والمعدات والأدوات اللازمة لإنجاز هذا العمل.
- طرق المكافحة في ولاية صحار
تنتشر أشجار الغاف البحري على نطاق واسع في العديد من مجاري الأودية في ولاية صحار، مثل أودية صلان والبوهة والغيل، وهي تتسبب في إعاقة تدفق مياه السيول الجارفة، وقد تؤدي أحياناً إلى فيضان المياه باتجاه المناطق المحيطة وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة. وتبذل بلدية صحار في السنوات الأخيرة جهوداً حثيثة لإزالة هذه الأشجار من مجاري الأودية لضمان تدفق المياه الغزيرة عند نزولها إلى مصباتها، إلا أنه يلاحظ أن هذه الأشجار تنمو مجدداً في غضون أسابيع قليلة، مما يتسبب في عودة المشكلة مرة أخرى، وبالتالي يتطلب بذل الجهد ذاته من جديد لإزالتها.
وبناء على التجارب المتواصلة، اعتمدت الإدارات المختصة في ولاية صحار مجموعة من الطرق التي أثبتت فاعليتها لتحقيق المكافحة المثلى لأشجار الغاف الغازية، وفق مواقعها. ففي الأماكن التي توجد فيها أشجار الغاف البحري بكثافة عالية، يتم تجريفها بواسطة جرافة ومتابعة عودة نموها بشكل دوري وإزالتها على الفور حتى القضاء على جميع الأشجار تماماً من مختلف المواقع. وحيث لا يمكن وصول المعدات الآلية، يقوم العمال والمتطوعون بقطع الأشجار بالقرب من الأرض وصب سائل حمضي قوي فوق الجزء المتبقي لقتلها، مع المتابعة الدورية لضمان عدم نمو الأشجار مرة أخرى. أما في الأماكن التي تكون فيها الأشجار صغيرة ومتفرقة، فيتم قلعها بمجرفة أو نزعها باليد بواسطة عمال ومتطوعين يرتدون قفازات شديدة التحمل، أو قطعها من الجذر بمقص الأشجار بعد الحفر تحتها. وفي بعض الحالات، يتم قطع الأشجار المنعزلة وإحراق الجذع المتبقي بالنار. وللتأكد من عدم تكاثرها من جديد، يتضمن البرنامج متابعة نمو البذور المتساقطة من الأشجار المستأصلة واقتلاع البادرات الجديدة على الفور.
ينبغي أن تتم مكافحة نمو أشجار الغاف البحري بطريقة مستدامة لوقف زحفها إلى مناطق جديدة، ويتطلب ذلك توفير أيد عاملة كافية لإنجاز المهمة في كل ولاية، وتزويدهم بالأدوات والمعدات لإزالة الأشجار الغازية على الفور. وفي حين قد تستغرق أعمال المكافحة الأولية عدة أشهر أو سنوات، بحسب كثافة الأشجار الغازية في كل منطقة، من المهم أن تستمر المتابعة الدورية لعدة سنوات لاحقة. ويسترعي ذلك تكليف جهة حكومية مختصة لقيادة جهود مكافحة أشجار الغاف البحري على المستوى الوطني والإشراف عليها ومتابعتها باستمرار، ودعوة المؤسسات وشركات القطاع الخاص في كل محافظة لتقديم الدعم اللازم، وحث الجمعيات والأندية والأهالي في كل ولاية للتطوع والمشاركة في جهود المكافحة.
- تخصصي أول دراسات حياة برية بلدية صحار سلطنة عمان


مقالات ذات صلة

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

يوميات الشرق أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست» ببريطانيا، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
TT

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات ينبعث منها كميات من غاز الميثان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يُثير القلق من أن أهداف المناخ العالمية أصبحت بعيدة المنال، وفق «رويترز».

وتحتوي الأراضي الرطبة على كميات هائلة من الكربون في صورة مواد نباتية ميتة، تتحلل ببطء من خلال الميكروبات الموجودة في التربة.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع هذه العملية، ما يزيد من التفاعلات الحيوية التي ينتج عنها غاز الميثان. كما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ما يتسبب في زيادة رقعة الأراضي الرطبة.

وكان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة زيادة انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة، مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكن من عام 2020 إلى 2022 أظهرت عينات مأخوذة من الهواء وجود تركيزات أعلى من غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وتشير 4 دراسات نُشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن الأراضي الرطبة الاستوائية هي السبب الأكثر ترجيحاً في ارتفاع مستويات الميثان، إذ أسهمت المناطق الاستوائية في ارتفاع مستويات ذلك الغاز بأكثر من 7 ملايين طن خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال روب جاكسون، أستاذ البيئة بجامعة ستانفورد، الذي يرأس المجموعة التي تنشر الميزانية العالمية للميثان: «تركيزات الميثان لا ترتفع فحسب، بل ارتفعت في السنوات الخمس الماضية أسرع من أي وقت مضى».

وأعلنت بعض الدول عن خطط طموح لخفض غاز الميثان. وقالت الصين العام الماضي إنها ستسعى جاهدة للحد من حرق الانبعاثات من آبار النفط والغاز.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللمسات الأخيرة على لائحة جديدة الأسبوع الماضي، سيلتزم بموجبها منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة بدفع رسوم على بعض انبعاثات الميثان، لكن من المرجح إلغاء هذه اللائحة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وقالت وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إيف بازيبا لـ«رويترز»، على هامش قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ (كوب 29)، إن بلادها تعمل على تقييم انبعاثات غاز الميثان من غابات المستنقعات والأراضي الرطبة في حوض الكونغو.

وجاء في تقرير ميزانية الميثان لعام 2024 أن الكونغو هي أكبر مصدر لانبعاثات الميثان في المناطق الاستوائية.