(تحليل إخباري): توافق فرنسي ـ روسي على خفض التصعيد في أوكرانيا

صورة أرشيفية لاتصال بين ماكرون وبوتين في 26 يونيو 2020 (رويترز)
صورة أرشيفية لاتصال بين ماكرون وبوتين في 26 يونيو 2020 (رويترز)
TT

(تحليل إخباري): توافق فرنسي ـ روسي على خفض التصعيد في أوكرانيا

صورة أرشيفية لاتصال بين ماكرون وبوتين في 26 يونيو 2020 (رويترز)
صورة أرشيفية لاتصال بين ماكرون وبوتين في 26 يونيو 2020 (رويترز)

في مؤتمر الصحافي المشترك مع المستشار الألماني في برلين مساء الثلاثاء الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي عن رغبته في التواصل مع نظيره الروسي من أجل التعرف على خططه ونياته وأنه مستعد للذهاب الى موسكو برفقة أولاف شولتز إذا ما تبين أن أمرا كهذا يمكن أن يكون مفيدا.
وقتها، شدد إيمانويل ماكرون على أمرين. الأول، أن الرد الأوروبي على عمل عدواني ضد أوكرانيا سيكون ثمنه باهظا بحق روسيا التي وصفها بأنها أصبحت «قوة لضرب الاستقرار في محيطها». والثاني، تمسكه الشديد بإبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الرئيس بوتين.
وأمس ظهرا، حصل الاتصال الهاتفي بين الرئيسين وقد أتبعه ماكرون باتصال مماثل مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي ما يعكس رغبته بأن يلعب دورا يليق بفرنسا وبالاتحاد الأوروبي الذي يرأسه لستة أشهر في ملف الأزمة الأوكرانية ويريد أن يكون صوته مسموعا من واشنطن وموسكو على السواء.
لم يتسرب كثير من الجانب الفرنسي حول الاتصال الهاتفي الذي دام ساعة كاملة مع بوتين. إلا أن ما صدر عن قصر الإليزيه، في حال أتبع القول بالفعل، يمكن أن ينظر إليه على أنه عناصر «إيجابية» تساعد على خفض «سخونة» الأزمة ويمكن تلخيصها بثلاثة. الأول، توافق ماكرون - بوتين على «ضرورة خفض التصعيد». وقال الإليزيه إن بوتين «لم يبد أية نية عدوانية... وقال بوضوح إنه لا يسعى للمواجهة». وكان وزير الخارجية الروسي أكد قبل ذلك الأمر نفسه. وأهمية هذا العنصر أنه يستجيب لرغبة ماكرون في التعرف على «خطط ونيات» نظيره الروسي. لكن يبقى أن تبين الأيام والأسابيع القادمة ما إذا كان بوتين صادقا، خصوصا أن واشنطن ولندن تؤكدان، مرة بعد الأخرى، أن بوتين عازم على غزو أوكرانيا. والأمر الثاني اللافت أن بوتين قدم «هدية» لماكرون بالنسبة لموضوع الأمن الاستراتيجي في أوروبا، إذ قال المصدر الفرنسي إن الرئيسين «اتفقا على متابعة الحوار (الاستراتيجي) الذي يتطلب أن يكون الأوروبيون جزءا منه». وليس سرا أن موسكو تفضل التحاور مباشرة مع واشنطن و«من فوق رأس الأوروبيين»، الأمر الذي عكسه اجتماع لافروف - لينكن الأسبوع الماضي في جنيف وحوراهما عن بعد أمس بخصوص الردين الخطيين الأميركي والأطلسي اللذين سلما للجانب الروسي قبل يومين.
أما الأمر الثالث الذي يمكن اعتباره نجاحا للرئيس الفرنسي، فيتمثل في تمسك بوتين بما يسمى «صيغة نورماندي» كمنصة للحوار، ومن أجل تنفيذ اتفاقيات «مينسك» الخاصة بتسوية النزاع الأوكراني الموقعة في عام 2015 بين السلطة المركزية في كييف والانفصاليين في منطقة الدونباس الذين يحظون بدعم ورعاية موسكو. وتتشكل «صيغة نورماندي» من فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا، ويعود آخر اجتماع لها على مستوى القمة في باريس في عام 2019. ورغم كلام بوتين، فإن العديد من التساؤلات مطروحة حول نجاعة هذه الصيغة التي لم تنجح حتى اليوم سوى في توفير وقف هش لإطلاق النار. وعقد في قصر الإليزيه أول من أمس اجتماع ضم المستشارين السياسيين للقادة الأربعة. وعدت باريس الاجتماع ناجحا لأن الطرفين الروسي والأوكراني اتفقا على تعزيز الهدنة، بينما رأت برلين أنه لم يحصد نجاحا. وفي أي حال، فإن اجتماعا ثانيا سيلتئم على المستوى نفسه في العاصمة الألمانية بعد أسبوعين.
في تناولها لنتائج التواصل الهاتفي بين الرئيسين، حرصت مصادر الإليزيه على الإشارة الى أن بوتين «تمنى مواصلة المناقشات» مع الرئيس ماكرون. ورغم وصفها الحوار بينهما بأنه كان «صعبا»، فإنها اعتبرت أن «فتح قنوات تواصل» الأمر الذي كان يبحث عنه ساكن الإلزيه.
ويمكن النظر إلى كلام بوتين على أنه اعتراف بفائدة الدور الذي يقوم به ماكرون الذي سعى منذ وصوله إلى الرئاسة إلى إقامة علاقة شخصية مع بوتين. فلقد دعاه إلى قصر فرساي في عام 2017، ثم وجه إليه دعوة خاصة صيف عام 2019 لباها بوتين إلى منتجع «بريغونسون»، المقر الصيفي الرسمي للرئاسة الفرنسية قبيل قمة مجموعة السبع التي كانت ترأسها فرنسا. وخلال الربيع الماضي، سعى ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إلى إقناع القادة الأوروبيين بعقد قمة مع بوتين وهو ما لم يحصل منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. إلا أن معارضة بولندا ودول البلطيق ورومانيا وغيرها أحبطت المحاولة المشتركة الفرنسية - الألمانية. وفي أي حال، يعد ماكرون أن الحوار مع روسيا ضروريا وأن أمن أوروبا لا يمكن أن يتحقق من دونه. ولا تبدو باريس مرتاحة للتوتر الذي ترى أن واشنطن ولندن تسعيان إليه. وبعكس ما فعلتاه، لم تطلب الخارجية من الرعايا الفرنسيين الرحيل عن أوكرانيا.
لا تعني هذه المواقف تساهلا مع روسيا ولا تفريطا بأوكرانيا. فقد أشارت مصادر الإليزيه إلى أن ماكرون، خلال اتصاله الهاتفي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سيؤكد له «التزام فرنسا بسيادة أوكرانيا وتضامنها معها في هذه المرحلة المتسمة بالتوتر إضافة إلى التزامها بمواصلة المفاوضات من أجل التوصل إلى تنفيذ اتفاقيات مينسك».
حقيقة الأمر أن خطة ماكرون تقوم على الفصل بين الملفين الأوكراني من جهة، والأميركي - الأطلسي - الروسي من جهة ثانية رغم التداخل بينهما. يركز الرئيس الفرنسي على الأول حيث تستطيع باريس أن تلعب دورا بالتضامن مع ألمانيا من خلال التركيز على فائدة «صيغة نورماندي» ودور الدولتين الأوروبيتين فيها. ووفق الرؤية الفرنسية، فإن «تبريد» الجبهة الأوكرانية وإحداث تقدم ما بشأنها، سيساعد على إيجاد مساحة من الحوار بشأن الملفات الأخرى. وتأكيدات بوتين ولافروف أمس لجهة انعدام أي رغبة روسية في غزو أوكرانيا يمكن توظيفها، خصوصا أن باريس لا ترى أن نشر القوات الروسية يمهد لغزو أوكرانيا بل تعتبر ذلك وسيلة ضغط على إدارة بايدن والحلف الأطلسي وسيلة سماع صوت ومطالب روسيا. بيد أن الأوراق التي يمسكها ماكرون قليلة ومصدر القرار ليس في باريس أو في أوروبا، وإنما في موسكو وواشنطن ولكن هذا لا يمنعه من التحرك وهو ما يفعله.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».